لم يكد الرئيس المؤقت عدلي منصور يصدق على قانون التظاهر الجديد حتى سادت حالة من الجدل لم تنته حتى الآن بفعل الخلاف حول مواد القانون، والتي أبدى البعض تحفظه على بعضها فيما رآه آخرون مدخلنا الأكيد للاستقرار الذي ننشده بعد 30 يونيو. وفي مواجهة التخوف الذي أثاره القانون على وضع الحريات في مصر أشار مسئولون وخبراء إلى أنه يعتبر في حكم المؤقت حيث إن البرلمان المقبل سيعدله بمجرد انتخابه. كما تذهب بعض التفسيرات إلى الربط بين تمرير مسودة الدستور المعدل وسقوط قانون التظاهر. وبدورها أثارت النقطة المتعلقة بموقف البرلمان جدلاً آخر حول ما إذا كان من الواجب على البرلمان أن يعدل كافة التشريعات التي جرت في ظل غيابه أم أن ذلك لا يتم إلا إذا اقتضى الأمر، وهي المشكلة التي تبدو حيوية حسمها في ضوء حقيقة أن هناك نحو 63 ألف تشريع تم التوصل إليها في غياب البرلمان. وبالالتفات إلى المنظومة التشريعية فى مصر وآلاف القوانين التى تحتاج مراجعة وتعديلاً بشكل يناسب الظروف المجتمعية وتنقيحها من العيوب، تبرز أزمة الدور البرلمانى فى إقرار التشريعات وإعادة النظر فيها، فضلاً عن تساؤلات حول العوامل التى تعطى الأولوية لتعديل قانون بعينه. وبسؤال قانونيين وفقهاء دستور، أكدوا امتلاك البرلمان الجديد كافة الصلاحيات لتعديل أو إلغاء قانون التظاهر أو استمرار العمل به؛ كونه السلطة التشريعية فى البلاد. وأوضح القانونيون فى تصريحات ل»الوفد» أن البرلمان لا يتحمل النظر فى آلاف التشريعات التى تحتاح مراجعتها، موضحين أن تعديل القوانين يتوقف على هوية المجلس التشريعى ومدى الجدل المجتمعى المثار حول قانون بعينه، نافين أى علاقة بين إقرار مسودة الدستور المعدل وإلغاء قانون التظاهر. ومن جهته.. أكد الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى والقانونى، أحقية البرلمان فى تعديل أو إلغاء قانون التظاهر أو التصديق على استمرار العمل به؛ كونه يمثل السلطة التشريعية فى البلاد. وأضاف أن البرلمان بعد تشكيله يمكنه النظر فى أى تشريع، مستخدماً الأدوات التى تقرها اللائحة الداخلية لمجلس الشعب، موضحاً أن البعض يروج بشكل خاطئ لكون تمرير مسودة الدستور المعدل تعنى وقف العمل بقانون التظاهر، وتابع: «السلطة التشريعية هى التى أقرت القانون وبالتالى هى المسئولة عن إلغائه أو تعديله والدستور لا علاقة له بالأمر». وحول وجود آلاف القوانين المصرية ومدى إمكانية تعديلها أو استمرار العمل بها، أكد «السيد» أن هناك أزمة بالتشريع المصرى، لافتاً إلى عدد كبير من التشريعات التى صدرت دون مراجعة من مجلس الدولة وعدم مراعاة مصالح العامة ما يحتم إعادة النظر فيها، واصفاً تجاهل إصلاح المنظومة التشريعية بالكارثة. وأردف: «هناك أزمة نتيجة تزايد عدد القوانين التى تحتاج لتعديل ويتوقف أمر مراجعتها على الأولوية والظروف المجتمعية»، محملاً البرلمان مسئولية إصلاح الخلل التشريعى. ونتيجة للمسئولية التشريعية الملقاة على عاتق البرلمان، شدد الفقيه الدستورى على ضرورة التدقيق عند اختيار النواب خلال العملية الانتخابية؛ لضمان اختيار ممثلين للشعب ينجحون فى إصلاح المنظومة السياسية بشكل عام وليس القانونية فقط. وتابع: «للأسف اجتياز الانتخابات عبارة عن حرفة فى مصر على مدار عقود ما يؤدى إلى تشكيل برلمان لا يضم أفضل العناصر وبالتالي منظومة تشريعية تحتاج لتنقيح». من جانبه رأى المستشار محمد ماهر أبو العينين، نائب رئيس مجلس الدولة، أن الهوية السياسية للبرلمان هى التى تحدد القوانين التى سيقع عليها الاختيار لتعديلها. وأضاف :» البرلمان المصرى بشكل عام ينفذ أجندة محددة تبتعد بمسافة كبيرة عن مطالب الجمهور». وقال «أبو العينين» إن مجلس الشعب له مطلق الحرية فى تعديل أو إلغاء قانون التظاهر طالما اتبع الاجراءات المقررة فى لائحة البرلمان، موضحاً أن دوره يتركز على التشريع ورقابة أجهزة الدولة. وبعيداً عن اجراءات تعديل القوانين أو الإبقاء عليها، قلل نائب رئيس مجلس الدولة، من أهمية إلغاء قانون التظاهر أو مراجعته من قِبل البرلمان الجديد، وأردف:» السلطة القضائية متأثرة بالجو السياسى العام ما يقلل من قيمة قانون التظاهر». ودلل على حديثه بما اعتبره أحكاما تعسفية الصادرة سواء على طالبات الإسكندرية أو طلاب جامعة الأزهر، وقال: «عقوبة التظاهر وقت الاحتلال البريطانى لم تكن تتجاوز السبع سنوات أما الآن فهى تتعدى السبع سنوات». أما الدكتور محمد رفعت عبد الوهاب أستاذ القانون العام بجامعة الاسكندرية، فقال إن البرلمان لا يمكنه تحمل تعديل آلاف التشريعات أو النظر فيها للبت فى إلغائها من عدمه، موضحاً أن الأمر يتوقف على القوانين التى تثير جدلاً مجتمعياً وتحتاج مناقشة عاجلة لها. وقال «عبد الوهاب» إن المجلس التشريعى له كامل الصلاحيات فى تعديل قانون التظاهر طالما يتبع الاجراءات المقررة. ويذهب أستاذ القانون العام إلى تبرير العمل بقانون التظاهر، قائلاً: «الاضطرابات وأعمال العنف التى تعيشها البلاد تفرض تقنين التظاهرات باجراء تشريعى عاجل وهو ما حدث بالفعل وصدق عليه الرئيس المؤقت انطلاقاً من مبدأ لا حماية للحريات إلا بإرساء الدولة القوية».