هل يمكن أن يعيدالتاريخ نفسه؟.. السياسة تقول إنه ليست هناك صداقة دائمة.. أو عداوة دائمة.. ولكن هناك مصالح دائمة.. نقول ذلك بمناسبة التقارب المصرى الروسى الآن، بعد التشدد الأمريكى تجاه مصر، وبالذات بعد ثورة 30 يونية ثم ما تبع ذلك من قرار أمريكى بمنع توريد الأسلحة التى كان قد تم الاتفاق عليها من فترة سابقة.. وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ومع أمريكا بالذات.. ثم مع روسيا.. إذ حاولت مصر بعد ثورة يوليو1952.. إعادة تسليح جيشها، خصوصاً بعد اعتداءات متتالية إسرائيلية على مصر، فى سيناء.. ولما فشلت هذه المحاولة بالذات مع أمريكا.. لم تقف مصر مكتوفة الأيدى.. وفى سبتمبر 1955 عقدت مصر صفقة أسلحة ضخمة مع تشيكوسلوفاكيا وكشف الرئيس عبدالناصر هذا السر فى مساء يوم 27 سبتمبر بمعرض القوات المسلحة، عندما رأى تعنت أمريكا وأيضاً إنجلترا وفرنسا وغيرها.. وقد وضعت هذه الدول شروطاً قاسية للحصول على السلاح منها.. وكان رد مصر هو توقيع اتفاقية تجارية مع تشيكوسلوفاكيا تحصل مصر بمقتضاها على الأسلحة مقابل منتجات مصرية من القطن والأرز، وأكد عبدالناصر فى هذه الكلمة ان هذه الاتفاقية لا تعتبر فتحاً للنفوذ الروسى ولا للنفوذ الأجنبى.. ولكنها جاءت لوقف محاولات السيطرة الغربية على مصر. وللحقيقة تعتبر هذه الصفقة من أهم أحداث التاريخ المصرى الحديث، بل أحدثت دوياً رهيباً فى العالم كله، وكانت مصر قد لجأت إلى تشيكوسلوفاكيا حتى لا يتهمها أحد بالارتماء فى أحضان الشيوعية العالمية.. مباشرة.. الآن.. هل يتكرر نفس الموقف.. هل يكون التقارب المصرى من روسيا بمثابة عودة للنفوذ الروسى الى مصر، بل وإلى كل المنطقة ودول حوض البحر المتوسط نفسه. بداية نعترف بأن قرار الرئيس السادات عام 1973 قبيل حرب أكتوبر بإنهاء الوجود السوفييتى فى مصر قرار صائب حتىلا ينسب نصر هذه الحرب لوجود السوفييت بعشرات الألوف فى الجيش المصرى.. ثم إن مصر هىالتى فتحت للاتحاد السوفييتى الباب لدخول المنطقة، التى كانت تحلم بالتواجد فيها لتصل للمياه الدافئة.. وبسبب الصفقة التشيكية هذه دخل الاتحاد السوفييتى ليس الى مصر فقط.. ولكن إلى سوريا والسودان والعراق والجزائر.. بل الصومال، ليس فقط عبر بوابة الأسلحة.. ولكن كل مظاهر التعاون والعلاقات.. وهنا نشير الى السد العالى الذى لولا المساعدات السوفييتية لما تم تنفيذه إلا بشق الأنفس.. بل ساهم الاتحاد السوفييتى فى تنفيذ وتمويل المئات من المصانع فى كل أرجاء مصر.. والثمن: منتجات مصرية. ونعترف بأن مصر انتصرت فى حرب 1973 بفضل هذه الأسلحة السوفييتية منذ ساهم الاتحاد السوفييتى فى إعادة تسليح الجيش المصرى بعد العدوان الثلاثى عام 1956.. الآن يتكرر نفس السيناريو.. أمريكا توقف تزويد مصر بالأسلحة.. وكذلك دول غربية عديدة بحجة أن ما حدث فيها هو انقلاب عسكرى.. ولما كانت إسرائيل تعربد فى المنطقة.. فإن ما حدث عامى 1954 و1955 يكاد يتكرر الآن. وبالذات بعد تدمير العراق واحتلالها..وبعد تدمير سوريا الآن.. وبينما الأسلحة تتوالى على إسرائيل.. توقف أمريكا تزويدنا بالأسلحة.. وكان ما نراه الآن، فقد وصل الى القاهرة وزيرا دفاع وخارجية روسيا.. مع مبعوث للرئيس الروسى بوتين.. وموقف روسى طيب فى المجال الدولى تجاه الضغط الأمريكى الغربى على مصر. هى إذن مصالح مشتركة: مصرية.. روسية.. مصر تريد السلاح.. وروسيا تريد استمرار بقائها فى المنطقة بعد التهديد بخروجها منها إذا سقط نظام الحكم الحالى فى سوريا.. لأن ذلك يهدد بقاء روسيا فى الموانئ السورية على البحر المتوسط.. ولا تنسى موسكو ان اتفاقية 1955 هى التى فتحت لها التواجد فى البحر المتوسط. ولكن الأهم الآن هو العمل على تنويع مصادر تسليح الجيش المصرى.. حتى لا تستغل أى دولة دورها للضغط علينا، وهناك غير روسيا، الصين، وأيضاً إيطاليا وإسبانيا وعلاقات مصر معها أكثر من طيبة.. إن تنويع مصادر السلاح يجعل يد مصر هى العليا، ولن تحتاج مصر الى فترة طويلة لاستيعاب السلاح الروسى.. ولكن كما أحدثت صفقة 1955 صدى دولياً رهيباً.. فإن التقارب المصرى الروسى الآن يحدث نفس الصدى. والأهم كما قال عبدالناصر عام 1955 ألا يصبح ذلك فتحاً لنفوذ أجنبى فى مصر.. ولكنه يجىء لوقف محاولات السيطرة الغربية علينا.