لم تكن أمريكا تتوقع أن مصر ستوجه لها الصفعة الكبرى، وتدير لها ظهرها عندما تهددها بقطع المعونة العسكرية، وترفض إرسال الأسلحة التى كان المفترض إرسالها.. لم تتوقع أيضا أن تمتد الأيادى وتتسارع لطلب تسليح الجيش المصرى، وتتخذ من مصر حليفة لهم.. اعتقد البيت الأبيض أن مصر ستظل تحت رحمة معوناته التى تحصل مقابلها على الأكثر.. لكن الدب الروسى كان الأذكى وسارع بإرسال مندوبيه لطلب ود مصر وجيشها، وجاء مدير المخابرات الروسى للتفاوض، يليه وزير الدفاع الذى علمنا من مصادرنا أنه سيأتى منتصف الشهر الجارى، فدب الرعب فى قلب أمريكا، وبدأت تشعر بمقدار ما ارتكبته من حماقة، فسارع وزير دفاعها بطلب الزيارة إلى مصر.وها هى مصر تدير وجهها للبيت الأبيض بتحكماته وضغوطه، وقيوده، وتتجه شرقا للكرملين.
∎ صراع التسليح
دب الرعب فى قلب أمريكا، بمجرد علمها بزيارة الجنرال ويكسلاف كوندرسو - مدير المخابرات الروسى لمصر ليومين، وإعلان وصول سيرجى شويجو- وزير الدفاع الروسى لبحث التعاون العسكرى الذى انقطع طوال فترة عزوف مصر عن التطلع إلى المعسكر الشرقى فى التسليح والتزامها بمعسكر التسليح الغربى من أمريكا فقط.
وعلى الفور قام وزير الدفاع الأمريكى بالاتصال بالفريق السيسى، وأخبره عن قدومه منتصف شهر نوفمبر.
ووجدنا جون كيرى يطير إلى القاهرة قبل محاكمة الرئيس المعزول ليكتشف بنفسه ماذا يحدث، وما مدى إمكانية عقد صفقات بين مصر وروسيا؟! وهل هى حقيقة أم شائعات؟!
ليبدأ بذلك الصراع الذى بدا واضحا للجميع بين كل من روسياوأمريكا حول النفوذ السياسى والاقتصادى فى الشرق الأوسط.
وبالرغم من أن السفير بدر عبدالعاطى، المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، أكد أنه لا توجد علاقة بين توقيت زيارة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى وموعد محاكمة الرئيس السابق محمد مرسى، لكنه أوضح أن زيارة «كيرى» سيتم فيها تناول العلاقات الثنائية بين البلدين فى الملفات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وبحث المساعدات الأمريكية.
∎ علاقات تاريخية
وجديرا بالذكر أن مصر وروسيا تجمعهما علاقات تاريخية ازدهرت أيام الاتحاد السوفيتى، وتعامل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر معهم فى مجال التسليح، وظل الأمر كذلك حتى عهد الرئيس أنور السادات، فظل الاتحاد السوفيتى يسلح الجيش المصرى على الرغم من شحه حتى جاءت حرب أكتوبر، وانتصرت مصر، وبعدها وقعت معاهدة كامب ديفيد واتجهت إلى المعسكر الغربى لتسليحها.
∎ ذات سيادة
يعقب على ذلك اللواء عبد المنعم كاطو- الخبير العسكرى: أولا.. مصر دولة مستقلة ذات سيادة وقرارها بيدها وليس بيد أحد آخر، ثانيا: لقد اتخذت الولاياتالمتحدةالأمريكية قرارا معاديا تجاه الشعب المصرى كله وليس فقط تجاه الحكومة المصرية، فقد فرضت عقوبات غير أمينة تجاه الجيش المصرى بمنع السلاح، وهذا معناه أنها تساند الإرهاب ضد قوات الأمن، ولذا فعلى مصر أن تتخذ قرارها وتتجه إلى تنويع مصادر التسليح، فأمريكا ليست هى المصنع الوحيد للسلاح، والغرب ليس المصدر الوحيد للسلاح.
فمصادر التسليح كثيرة ومتنوعة ومصر لها تجارب سابقة فى هذا الموضوع، فلا ننسى ما حدث بعد حرب أكتوبر عندما اختلفت مصر مع الاتحاد السوفييتى، ولجأت للتسليح من الولاياتالمتحدةالأمريكية، فالسيناريو يتكرر.
وبالفعل تم عقد صفقات بين مصر وروسيا من جهة، وبينها وبين الصين وكوريا الشمالية من جهة أخرى.
والحقيقة أن هناك فوائد كثيرة جدا من منع التسليح الأمريكى، أولها: دفع عجلة التصنيع الحربى المصرى والتخلص من قيود أمريكا على مصر، ثانيا: تنوع مصادر التسليح المصرى فبدلا من الاعتماد على أمريكا فقط فى السلاح، سنستطيع الحصول على أفضل ما لدى روسيا وأفضل ما لدى الصين وهكذا.. ولابد أن تقبل أمريكا ذلك لأنها هى المتسببة فى هذا الأمر.
وأنا أرى ردة الفعل الأمريكى الآن هى استمالة مصر لأن المصالح الأمريكية فى مصر تحتل موقع القلب من العالم، وستخسر أمريكا الكثير من أعمالها وإجراءاتها، وهذا بالفعل ما رأيناه فى الكونجرس عندما رفض وقف المعونة، وطلب أوباما عمل تشريع حيال ذلك، وهى بذلك تحاول العودة فى كلامها.
ويضيف اللواء كاطو: أنصح القيادة المصرية بالاستمرار فى مصادر تنويع السلاح، ولا تخضع أن يكون تسليحها من مكان واحد، ولا ننسى القيود التى كانت تضعها أمريكا بشأن التسليح من أجل إحداث التوازن لصالح إسرائيل، وللتخلص أيضا من الضغط الأمريكى، وبالفعل يتم الآن عقد صفقات التسليح مع روسيا.
∎ الخاسر الأكبر
يقول اللواء مختار قنديل- الخبير الاستراتيجى: بالطبع لقد أثار رد الفعل الروسى خوف وقلق الأمريكان من أن تعود مصر للحصول على السلاح الروسى، لأن مصر لو أدخلته.. سيدخل بدوره إلى كل الدول العربية، وسيصبح هناك تواجد للنفوذ السياسى الروسى داخل المنطقة، وهذا سيحل بدوره محل النفوذ الأمريكى.
عندما نتحدث عن زيارة كيرى، فمصر اليوم قوية بما يكفى لترفض أى ضغوط أو مساومات، وستمضى فى طريقها.
ويرى اللواء قنديل أن قبول الأسلحة من روسيا سيكون أفضل كثيرا، فالسلاح الروسى ملك لمؤسسات الدولة الروسية لكن السلاح الأمريكى ملك لشركات تريد أن تتاجر وتصدر لتكسب، لذا فهو أغلى بكثير من السلاح الروسى خاصة أننا حاربنا به من قبل فى حرب أكتوبر.
وبالنسبة لاحتمال تراجع أمريكا عن قرارها بشأن قطع المعونة، يؤكد اللواء قنديل أن هناك احتمالا قويا فى التراجع، لكن أرجو ألا نبلع الطعم ولا نصبح لعبة فى أيديهم حتى يعرفوا أن مصر لها كرامة وشخصية، فحتى لو أعادوا المعونة لن يفرق هذا فى قرارنا بالتسليح من روسيا.
وهناك نقطة فى غاية الأهمية وهى أن أمريكا عندما كانت تعطينا السلاح كانت تتحكم به، وتسألنا عن استخدامه، وهل إذا كنا سنستخدمه ضد إسرائيل أم لا، وهذا يضعنا تحت قيد وضغط.
ولا ننسى أن إسرائيل تخشى من تأثير ذلك على اتفاقية السلام، خاصة أنها اتفاقية سياسية مهمة لحفظ أمنها وبشكل غير مباشر تضعف مصر ولا تجعلها دولة رائدة، كما أن اتجاه مصر ناحية روسياوالصين يقلق أمريكا وأعضاء الكونجرس لأن مصر حليف مهم للغاية واعتماد مصر على أمريكا فى السلاح وقطع الغيار يجعل قرارها غير حر ويجعل أمريكا تتحكم فيها، ولذا فأنا أؤكد على أهمية التوجه للخارج فى السلاح، وعدم الاعتماد على أمريكا فقط.