أرأيتم أرملة صابرة محتسبة أستأمنها الله تعالى على سبعة من الأبناء واختارت الصبر والجهاد في تربيتهم ومزاحمة النبي صلى الله عليه وسلم على باب الجنة جدت واجتهدت وعاشت على كفاف الحياة وأنفقت كل ما تملك على إتمام الكبير لتعليمه الجامعي ، بل والماجستير ثم الدكتوراه على أمل أن يتحمل معها مسؤولية إخوته الستة ، ويرد لها شيئا من الجميل فيما تبقى من حياتها . ويساعد إخوته الذين ضحوا جميعا من أجل أن يصل إلى ما وصل إليه . ووا أسفاه على أملها الذي ضاع حين تفرغ لنفسه وزوجته وأبنائه فقط وأغلق محموله عنهم ، مدعيا الانشغال الكبير بما هو أهم . يا سادة باختصار تلك هي قصة رجال الأعمال الوهميين مع أمهم الصابرة مصر. حين ربتهم وعلمتهم ووفرت لهم كل شيء حتى يربحوا المئات ثم الآلاف من الجنيهات وتحولوا إلى الملايين ثم المليارات التي انتقلوا به إلى حياة القصور والخدم والحشم والبودى جارد والطائرات الخاصة و....الخ يتحدث البعض عن الواجب الاجتماعي للمؤسسات ورجال الأعمال ، وارفض هذا المفهوم الذي يهدر الدور الحقيقي لرأس المال في المجتمع والذي يمثل ثلث أدوات الفعل الحقيقية في العصر الحديث ( قوة العلم والتكنولوجيا / قوة المال / قوة السلاح )والتي تحدد قيمة ومكانة و سياسة الدول. والذي يفرغ مفهوم الزكاة من مضمونه ، وتغييب ما قدمته فلسفة الزكاة الإسلامية من مفاهيم استراتيجية كبرى لصناعة التنمية والنهضة الشاملة العلمية الإنتاجية والاقتصادية والسياسية والعسكرية . كما يعد هذا المفهوم ربما مقدمة لصناعة الفقر خاصة في ظل عقول وأجهزة مازالت تتعامل مع أموال الزكاة بفقه القرن الأول الهجري ، فتصنع الفقر وتمكن له وتهدر قيمة وكرامة الإنسان المعوز أيما إهانة يحتاج هذا الموضوع لتفصيل خاص بعد ذلك . ما أتحدث عنه غير ذلك تماما ، حيث أتحدث عن مفهوم جديد لابد أن نبرزه ونوضحه ونعليه ، ونستقى منه المقاييس والمعايير التي نقيس عليها نوع وقيمة رجال الأعمال في مجال عملهم ومجتمعاتهم ودولهم وأمتهم التي ينتسبون إليها خاصة فى فترات ضعفها وانحطاطها وسعيها للنهوض من جديد ، وفي عصر اتسم بالعولمة والمنافسة الشرسة المفضية أحيانا للزوال ، وأصبح من أهم ما يميزه المهنية والاحتراف وتداخل العلاقات بعضها ببعض حتى أصبح رجال الأعمال يؤثرون بل يمتلكون جزءا كبير من صناعة قرارات الدول والأحلاف في العالم ، وأصبح رجال الأعمال جزءا من الحروب والصراعات التي تدور في العالم ،ويموت ويشرد بسببها الملايين من البشر . مفهوم رجل الأعمال الحقيقي والوهمي . رجل الأعمال الحقيقي الذي يمتلك جزءا من حصة المجتمع في قوة رأس المال ويدرك أهمية ما يمتلكه ، وبطبيعة الحال يبحث عن المحافظة عليها والربح وتنمية هذه القوة ، ولكنه يبحث عنها في سياق استراتيجي كبير ، فى سياق مهمته ورسالته في الحياة بتطوير مجالات ومفردات الحياة من حوله وتحمل جزء من مسئولية عمارة الكون وتحقيق رسالة الاستخلاف فى الأرض ، خاصة وانه شخص غير عادى بما يمتلكه من حصة كبيرة من رأس مال المجتمع ، ومن ثم فعليه أن يفكر في تطوير وتنمية مجال العمل الذي ينتمي إليه عبر منهجية الإنتاج والتصدير والاستثمار الحقيقي في هذا الإنتاج والذي يحتاج بطبيعة الحال ووفق قوانين عصر حكمة المعرفة ، يحتاج إلى مركز للبحوث والدراسات يضمن له الإبداع والابتكار الذي يحفظ له القدرة على البقاء والمنافسة وهيكلة إنتاج تتبعها هيكلة تنظيمية وإدارية ثم تسويقية وبيعيه ثم تصدير لبقية دول العالم ، وبذلك تدور العجلة لتدير معها حركة المجتمع والحياة كلها نحو التنمية والنهضة ،ويستفيد الجميع كله، وهذا ما دعا رجال الأعمال الغربيين والأسيويين إلى التكامل فى كيانات كبيرة تتحمل هذه الاستثمارات الضخمة . و يستفيد مجال التخصص والعمل نفسه بنشاط حركة البحث والإبداع والابتكار والتحديث فيه ، و يستفيد المجتمع بتوظيف عدد هائل من العمالة في كافة التخصصات ، كما يستفيد السوق والمستهلك ، ويستفيد اقتصاد الدولة ويكسبها قوة وحصانة واستقلال سياسي ، كما تستفيد أيضا الدولة قيمة إضافية جديدة بالتميز في احد جوانب الإنتاج ما يمكنها من امتلاك ورقة سياسية تعزز موقفها السياسي عالميا وهكذا يكون رجل الأعمال قد حقق أرباحا اقتصادية وعلمية واجتماعية وسياسة وبطبيعة الحال في طيات هذا العمل الكبير لا يكون هنالك محلا للفقر . هكذا يفكر الغربيون والأسيويين على اختلاف مللهم ونحلهم ، منطلقهم في ذلك حبهم لوطنهم وللمنفعة وللمال . السؤال المطروح الآن على عقل رجال الأعمال العرب والمسلمون الآن : ماذا يجب أن يكون عليه رجل الأعمال حينما يكون مسلما ولديه منطلقات عقائدية وإنسانية إضافية على التي ينطلق منها الغربيون والأسيويين . إذ هي واجب ديني واقتصادي واجتماعي انسانى وعلمي . أما رجال الأعمال الوهميين المزيفين فالحقيقة هي أنهم مجرد سماسرة يتوقف دورهم على استيراد المنتجات والسلع التي ينتجها الغير ليغرقوا بها أسواقنا المحلية ثم يتنافسون مع بعضهم البعض على المستهلك المسكين فيبدعون ويبتكرون في إنتاج سياسات تسويقية تهدف إلى إغراء المستهلكين وخلق حاجات تسويقية غير ضرورية لديهم بهدف تسويق منتجاتهم ، ولا يدرون أنهم بذلك قد أهدروا ثلث طاقة وأدوات فعل المجتمع والدولة في مجال استهلاكي كان يمكن أن يحقق الكثير من المكاسب ، وبذلك تتوقف المحصلة النهائية على جني أرباح مالية لأشخاصهم فقط وتضيع على المجتمع والدولة تكلفة الفرصة الضائعة من المكاسب العلمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتي تذهب بطبيعة الحال إلى الدول الأخرى وبذلك يكون مثلهم مثل مرتزقة الحرب الغير شريفة حيث يحققون الأرباح على دماء غيرهم إشارة أخرى هامة إلى أن نسبة الأرباح التي يحققها المصنع المنتج ربما تصل إلى 500% أحيانا ، بينما يتوقف ربح المستورد أو السمسار ( رجل الأعمال الوهمي ) إلى 100% تقريبا بمعنى أن الأرباح الحقيقية هي في الإنتاج وليست في الاستيراد والسمسرة - أوجز القول في المقاييس والمعايير التي تحدد من هو رجل الأعمال الحقيقي والوهمي في الأسئلة التالية التي يجب أن يسألها كل رجل أعمال لنفسه ويسألها المجتمع وتسألها الدولة لرجال الأعمال السؤال الأول : منذ كم عام تعمل في هذا المجال ؟ وبكم بدأت والى أين وصلت في حجم رأس المال الذي تعمل به ؟ حتى يكتشف فضل المجتمع عليه السؤال الثاني : ماذا أضفت إلى مجال عملك وتخصصك الذي تعمل به ؟ بمعنى بماذا أسهمت في تطور مجال تخصصك ( كإبداعات و ابتكارات جديدة على مستوى الإنتاج ) ؟ السؤال الثالث : ما هي القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المضافة التي أضفتها للمجتمع والدولة ؟ حقيقة الأمر هناك رجال أعمال حقيقيون مثلوا قيمة مضافة لمجتمعاتهم ودولهم ويحققون الكثير من الأرباح ، وآخرون مثلوا نموذج لإهدار المال والقوة العامة لحساب مصالح شخصية خاصة. تعقيبا على مقال الشورى الوهمية الخادعة وما تبعه من تعليقات حصريا لأصحاب الأخلاق الطيبة والعقول الواعية والظنون الحسنة وأما دون ذلك فلا وقت لهم. أطروحة الدخول في القضايا الهامة والحساسة ( عش الدبابير) ، وإثارة الجدال المفضي إلى المشاكل والخلافات فالحق أحق أن يتبع ، والساكت على الحق شيطان أخرس ، وطرح الأفكار على مائدة الحوار الالكتروني تمنحنا فرص تداول وتنقيح وتلا قح وتكامل ونضوج الأفكار على أوسع ما يكون المدى والجميع مستفيد والاهم من كل الأفراد هو أن يستفيد مشروع الإصلاح والتغيير. أطروحة أن البعض قد لا يستوعب وربما تتشتت الأفكار وتتحير العقول فحق هؤلاء علينا التعلم ، حتى يفقه وينضج ، وهل سمعنا يوما أمة نهضت بصفوف من الجهال ! ،إن من منطق القرآن في التداول الحضاري أن ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة وأول القوة قوة العلم والتي هي جوهر الإيمان وحقيقته) وما كان ربعي بن عامر حين غالب رستم قائد الفرس وغلبه بالرأي والفكر والمنطق ، ما كان ربعي يومها سوى جندي عادى من بين صفوف جيش تعلم وتربى وفقه . وهل يمكن لأسرى الجهل وأسرى أنفسهم، وأسرى بعضهم البعض أن يحرروا أمتهم !؟ والله لم يعجب الزمان من جاهل ولكنه تعجب من الجاهل المركب الذي جهل ثم جهل أنه لا يجهل.... ولم يكن يدرى الزمان أنه ربما يأتي بمن يفتخر ويجادل ويصارع عن جهله المركب. أطروحة أن لكل مقام مقاله وأصل النصح السر وتجنب الفضيحة فهذا في شأن النصح الفردي ولغير المسئول ، أما الأصل في الشأن العام ونصح القادة ، فأصله العلن والإعلام وتعريف وحشد الرأي العام ورحم الله تعالى امرأة في عهد عمر فقهت ما لم يفقهه الكثيرون الآن ، فغالبته الرأي في النور والعلن فغلبته وردته إلى الحق وكانت عونا وسندا للحق ولأمتها ولعمر. عندما تغيب المعرفة ، وتنتشر ظلمات الأوهام والخرافات ويسود العامة فينتشر الصخب والضجيج ، عندها يتحول النقد العلمي إلى خيانة وهدم ، وهنا بالذات لابد لشعاع الحق أن يتقدم قويا ويؤكد أن المنهج النقدي احد أهم المناهج العقلية التي استخدمها القرآن الكريم لبناء العقل المسلم القادر على التفكير والتجديد والنهوض ، كما أن المنهج النقدي يعده المفكرون الغربيون احد أسرار التجدد الحضاري الغربي ، وان كان بيننا وبين هذه الحقيقة مساحات واسعة ولكننا لابد أن ندركها أن القدرة على النقد الذاتي هي المؤشر الحقيقي على مدى التحرر من قيود الذات ( الإخلاص للفكرة والرسالة ) وامتلاك القدرة على التطور الذاتي والاستعداد للإقلاع الحضاري. وكلما استمر البعض يتفهم النقد على انه هدم ظل يلعب خارج أسوار الملعب. الأصل في ديننا النور والعلن والشفافية وحسن الظن وفقه النصح وهل يغلب الاستثناء على الأصل ، والعرف على النص !؟ والله كلما بحثت ودققت وحللت وتابعت أصل العلة في خلل وانحراف وعور وفساد وصلت إليه الأحوال ، وانساقت إليه الأمور ، وشبت عليه العقول إنما هو بفعل الإخفاء والسرية ويا لها من شماعة يستخدمها الضعفاء كل يوم وساعة يخفون بها سوءتهم ، ويبررون بها عجزهم وخطأهم. وأخيرا الحرية والشفافية والنور لمن أراد، المهم أن يريد ، وحين يريد لن يعدم الأسباب ولا التوفيق . د / ابراهيم الديب