قد يتساءل السادة أعضاء لجنة الخمسين المكلفة بصياغة الدستور الجديد للبلاد بدلاً من دستور 2012 المعطل وأصحاب القلوب السليمة معهم عن أسباب انتماء فئة من محامي الحكومة بالهيئات والمؤسسات العامة والبنوك والشركات العامة الخاضعين للقانون رقم 47 لسنة 1973 لنقابة المحامين وقيدهم بها ضمن جداول المحامين المشتغلين على الرغم أن نقابة المحامين بمصر وغيرها تخص المحامين أصحاب المكاتب الخاصة لكونها من المهن الحرة. ويجدر التساؤل أيضاً ولماذا تواجدت هذه الفئة بنقابة المحامين في ظل وجود هيئة قضايا الدولة على اختلاف مسمياتها وهي المكلفة بالدفاع في القضايا التي تخص كافة الشخصيات الاعتبارية العامة بالدولة منذ عام 1875 كذلك وهل واجبات هؤلاء وهؤلاء واحدة. وإن كانت واحدة.. هل يتمتعون جميعاً باستقلالية عن السلطة التنفيذية للقيام بالمهام الملقاة على عاتقهم لصالح الحقوق والأموال العامة بالدولة أم أن هناك أسراراً وأغراضاً سيئة من جراء وجود فئة من محامي الحكومة بنقابة محامي مصر لا يتمتعون بالاستقلالية اللازمة وللإجابة عن هذه التساؤلات نوجزها في سطور قليلة. أولاً: إن الغرض الرئيسي للمشرع الذي جعل فئة من محامي الشخصيات الاعتبارية العامة بنقابة المحامين وكذلك أن يدخل في اختصاصاتهم ما يزيد على ثلثي الأموال العامة بالدولة أن يكون هؤلاء تابعين للسلطة التنفيذية ليأتمروا بأوامرهم ونواهيهم وبأيديهم تعيينهم وترقياتهم ومكافآتهم وبدلاتهم، ووصل بهم الأمر أن السلطة التنفيذية غير المختصة والتي ليس لها علاقة أو دراية بدراسة القانون والمحاماة أنهم هم أصحاب القرار في إقامة الدعاوى ووقف السير فيها والتنازل عنها والصلح فيها وهذا الانتماء والانصياع لرؤساء مجالس إدارات الهيئات والبنوك والشركات العامة وراء ضياع آلاف الأفدنة ومليارات الجنيهات من الأموال العامة للشعب الذي قام بثورتين خلال شهور قليلة ضد الفساد المالي. ثانياً: رغبة النظام الفاسد في عدم استقلالية عدد كبير من محامي الحكومة لتكون له سيطرة وامتداد له داخل الجهات الحكومية والاقتصادية خاصة واسألوا جماعة الإخوان المسلمين عن أسباب عدم استجابتهم لاستقلال محامي الهيئات العامة والبنوك والشركات العامة بدستور 2012. ثالثاً: رغبة البعض بمجالس نقابة المحامين في استخدام محامي الإدارات القانونية بالحكومة كورقة انتخابية مهمة على الرغم من أن محامي الإدارات القانونية يكلفون صناديق النقابة ملايين الجنيهات كمعاشات وخدمات صحية وخلافه أولى بها اليتامى والأرامل لمحامي المكاتب الخاصة، علاوة على قيام البعض من محامي الإدارات القانونية بالمرافعة في قضايا لحسابهم الخاص بالمخالفة للقانون ومزاحمة منهم لمحامي المكاتب الخاصة في نيل أرزاقهم. رابعاً: رغبة البعض بالهيئات القضائية في استمرار الوضع الحالي لمحامي الهيئات العامة والبنوك والشركات العامة للندب بالجهات الحكومية للحصول على عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الجنيهات مكافأة شهرية لندبهم بعض الوقت والبعض منهم يزيد ندبه لأكثر من عشر جهات حكومية على الرغم من وجود محامين بها أكفاء وبعضهم حاصلون على ماجستير ودكتوراه والخبرات الكبيرة كافية بتلك الجهات. يا سادة هذه بعض المساوئ من جراء تواجد فئة من محامي الحكومة بنقابة المحامين وللأسف الشديد لم يستجب أحد من نظام مبارك أو مرسي لاستقلالية محامي الهيئات العامة والبنوك والشركات العامة كزملائهم محامي هيئة قضايا الدولة المكلفين معاً بالدفاع عن الحقوق والأموال العامة الواحدة للشعب وقد يقفون سوياً بالمرافعة في دعاوى واحدة أمام دوائر القضاء كافة بل تزيد اختصاصات محامي البنوك والشركات والهيئات العامة كالتحقيقات المالية والإدارية وخلافه. يا سادة إن هيئة قضايا الدولة نفسها قد أقرت بالمركز القانوني الواحد لأعضائها ومحامي الهيئات والبنوك العامة وذلك بما سطرته بالدعوى رقم 1822 لسنة 6 ق بمجلس الدولة (المحامون بالهيئات والمؤسسات العامة وإن كانوا يمارسون ذات اختصاص وإجراءات أعضاء هيئة قضايا الدولة إلا أنهم لم يكتسبوا اختصاصات وسلطات الهيئة القضائية) ونقول لهم وللمختصين طالما ومادام هؤلاء المحامون يمارسون ذات الاختصاص والإجراءات كأعضاء هيئة قضايا الدولة وما المعوقات والصعوبات الآن التي تمنع تمتعهم بالصفة القضائية مثلهم فلقد رحل عصر الفساد بلا رجعة وكل تمييز بينهم سواء القيام بالأعمال القانونية عن طريق الوكالة والنيابة القانونية كان نتيجة آثار تشريعات فاسدة لكون الحقوق والأموال العامة واحدة ولننظر إلى طبيعة العمل والاختصاصات قبل بيان الحجج بالآثار الناتجة عن الفساد التشريعي. ويكفينا من أدلة وبراهين وأسانيد ما قررته المحكمة الدستورية العليا بالمبدأ الدستوري الصادر بالدعوي رقم 86 لسنة 18 ق دستورية بتاريخ 6/12/1997 (وكان استقلال المحامين في أداء أعمالهم واحتكامهم إلى ضمائرهم وسلطان القانون دون غيرهما ينفي بالضرورة تبعيتهم لجهة عمل تتولي توجيههم وفرض رقابتها عليهم). لذلك نقترح على لجنة الخمسين الموقرة التكرم بالموافقة على صياغة نص بمسودة الدستور الجديد: (تحول الإدارات القانونية الخاضعة للقانون رقم 47 لسنة 1973 بالهيئات والمؤسسات العامة والبنوك والشركات العامة إلى هيئة قضائية مستقلة تحت مسمى «هيئة الدفاع عن الحقوق والأموال العامة» تتبع وزارة العدل ويحدد القانون اختصاصاتها وشروط وإجراءات تعيين أعضائها وكيفية مساءلة أعضائها ويكون لأعضائها الضمانات المقررة لأعضاء هيئة قضايا الدولة). وفي حالة تعذر ذلك نقترح تعديل المادة 168 من المسودة (المحاماة مهنة حرة، تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون، يمارسها المحامى في استقلال، ويتمتع أثناء تأدية عمله بالضمانات التي تكفل حمايته وتمكينه من مباشرة هذا العمل ويتمتع محامى الإدارات القانونية بالشخصيات الاعتبارية العامة بكافة الحقوق والضمانات المقررة لأعضاء هيئة قضايا الدولة؛ وذلك على النحو الذي ينظمه القانون).