لا تستفزنى فى الوجود أكثر من معلومة خاطئة تتشدق بها مذيعة نصف مشهورة.. أو يذكرها كاتب يدعى العلم.. وذلك لعدة أسباب أهمها أننا فى عصر لم يعد الناس يقرأون كثيرًا فى الكتب أو يبحثون فى دوائر المعارف والكتب العظيمة التى تربينا عليها. وثانيها أننى بدأت عملى الصحفى فى «أخبار اليوم» فى قسم الأبحاث ثم فى قسم المعلومات.. وكانت من سطوة هذا القسم الأخير ألا تدور المطبعة لتطبع صحف الدار إلا بعد أن تصل إليها بروفات المادة الصحفية وقد حملت خاتم قسم المعلومات.. أى قام بمراجعتها من ناحية ما فيها من معلومات وهو نفس القسم الذى أنشأه أيضا الدكتور أحمد حسين الصاوى بتشجيع من أستاذنا العظيم مصطفى أمين.. إذ تم إنشاء قسم مماثل انتقلنا إليه فى دار الهلال لنقوم بنفس المهمة.. وكانت تحت أيدينا أهم كتب المراجع ودوائر المعارف العالمية، وبعدة لغات. وإذا كنت قد كتبت مقالاً هنا - منذ أسبوعين - عن أخطاء رهيبة وقعت فيها الزميلة الكبيرة «الأهرام» كشفت فيه بشاعة ما وقعت فيه من أخطاء تاريخية..ويبدو أن الزميل عبدالناصر سلامة رئيس تحريرها لم يقرأ المقال، ولذلك لم يتصل بى!! ومنها مثلا نشر صورة على 6 أعمدة بالصفحة الأخيرة عن معابدنا فى الصعيد. ومنها صورة معبد الملكة العظيمة حتشبسوت فى الدير البحرى وهو قبلة السياح هناك.. وكتب تحتها أن السياح يعشقون معابد الأقصر والكرنك!! وما حركنى للكتابة اليوم ما كتبه الكاتب الذى احترمه الأستاذ حلمى النمنم فى «المصرى اليوم» أول من أمس الأربعاء تحت عنوان «الله حى.. عباس مش جى» عن عزل الإنجليز للخديو عباس حلمى الثانى عام 1914 وتعيين عمه حسين كامل بلقب سلطان، وهو ابن الخديو إسماعيل.. وكيف انتشر فى ربوع مصر نداء شعبى يقول «الله حى.. عباس جى» أى أنه سيعود إلى السلطة من جديد.. كل هذا سليم.. بل إن من المصريين من أطلقوا على أولادهم اسم عباس وأنا منهم لأن الرجل كان محبوبا لعدائه للإنجليز، على الأقل فى بداية حكمه. ولكن وقع الصديق النمنم فى خطأين.. الأول أنه بعد أن توفى السلطان حسين كامل - يقول الكاتب - كان من المفترض أن يتولى الحكم بعده الأمير كمال الدين حسين شقيقه.. ولكن اعتذر وهنا الخطأ الأول. وذلك أن الأمير كمال الدين حسين هو ابن السلطان حسين كامل وليس شقيقه واعتذر زهدًا فى كرسى العرش.. وهو بالمناسبة صاحب القصر البديع الذى قدمه ليصبح مقرًا لوزارة الخارجية فى ميدان التحرير الآن من ناحية كوبرى قصر النيل.. وقد رفض العرش بخطاب بليغ يعتذر فيه عن عدم تلبية رغبة والده السلطان حسين كامل.. وكان على فراش المرض.. ولم يتحمل السلطان صدمة رفض ابنه.. فمات بعد ساعات فلم يجد الإنجليز إلا الأمير أحمد فؤاد وهو آخر الذكور الذين بقوا على قيد الحياة من أبناء الخديو إسماعيل.. فأصبح سلطانًا على مصر عام 1917 ثم أصبح ملكًا عليها عقب تصريح 28 فبراير 1992.. إلى أن مات عام 1936، وأصبح ابنه فاروق ملكا على مصر. الخطأ الثانى - وأرجو من الصديق حلمى النمنم أن يتقبل كلامى هذا - هو فيما كتبه فى آخر نفس المقال، وكان يتحدث فيه عن الشرعية التى يدعيها الدكتور محمد مرسى وحلمه فى العودة إلى مقر العرش فى قصر الاتحادية.. قال الأستاذ حلمى فى ختام مقاله: بقى أن أقول إن قصر الاتحادية فى مصر الجديدة هو فى الأصل قصر الخديو عباس حلمى الذى عزله الإنجليز.. وهذا غير صحيح. والصحيح هو ما ذكرته فى كتابى «أحياء القاهرة المحروسة» من أن الخديو عباس حلمى هذا - وهو الثانى - طمع فى الاستيلاء على هذا المبنى الفخم الذى كان يبنيه البارون إدوارد إمبان ضمن مشروعه الكبير ليكون فندقًا عالمياً فى الضاحية التى كان اسمها ضاحية واحات عين شمس، ثم تحولت إلى هليوبوليس واستقرت أخيرًا عند اسم «مصر الجديدة». ولكن البارون امبان رفض تقديم هذا المبنى للخديو الذى سبق أن منحه امتياز هذه الضاحية.. وعرض عليه أرضا أخرى هى التى أقيم عليها قصر السلطانة ملك.. حرم السلطان حسين كامل ومازال القصر قائمًا حتى الآن.. وبالمناسبة شهد عصر عباس الثانى هذا أكبر الانشاءات مثل خزان أسوان ثم تعليته.. ومبنى المتحف المصرى فى ميدان التحرير ومعظم الكبارى التاريخية على نيل القاهرة. وهل لقب حلمى يدل على أنك حفيد للخديو عباس حلمى.. مجرد مداعبة.