الغرفة المركزية لحزب الجبهة الوطنية تتابع سير انتخابات مجلس النواب في ال 19 دائرة    تحديث أسعار السلع الأساسية في مصر: انخفاض في معظم المنتجات الغذائية    مصر وتونس تعقدان الاجتماع الرابع للجنة الفنية لتعزيز التعاون الاستثماري    ملك البحرين أمام قمة التعاون الخليجي: ضرورة استكمال خطة السلام في غزة (فيديو)    مدرب تونس: طوينا صفحة الخسارة أمام سوريا وجاهزون لفلسطين    صلاح يبحث عن ضم سندرلاند لقائمة ضحاياه    جوليان ألفاريز يدخل اهتمامات برشلونة رغم تعقيدات الصفقة المالية    بالأسماء.. «الصحة» تغلق 8 مراكز غير مرخصة لعلاج الإدمان في مدينة الشروق    محافظ الجيزة يتفقد نسب التنفيذ بمشروع تطوير حديقة الحيوان    احتفاءً بنجيب محفوظ.. معرض القاهرة للكتاب يطلق مسابقة فنية لإعادة تصميم أغلفة رواياته    هكذا أحيت ريهام عبدالغفور الذكرى الثانية لوفاة والدها    في عيد الكاريكاتير المصري الخامس.. معرض دولي يحتفي بالمتحف المصري الكبير    تحذير من انتشار «التسويق القذر»| أمين الفتوى يوضح مخاطره وأثره على الأخلاق والمجتمع    الكشف على 916 مواطنا ضمن قافلة طبية مجانية فى الإسماعيلية    مصر السلام.. إيديكس 2025.. رسائل القوة بقلم    هيئة البث الإسرائيلية: التصعيد العسكري ضد لبنان مسألة وقت    الأرصاد: استمرار انخفاض درجات الحرارة الملحوظ على مختلف أنحاء البلاد.. فيديو    الداخلية تضبط المتهمين بالاستعراض بتروسيكل    الداخلية تضبط سيدة توزع أموالا على الناخبين فى طهطا    دمشق: تأييد 123 دولة لقرار الجولان يعكس الدعم الكبير لسوريا الجديدة    حتى الآن.. 60 طعنا أمام الإدارية على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    السيدة انتصار السيسي تحتفي بيوم أصحاب الهمم: قلوب مليئة بالحب    مراسل إكسترا نيوز: 18 مرشحا يعودون للمنافسة فى الفيوم بعد قرار الإلغاء    دونالد ترامب يحضر قرعة كأس العالم 2026    بداية شهر رجب 1447 هجريًا... الحسابات الفلكية تكشف موعد ظهور الهلال    رئيس الوزراء يهنئ منتخب مصر للكاراتيه    أطعمة تعالج الأنيميا للنساء، بسرعة وفي وقت قياسي    الصحة تعلن ضوابط حمل الأدوية أثناء السفر| قواعد إلزامية لتجنب أي مشكلات قانونية    لاول مرة فى مستشفي شبين الكوم بالمنوفية..استخراج ملعقة من بطن سيدة مسنة أنقذت حياتها    ستوري بوت | لماذا احتفى الشعب المصري والعربي ب «دولة التلاوة»؟    الأمن يضبط قضايا إتجار فى العملات الأجنبية تتجاوز 3 ملايين جنيه    زيارة دبلوماسية يابانية إلى فلسطين لتعزيز جهود الإعمار وتحقيق حل الدولتين    وزير قطاع الأعمال: الروابط الراسخة بين مصر والإمارات ركيزة أساسية للتنمية والاستثمار    على رأسها رونالدو.. صراع مشتعل على جائزة مميزة ب جلوب سوكر    وزيرا التخطيط والمالية يناقشان محاور السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية    «مشوفتش رجالة في حياتي».. أبرز تصريحات زينة    وزير البترول والثروة المعدنية يستعرض إصلاحات قطاع التعدين ويبحث شراكات استثمارية جديدة    العربية للتصنيع توقع مذكرة تفاهم واتفاقية تعاون مع شركة "Sofema" الفرنسية في صيانة وعمرة محركات الطائرات    محافظ القاهرة يوجه بوضع خطة عاجلة لتطوير الحديقة اليابانية بحلوان    مذكرة تفاهم بين غرفة صناعة الملابس الجاهزة والوكالة الألمانية لدعم تطوير القطاع الصناعي    طلاب ثانية إعدادي يؤدون اختبار مادة العلوم لشهر نوفمبر بالقاهرة    موعد صلاة الظهر.... مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 3ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    هالاند: الوصول ل200 هدف في الدوري الإنجليزي؟ ولم لا    3 ديسمبر 2025.. أسعار الخضروات والفاكهة بسوق العبور للجملة    مجلس حكماء المسلمين يشارك بجناح خاصٍّ في معرض العراق الدولي للكتاب 2025    محافظ الإسكندرية يتفقد لجان الاقتراع بدائرة الرمل    «غني بالمعادن ومضادات الأكسدة».. الفوائد الصحية للعنب    احتفاءً بأديب نوبل، القاهرة للكتاب والوطني للقراءة يطلقان مسابقة لإعادة تصميم أغلفة روايات محفوظ    «ميدوزا»: كفاءة عالية رغم سوء الأحوال الجوية    مركز المناخ يحذر من نوة قاسم: تقلبات جوية عنيفة وأمطار من الخميس حتى الاثنين    «الشؤون النيابية» تحيي اليوم العالمي لذوي الإعاقة: قيمة مضافة للعمل الوطني    الأمم المتحدة تعتمد قرارا يطالب إسرائيل بالانسحاب من الجولان وسط اعتراض أمريكي-إسرائيلي    مواعيد مباريات اليوم.. مهمة محلية لصلاح ومجموعة مصر في كأس العرب    الرئيس الكولومبي يحذر ترامب: مهاجمتنا تعني إعلان الحرب    دعاء صلاة الفجر اليوم.. فضائل عظيمة ونفحات ربانية تفتح أبواب الرزق والطمأنينة    «السيدة العجوز» تبلغ دور ال8 في كأس إيطاليا    «الوطنية للانتخابات»: إعادة 19 دائرة كانت قرارًا مسبقًا.. وتزايد وعي المواطن عزز مصداقية العملية الانتخابية    وكيل الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم حدث فريد يجمع الروحانية والتميز العلمي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل.. ذاكرة مصر الحديثة
نشر في الوفد يوم 23 - 00 - 2013

في طريقي إلى مطروح العام قبل الماضي وخلال سيري بالطريق فوجئت بانفجار شنطة السيارة نتيجة تخمتها بمستلزمات رحلة المصيف. على الفور توقفت جانبا وعدت إلى الخلف لأفاجأ بسقوط العديد من الأشياء من بينها مجموعة كتب كنت حرصت على الإتيان بها لقراءتها.
لم يهمني أي شىء سوى الكتب أخذت أجرى كالمجنون أحاول أن أوقف السيارات المارة قبل أن تأتي على بقيتها بعد أن لاحظت تلف أحدها، ولم يهدأ لي بال سوى بعد ترميمه وإصلاحه، وكان ذلك من المواقف السيئة ما جعلني في حالة ضيق طوال فترة المصيف.
وإذا أخبرتك بأنني شخص كثير الترحال في السكن.. فإن ذلك لا يمكن أن يتم دون إخبارك أيضا بأنه يأتي على رأس أولوياتي في عملية «العزال» كتبي وأوراقي وملفاتي التي قد يراها الكثيرون غير ذات أهمية، وأراها أنا الدنيا وما فيها.
هذان مثالان بسيطان يمكن لك بمفهوم المقارنة أن تدرك كم الفجيعة التي شعر بها أستاذنا الكبير حسنين هيكل إثر إحراق مزرعته، أو مكتبته بمعنى أصح، في برقاش. ولذلك فإنه في الظهور الأول له بعد الحادثة على قناة «سي بي سي» الأسبوع قبل الماضي بدا الرجل وكأنه ليس هو.. لقد فقد جانبا من بهائه وروحه ومرحه.. وبدت لمسة الحزن على وجهه حتى شعرت بأنه، وهو الذي يبدو دوما في قمة الشباب والحيوية - رغم عمره أطاله الله - قد كبر عشرات السنين.
وبكلماته البليغة التي تحمل معنى الشعور ب «الكارثة» التوصيف الذي قد لا يستوعبه البعض، التي لحقت به يقول هيكل «لأول مرة أعرف ما معنى كلمة «شجن» أشعر أن لدى ما يضايق أكثر مما يمكن أن يعبر عنه بكلمات». حينما أسترجع ما حدث لهيكل أتذكر الحديث النبوي البليغ الذي يقول «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن».. أي ينتزع عنه الإيمان لحظة إقدامه على هذا الفعل.. وعلى النحو ذاته أقول إن من ارتكب جريمة برقاش لم يكن بعقله حين أقدم على هذه الفعلة .. فلا شك أن من قاموا بهذا العمل الإجرامي، بغض النظر عن هويتهم العقائدية أو السياسية، قد تم تغييب عقلهم تماما للإقدام على حرق مزرعة - مكتبة تضم تراثا لا يخص هيكل وإنما يخص وطناً بأكمله، لا لشىء سوى ما قد يبدو مواقف سياسية لا تعجبهم أو تلقى الارتياح لديهم!
أذكر – وأنا هنا أتحدث من الذاكرة وأتمنى ألا تخونني – أنني استمعت لهيكل في ندوة بمعرض الكتاب قد تكون الأخيرة له هناك منذ أكثر عشرين عاما ، راح فيها يتحدث عن أنه اشترى وثائق لأحد كتبه – حرب أكتوبر – من الولايات المتحدة بنحو 58 ألف دولار تقريبا بمقتضى قانون حرية المعلومات. وقتها فغرت فاهي من الدهشة.. فأي كاتب أو مؤلف أو باحث يمكن أن يقدم على مثل هذا العمل سواه!
من خلال أسلوبه في الحياة الذي أفاض في شرحه في كتبه وحواراته المختلفة كنت أشعر أن وثائق مصر كلها تحت يديه، ومن خلال حديثه الأخير شعرت بشغفه باقتناء ما هو نادر منها ومن ذلك إشارته إلى ما طلبه من الراحل عبد الوهاب المسيري بالحصول على كل خطابات الخديو لإسطنبول وأوراق لمصطفى كامل.. وكذا سعيه الدؤوب للحصول على خطابات اللورد كرومر.. فضلا عن امتلاكه وثائق عن عهد ناصر والسادات وكل ما دار فى الحروب وغير ذلك.
مع اعتبار الأهرام ديوانا للحياة المعاصرة في مصر منذ سنوات تساءلت ولماذا لا يتم إنشاء مؤسسة تضم تراث هيكل باعتباره ذاكرة مصر الحديثة. ويبدو أن الفكرة كانت في عقله حيث كان يعد مزرعة برقاش لتكون حسبما أشار في حديثه المشار اليه مؤسسة فكرية، وهذا أقل ما يجب تشجيعه تجاه قامة أثرت حياتنا السياسية برؤاها، بغض النظر عن مدى اتفاقنا أو اختلافنا معها.
لقد انعكس الدور الذي مثله هيكل في حياتنا في جعله محل السعي من الجميع.. فمن عجب أن تجد شخصية مثل شخصيته يحج إليها الكل من جميع الأطياف والمذاهب الفكرية والأحزاب والتيارات الثورية وغير الثورية.. فقد استقبل هيكل والتقى الرئيس الأسبق مرسي والسيسي ومبارك، فضلا بالطبع عن السادات وكذلك ناصر الذي شكل معه علاقة خاصة، وكل من يمكن أن يخطر على بالك من شخصيات ذات حيثية سواء في مصر أو في غيرها. ورغم السنين فالرجل ما زال يحافظ على توهجه.. ورغم قراره المؤسف بالتوقف عن الكتابة الذي أتصور أنه ندم عليه، فما زال لا يعدم الوسيلة التي يطل بها علينا ليشاركنا هموم الوطن.
حينما أتأمل في مسيرة الأستاذ – اللقب المحبب لدراويش هيكل والذين كنت واحداً منهم حتى وقت قريب - أرى أنه جمع بين سمات شخصيتين من أهم الشخصيات التي أثرت في تاريخ الولايات المعاصر وهما هنري كيسنجر وبرنارد لويس.. الأول من خلال موقعه كمنظّر وممارس للسياسة في الجزء الأول من حياته.. والثاني من خلال التأريخ وممارسة السياسة عن بعد في الشق الأخير من حياته رغم إصرار هيكل على نفي صفة مؤرخ عن نفسه وتأكيده على أنه ليس سوى «جورنالجي».
وانطلاقا من واقعنا المصري فهيكل ليس سوى نسخة من أبي الهول ولكن معاصرة.. فهو لم يكتف بمشاهدة الأحداث على مر الزمان وإنما تخلي عن صمت الأول ومارس بفعالية دور ساهم في تغيير الأحداث ومساراتها.. كل سنة وأنت طيب يا أستاذ!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.