يبدو أن بعض المنظمات الدولية مصرة علي العمل وفق منظورها هي وليس وفق منظور كل مجتمع ومعرفة خصوصية كل شعب.. ولذا تخرج التقارير الصادرة عن هذه المنظمات تحمل رؤية ناقصة أو مسيسة وتكون منحازة في أغلب الأحيان.. كما تتجاهل هذه المنظمات معايير واقعية تعطي أي تقرير درجة من المصداقية لو اخذت بعين الاعتبار، فمثلا تتجاهل كل التقارير الخاصة بحرية الإعلام والصحافة معياراً مهماً وهو ممارسة وسائل الإعلام حقها في نقد القيادات العليا للدولة أو حرية الكلام كما يقول الأمريكان وهو معيار لو تم الاحتكام به سوف تعطي نتائج أقرب إلي الواقع في هذه التقارير. ونفس الأخطاء وقعت فيه منظمة الشفافية الدولية في تقرير أصدرته منذ أيام وهو (بارمويتر الفساد) في العالم، وفي هذا التقرير اعتمدت المنظمة علي نتائج استطلاع رأي الف شخص في مصر من 90 مليون شخص يعيشون علي هذه الأرض.. وهذا الاستطلاع تم في ظل حكم الإخوان وفي ظل رئاسة الرئيس المعزول مرسي.. وكانت الآلة الاعلامية الإخوانية مسلطة بقوة ضد الإعلام والشرطة والأحزاب السياسية المعارضة وأي شخص حسن النية في التقرير سوف يعرف ان المستطلع آراؤهم تأثروا بهذه الهجمة، فجاءت هذه الجهات هي الأكثر فسادا.. ثم ظهر رقم غريب ان 36% من المستطلع آراؤهم انهم دفعوا رشوة للحصول علي خدمة حكومية... وهنا يظهر التناقض في التقرير خاصة وان جميع الأبحاث المحلية تشير ان الرشوة أمر واقع في المجتمع وهي ثقافة شعبية لدي الناس وان هذه النسبة قليلة جدا بالمقارنة بالواقع العملي وتكاد تصل النسبة الحقيقية إلي 90%، والشىء الآخر اللافت للنظر ان الفساد الحكومي احتل المرتبة الرابعة في التقرير الخاص بمصر. ومن الأرقام الغريبة التي أوردها التقرير ان أقل نسبة فساد كانت في قطاع المجتمع المدني وهو مؤشر غير صادق تماما لان المجتمع المدني وفق مفهوم المنظمة لا يضم الأحزاب السياسية ولو راجعنا الفساد في هذا القطاع لزادت النسبة بصورة أكبر لأن قانون الجمعيات الأهلية نفسه يحرض علي الفساد، كما ان هناك عشرات الجمعيات الدينية مليئة بالفساد المالي والإداري وتعجز الدولة عن التصدي لها وتدخل الإخوان أنفسهم وحموا متهمين أمريكان وألمان بالفساد في هذا القطاع.. وتم تهريبهم خارج مصر.. وحكم علي المواطنين المصريين فقط لا غير في هذه القضية كما ضغطوا لإغلاق ملف آخر متعلق بفساد جمعيات إخوانية وسلفية. ويشير هذا التناقض إلي انه ثمة اتفاقاً بين من كانوا في الحكم والمنظمة لإصدار مثل هذه التقرير حتي تكون حجة للانقضاض علي الإعلام والأحزاب والشرطة.. خصوصا وان مرسي كرر كلمة الفساد في خطاباته الأخيرة مئات المرات تمهيدا لحربه علي القطاعات الثلاثة فور صدور التقرير.. لكن التقرير صدر والإخوان ذهبوا بلا رجعة عن حكم مصر... كما ان الموقف الألماني الرسمي من ثورة يونية يؤكد هذه النظرية حتي موقع للحوار الإسلامي المسيحي اسمه قنظرة وترعاه مؤسسات رسمية المانية منها وزارة الخارجية نفسها تحول إلي موقع ناطق باسم الإخوان ولم يعد منبرا لنشر الحوار بل تحول إلي أداة لنشر التعصب والتطرف. هذا إذا أضفنا طبيعة المصريين الذين لا يثقون في أي دراسات استطلاعية.. ويخافون من الإدلاء بآرائهم في مثل هذه الاستطلاعات حتي المثقفين منهم ولا ادل علي عدم جدية الدراسات الاستطلاعية فضيحة مركز دعم القرار التابع لمجلس الوزراء عندما أصدر دراسة قال فيها إن 82 % من المواطنين راضون علي أداء حكومة الدكتور نظيف وبعدها بأيام قامت ثورة يناير .. وقد هذا التقرير لا ينفي وجود الفساد في مصر بل هو قضيه تحتاج إلي دراسات استقصائية ومعلوماتية نريد تقارير تفضحه وتشير إليه من خلال وثائق الدول التي تتعامل مع مصر ومع شركات مصرية ونحتاج من منظمة دولية مثل الشفافية إلي مساعدة المصريين في استعادة أموالهم التي نهبت سواء من رجال مبارك أو من الإخوان... لكن ارتباط الإدارة الألمانية وعدم اعترافها بثورة شعب جعل حتي المؤسسات التي تعمل في مصر تكرس جهدها لدعم الفساد الإخواني .