لا يزال الموقف السياسى والثقافى والفكرى يترنح تحت ضربات الأوهام والطموح والمطامع، حتى إن البعض لا يزال يصر على أن الخروج من المأزق يستدعى وجود البطل أو الزعيم الملهم أو المؤمن أو العبقرى أو الحازم؟.. القضايا والمشكلات التى تعانى منها مصر التى سيتم سردها لاحقاً تحتاج إلى مؤسسات تضع خطط تنفيذ على مراحل بآليات واقعية وعملية وليس هذا الهراء الذى يطرحه البعض إعلامياً حتى أن أخذت هذه الخطط لمدة عقود تصل إلى الخمس أو أكثر ولكنها ستصل فى نهاية الأمر إلى نتائج. الأوهام التى يطرحها البعض بأن السر يكمن فى الشخص الرئيس الذى سيكون لديه الزرار السحرى أو مصباح علاء الدين أو يكمن فى كونه يسارياً أو ليبرالياً أو متأسلماً هو نوع من التسطيح والطفولية لأن الآتى ليس له علاقة بما تعتقد ولكنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً هل هناك عقل يفكر أم مهلبيه؟!.. تعانى مصر منذ مينا موحد القطرين وحتى الآن من المشكلة البيروقراطية وتخبط فى العدالة الاجتماعية وتدهور فى الإنتاج مقابل زيادة النمو فى عدد السكان وتخلف علمى يظهر بين الحين والآخر تبعاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتطرف عقائدى يظهر بين الحين والآخر بصوت عال وحضور مكثف مع تراجع الاعتدال والوسطية فى التفكير وأعداء خارجين فى أغلب الأحيان من الشمال الشرقى وفى البعض من الشمال ونادراً من الجنوب؟.. إلا أن الحقيقة المؤلمة أن أكثر المشاكل إلحاحاً ووقوعاً هو غياب نظام الإدارة الرشيد الذى يسمح بالشفافية والمحاسبة وآلية إصلاح الخطأ فى القرارات (النظام السياسى) عند كل هذا هناك مشكلات حقيقة تعانى منها المحروسة وليست هذه الأوهام الطفولية التى يدعيها البعض لممارسة الدعاية السياسية والحصول على المباركة الشعبيةّ. هذه المشكلات الحقيقية هى عدم وجود نظام سياسى رشيد يسمح بتداول السلطة والشفافية لما يصدر عنه من أفعال وقرارات ومحاسبة من يخطئ عن عمد او اهمال، يقوم على إقرار العدالة الاجتماعية تحت قاعدة أن «كل فرد يقوم بواجباته بمنتهى الإخلاص والإتقان، يلتزم المجتمع متكافلاً ومتضامناً بإعطائه حقوقة بدون نقصان»، بإقرار العدالة القانونية بدون انتقائية ولا تعسف. إلا أن المشكلة الثانية وهى ترهل الجهاز البيروقراطى الحكومى حتى وصل إلى ما يقرب من السبعه ملايين، 90% منهم بلا عمل حقيقى بل إنه فى غالب الأحيان هو معوق للإنتاج وحمل كبير على عدالة توزيع الدخل وهو ما يندرج حقيقة الأمر تحت بند البطالة المقنعة وإسكات الأصوات. والمشكلة الثالثة هى نقص الإنتاج المحلى إذا قورن بالزيادة المطردة فى عدد السكان الذى يؤدى إلى تضاؤل متوسط دخل الفرد إلى الحدود الدنيا وهو ما يجعل هذا الفرد متورطاً فى خانة المواطنين محدودى الدخل ومتورماً فعلاً من هذه المحدودية؟!.. إلا أن المشكلة الرابعة وهى التخلف العلمى وتراجع المنتج المحلى تبعاً لهذا التخلف العلمى فهى مشهود لها ومشهود بها حيث يزداد التخلف العلمى بزيادة الوهم بأن هناك بحثاً علمياً يكتب فى أبحاث توضع على الأرفف لكى يقرأها التراب ويعف عن ذلك الطلاب؟!.. وأما الخامسة وهى أشد وطأة وأكثر إيلاماً هو ذلك التطرف العقائدى المرعب والمفزع ليس فقط فى أوساط من هم يحملون ثقافة متواضعة وتفكيراً محدوداً بل إنه يضرب بأطنابه الطبقات الجامعية والمتعلمة، فقط أفصحت الأحداث عن متطرفين إسلاميين ومسيحيين وعلمانيين وهو ما يجعل المشكلات الاربع قبلها أكثر تعقيداً وغرابة مما هى عليه؟ أما المشكلة السادسة وهي الوجود الدائم للعدو الخارجى الذى يرابط فى أغلب الأحيان فى الشمال الشرقى للمحروسة فهو أهون المشكلات وإن كان مشاركاً وممولاً ومؤيداً للبعض مما سبق؟ هذه حقائق واقعية ومشكلات على الأرض لا تسمح بهذا الهراء فى البحث عن المخلص وإنما تجعل المطالبة بالبحث عن عقول تفكر وتخطط وتتكامل وتصارح الشعب بالموقف والحلول الحقيقية حتى وإن كانت مرة وصعبة وتحتاج إلى وقت وجهد.. منتهى الغرابة هذه الخناقة المفتعلة على من أن يرشح نفسه رئيساً وكأن الأمر يرتبط بالشخص فإذا ذهب ذهب معه الحل إلى مصيره المحتوم. إننا الآن فى موقع الدولة المختلفة بالرغم من أن العالم يتعامل معنا على أننا دولة مهمة وشعب حضارى مما أربك الكثيرين وجعلهم يعتقدون أن التقدم والحضارة حتمى وبالسليقة وليس علم وعمل ومؤسسات فى تكامل وعدالة وواجبات وحقوق. كلمة أخيرة لا أستطيع أن أخفيها لأهلنا وإخواننا المتظاهرين الآن: «إذا كنت تطالب بالشرعية فالواجب أن تحسن الاختيار أولاً فليس من المعقول اختيارك الخطأ ثم الإصرار على إجبارى القبول به»! الحقائق تحتاج إلى قرارات ليقوم الجادون على التعامل معها، أما الأوهام فإنها ترفع شعارات ليصدقها الساذجون ويتخدرون بها! ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. يحيا الشعب المصرى حراً كريماً. استشارى جراحة التجميل