لا شك أن حظر قيام أحزاب سياسية علي أساس ديني، لا يمثل عائقاً أمام نهوض التيار الإسلامي بدور في الحياة السياسية؛ ذلك أن كثيراً من الشخصيات المحسوبة علي التيار الديني ستتمكن بالتأكيد من الانخراط في أحزاب أخرى، تمارس من خلالها طموحاتها السياسية المشروعة، في إطار من القانون. غير أن حظر قيام أحزاب سياسية تستند إلي مرجعية دينية، أمر من شأنه إرساء مبدأ المواطنة، كأساس لا بديل عنه في سبيل تأسيس الدولة الديمقراطية الحديثة التي تنشدها ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي قامت الجماهير بتصحيح المسار الثوري من أجلها في الثلاثين من يونيو. وفي هذا السياق ينبغي الإشارة إلي أن حظر الأحزاب الدينية، يستوجب بالضرورة عدم إقحام شعارات دينية في الصراع الانتخابي، برلمانياً كان أو رئاسياً؛ ففي ذلك تعبير صادق عن مضمون مدنية الدولة، التي هي أساس الدولة الديمقراطية الحديثة، بما لا يدع مجالاً للشك في اعتدال حركتنا باتجاه المصالح الوطنية، وعدم الانسياق وراء مكتسبات ذاتية لم يعد الوطن يحتمل مخاطر تصدرها المشهد الوطني أكثر مما شهدته حياتنا السياسية منذ قيام ثورتنا المجيدة في الخامس والعشرين من يناير. ولعل في ذلك ما يُفضي إلي انسحاب كثير من «الرموز» التي طفت علي سطح حياتنا السياسية، بفعل مهارتها في التلون بما ينسجم وألوان المشهد من حولها، وقدرتها علي حجب الخجل عن ملامحها أمام شاشات الفضائيات، بعد أن استمرأت المغالطات، وتشويه الحقائق، ووضعت رهانها كله في غير صالح الشعب. فإذا أصر البعض علي الاتجار بالدين، وسعت بعض الوجوه إلي استمرار دورها الكريه في الصراع الانتخابي، برلمانياً ورئاسياً، فلا بديل عن وعي الرأي العام، وعي يدرك الشعب به خطورة تكرار خداعه، واستسلامه لدعاوى زائفة، تمهد السبيل إلي مزيد من التدهور، ربما يرتكن البعض إليه، ويراه مبرراً لعودة أنظمة ألقت الوطن في غياهب، ما زال الخروج منها عصياً.