بقلم : د. جيهان سعيد عند ذكر كلمة استثمار دائما ما يتبادر علي ذهننا هو الاستثمار المالي والأصول العقارية والتكنولوجيا لضمان مستقبل أكثر . ومما لا شك في أهمية هذه الجوانب، لكنني اود هنا أن ألقي الضوء علي الاستثمار الحقيقي الذي يضمن لنا غدًا أفضل ، وهو الاستثمار في رأس المال البشري. هذا المفهوم يتجاوز مجرد عدد السكان ليشمل المعرفة والمهارات والقدرات والصحة التي يمتلكها الأفراد، وهي اللبنة الأساسية لأي تطور حقيقي ومستدام. إن الاستثمار في الإنسان يبدأ منذ الطفولة المبكرة، من خلال توفير الرعاية الصحية والتغذية السليمة والتعليم الجيد. هذه الأسس تضمن نمو أجيال قادرة على التعلم والإبداع والمساهمة بفاعلية في مجتمعاتها. التعليم الجيد، بكل مراحله، يمنح الأفراد الأدوات اللازمة لاكتساب المعرفة وتطوير المهارات التي تمكنهم من مواكبة التغيرات المتسارعة في عالمنا المعاصر والمشاركة في بناء اقتصاد قوي ومتنوع. لا يقتصر الاستثمار في رأس المال البشري على التعليم الرسمي فحسب، بل يمتد ليشمل التدريب المهني والتطوير المستمر للمهارات. في سوق العمل الديناميكي، يصبح اكتساب مهارات جديدة والتكيف مع التقنيات الحديثة أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على القدرة التنافسية وتحقيق النمو الاقتصادي. إن توفير فرص التدريب والتأهيل المستمر للعاملين يرفع من إنتاجيتهم ويزيد من قدرتهم على الابتكار وتقديم حلول للتحديات المعاصرة. علاوة على ذلك، يلعب الاستثمار في الصحة دورًا محوريًا في تعزيز رأس المال البشري. فالمجتمعات التي تتمتع بصحة جيدة تكون أكثر إنتاجية وأقل عرضة للأزمات. إن توفير الرعاية الصحية الشاملة والوقاية من الأمراض والاستثمار في الصحة النفسية يساهم في بناء أفراد قادرين على تحقيق إمكاناتهم الكاملة والمشاركة بفاعلية في التنمية. إن فوائد الاستثمار في رأس المال البشري تتجاوز الجوانب الاقتصادية لتشمل التنمية الاجتماعية والثقافية. فالمجتمعات المتعلمة والمثقفة تكون أكثر وعيًا بحقوقها وواجباتها، وأكثر قدرة على المشاركة في صنع القرار، وأكثر تسامحًا وتقبلاً للتنوع والتغيير والتطوير . كما أن الاستثمار في الإبداع والمواهب الفردية يثري الحياة الثقافية ويعزز الهوية الوطنية. في الختام، يمكن القول بثقة أن رأس المال البشري هو الاستثمار الحقيقي لغد أفضل. إنه الاستثمار الأكثر ربحية والأكثر استدامة، لأنه يطلق العنان لإمكانات الأفراد ويساهم في بناء مجتمعات قوية ومزدهرة وقادرة على مواجهة تحديات المستقبل وتحقيق التنمية الشاملة. إن إعطاء الأولوية لتنمية الإنسان هو الطريق الأمثل نحو مستقبل مشرق لأجيالنا القادمة.