تتسع دوائر عمل الأجهزة المنوط بها حماية الأمن القومي وفق ما ترسمه الإستراتيجية الحاكمة لحركة الدولة في فضاء المجتمع الدولي؛ ومن ثم فإن العالم كله يصبح ميداناً لكافة عمليات الأجهزة المخابراتية الأمريكية، طالما اعتلت «زعامة العالم» قمة الأولويات الأمريكية بوصفها الإستراتيجية الأمريكية التي لا ينبغي الإخلال بمقتضياتها. في هذا السياق يمكن تناول ما أُثير مؤخراً بشأن عمليات تجسس تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية علي الهواتف المحمولة للعديد من القادة الأوربيين، ومن بينهم المستشارة الألمانية ميركل، التي تربت في ألمانياالشرقية، حيث التنصت يُعد من الأمور الشائعة، بوصفها مجتمعاً مُنغلقاً لم يكن يمت بصلة لكافة قواعد وأسس العملية الديمقراطية. غير أن إشكالية الولاياتالمتحدة لا شك تتمحور حول مُنافاة الكثير مما تتبعه من سلوك دولي مع المسئوليات التي تترتب علي زعامتها كقطب أوحد منوط به الحفاظ علي مجموعة من القيم المشتركة باتت لا تشكل محلاً للجدل في أي حوار دولي، ولعل من أهمها سيادة القانون والشفافية. وتتبني إستراتيجية الزعامة الأمريكية للعالم العديد من المفاهيم التي من شأنها تبرير الدفع بالممارسات سيئة السمعة لأجهزة المخابرات الأمريكية باتجاه الدول غير الديمقراطية، والدول المناهضة للزعامة الأمريكية، باعتبارها دولاً معادية «للقيم الأمريكية»!. إلا أن الأمر يظل عاجزاً عن إقناع «الحلفاء»، خاصة الظهير الأوروبي للزعامة الأمريكية، بأهمية استقبال مجتمعاتهم لمثل هذه الممارسات، حيث تعرضت الولاياتالمتحدة لموجة غضب من جانب حلفائها بسبب مزاعم التجسس بناء على معلومات قيل إن مصدرها موظف أمن أمريكي هارب. وفيما ارتبكت ردود الفعل الأمريكية، رأت المستشارة الألمانية ميركل أن «هذه الممارسات غير مقبولة بالمرة»، ودعت ميركل الأمريكيين إلى إيضاح حجم نشاطاتهم للتنصت في ألمانيا، بينما عبر البيان الرسمي للحكومة الألمانية عن خيبة الأمل حيث «لا يجب أن يكون هناك مراقبة لاتصالات رئيس حكومة بين الأصدقاء والشركاء المقربين لعقود، كما هو الحال بين ألمانياوالولاياتالمتحدة». وتبقي السياسة، في كل مكان، داعمة لبرنارد شو كون «القراءة جعلت من دون كيشوت رجلاً نبيلاً، لكن تصديق ما قرأه جعله مجنوناً»!. «الوفد»