فجرت شائعة منح الضبطية القضائية لموظفى الحرس الجامعى الإداريين، احتجاجات واسعة داخل الجامعات خلال الساعات الماضية. وأعلن المستشار عادل عبدالحميد وزير العدل أنه لم يمنح الضبطية القضائية للحرس الجامعى، مشيرا إلى أن وزير التعليم العالى الدكتور حسام عيسى لم يتقدم من الأساس بطلب رسمى فى هذا الشأن. وكشفت مصادر قضائية رفيعة المستوى، أن ما أثير حول منح الضبطية للحرس الجامعى الإدارى، من قبيل إيجاد حلول قانونية للسيطرة على حالة الانفلات التى استشرت داخل الجامعات بشكل غير مسبوق. وأوضحت المصادر أن القيادات الجامعية ما زالت تبحث عن مخرج لتلك الأزمة، دون الاصطدام بحكم المحكمة الإدارية العليا البات، بإلغاء الحرس الجامعى . وتتناول «الوفد» ردود الأفعال المتباينة بين الفقهاء الدستوريين والقانونيين، ما بين مؤيد ومعارض لفكرة منح الضبطية للحرس الإدارى الجامعى. يرى الفقيه القانونى المستشار سمير البدوى رئيس هيئة النيابة الإدارية الأسبق، أن الشروط المطلوبة لنيل الضبطية القضائية تقتضيها طبيعة عمل القائم بهذه الوظيفة. وأوضح أنه على سبيل المثال فإن ظروف عمل «مفتش التموين»، تقتضى أن يكون له الضبطية القضائية لحالات ضبط القضايا. وأوضح أن الضبطية لمفتش التموين تعطيه الوسيلة التى يستطيع من خلالها القيام بعمله على أكمل وجه. وقال إنها آلية مناسبة لتفعيل عمل وظيفته، لأنه يقوم بتفتيش المحلات التجارية، وفحص المستندات، والفواتير للبضائع والسلع الاستهلاكية بكافة أنواعها، والتأكد من صلاحيتها، ومطابقتها للمواصفات الصحية، ومصدرها، فضلا عن الالتزام بالسعر المتعارف عليه من عدمه. وأشار إلى أنه فى حالة اكتشافه مخالفة أو جريمة، يحق له اقتياد المخالف وتحرير محضر بالواقعة فى أقرب قسم أو مركز شرطة، وأوضح أنه لتسهيل مهمة مفتش التموين وضمان عدم تغير معالم الجريمة أو إخفاء المخالفة التى اكتشفها، توضع نقاط شرطة فى الأسواق لسرعة تحرير المحاضر ضد المخالفين. وأكد «البدوي» أن عمل مفتشي التموين بدون الضبطية، سيعرقله، لأنه سيذهب لأقرب قسم شرطة لإثبات المخالفات فى مكانها من خلال قوة أمنية تصاحبه، الأمر الذى يستغرق وقتا وجهدا شاقا له، ويؤدى فى النهاية إلى إفلات المخالف بجريمته . وأكد أن موظفى الجامعة لا تنطبق عليهم هذه الشروط، لأن عملهم مرتبط بالطلبة. وقال إن عمل الحرس الجامعى ينحصر فى الاطلاع على كارنيه الطالب أو الطالبة، وتطبيق لوائح الجامعة وتعليماتها، فيمن يحق له الدخول لحرمها من عدمه، أى ليس بالعمل الشاق كعمل مفتش التموين، وبالتالى لا حاجة له بالضبطية القضائية. وأوضح المستشار محمد حرويس وكيل هيئة قضايا الدولة، أنه لا يمكن لوزير العدل منح هذه الضبطية لأفراد أمن الجامعة الإداريين، لأن جزءاً كبيراً منهم حاصل على تعليم متوسط أو فوق المتوسط أو أقل من المتوسط، وبالتالى لا تتوافر فيهم المعايير المطلوبة كمأمورى الضرائب والجمارك على سبيل المثال. وأوضح أن طبيعة عمل أفراد الأمن الإدارى وطرق اختيارهم للوظيفة، لا تؤهلهم للعمل بالضبطية، وأن غيرهم فى أعمال معينة، مؤهلون للعمل بالضبطية. وشدد على ضرورة أن يكون الحاصل عليها خريجاً جامعياً يتميز بمستوى علمى وثقافى معين للعمل بأحكام الضبطية القضائية. وطالب المستشار الدكتور صابر غلاب الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة، بعودة الحرس الجامعى المكون من رجال الشرطة المؤهلين لتلك المهمة، دون عودة لممارسات أمن الدولة. وقال إن الذين طالبوا بإلغاء الحرس الجامعى، هم الذين يطالبون بعودته مرة أخرى حاليا، حسب ما صرح لى وزير مختص بالحكومة، وبحكم تواجدى المستمر داخل الجامعات لإلقاء المحاضرات. وأشار إلى أن اضمحلال المستوى التعليمى لموظف أمن الجامعة الإدارى وراء العديد من المشاكل، أبرزها أنه لا يعرف أحيانا الفرق بين المعيد والأستاذ بالجامعة، والقضاة وأعضاء الهيئات القضائية، لأن فاقد الشىء لا يعطيه. وأشار لموقف مثير حدث مع زميل له بمجلس الدولة عند دخوله إحدى الجامعات، والذى عرف نفسه لموظف الأمن الإدارى، فسأله الأخير « يعنى إيه مستشار بمجلس الدولة»؟! وأعرب عن خشيته من إساءة الضبطية، إذا منحت له بقرار من وزير العدل بناء على طلب وزير التعليم العالى مستقبلا. ويرى المستشار «غلاب» أنه إزاء ما قد يحدث من تعديات على الأساتذة والطلبة، وحفاظا على منشآت الجامعة وأموالها، وعقاراتها، والعاملين بها، وروادها، ولمنع جرائم قد ترتكب داخل الحرم الجامعى، وإزاء ما قد يقع بالفعل من جرائم أو مخالفات، يتعين ضرورة إعادة الحرس الجامعى الشرطى مرة أخرى. وشدد على التزام ضباط وأفراد الحرس الجامعى بوظيفتهم الأمنية، دون تدخل فى العملية التعليمية كتعيين العمداء ورؤساء الجامعات ونوابهم. وأشار إلى أنه لا يعقل وجود جموع بالآلاف في الحرم الجامعى بدون نقطة شرطة توفر الأمن وتطبق القانون على المخالفين، على غرار نقاط الشرطة بالمستشفيات وأسواق القرى والمدن لغرض التأمين . ولفت المستشار «غلاب» بحكم عمله محاضرا فى القانون بإحدى كليات الحقوق، لمدة 15 عاما متواصلة، إلى ظهور سلبيات عديدة بالحرم الجامعى لدرجة الوقاحة . وقال إن حرس الشرطة فى السابق، كان يؤمن الحرم الجامعى من انحرافات بعض الطلبة، بوسائل ردع شتى، لذا أطالب بضرورة عودته فى ثوب جديد. وحول مدى سلطة وزير العدل فى سحب الضبطية، أكد الفقيه القانونى المستشار إسماعيل حمدى رئيس محكمة استئناف طنطا ومحكمة أمن الدولة العليا طوارئ وعضو مجلس القضاء الأعلى سابقا، أن من يملك المنح يملك المنع، فقانون الإجراءات الجنائية أعطى وزير العدل سلطة إصدار قرار وزارى بمنح الضبطية القضائية بناء على طلب الوزير المختص، فى نطاق تطبيق القوانين، أو فى ظروف معينة، أو فى أوقات، أو فى أماكن معينة، أو لمواجهة ظاهرة، أو ظروف تقتضى ذلك. وأوضح أنه بزوال الظروف والملابسات التى أدت لمنح بعض الأشخاص صفة الضبط القضائى، يجوز بالتبعية سحب هذه الصفة، وإلغاء القرار الوزارى الذى صدر بمنح الضبطية فى أى وقت يشاء. وأضاف أنه من المقرر قانونا عملاً بالمادة 23 من قانون الإجراءات الجنائية، أن القرار الصادر بالضبطية من وزير العدل يكون جوازياً وبالاتفاق مع الوزير المختص، بالنص التالى: «ويجوز بقرار من وزير العدل بالاتفاق مع الوزير المختص تخويل بعض الموظفين صفة الضبطية القضائية بالنسبة إلى الجرائم التى تقع فى دوائر اختصاصهم، وتكون متعلقة بأعمال وظائفهم». ويفجر الفقيه الدستورى المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، عدة مفاجآت دستورية وقانونية بشأن الضبطية، منها أن الممنوع طبقا لحكم الإدارية العليا، أن يكون الحرس من الشرطة، الذى كان موجودا وقت صدوره. وعن مدى إمكانية منح الضبطية لأمن الجامعات الإدارى، أوضح المستشار «خلوصى» أنه إذا ضربنا مثلا بأن مفتشي التأمينات ومفتشي العمل لهم صفة الضبطية، فإن هذه الصفة تعطى لمدنيين بحسب طبيعة عملهم، التى تقتضى ضبط ما يصادفهم من مخالفات، طبقا للقوانين التى يقومون على تطبيقها. وأضاف أنه دستوريا ليس محظورا منح الضبطية، عن طريق وزير العدل المخول بهذه السلطة طبقا للقانون لأى أحد، ويجوز منحها لبعض أفراد الأمن الإدارى بالجامعات. وقال: ليس شرطا لمنح صفة الضبطية القضائية، أن يكون الممنوح حاصلا على مؤهل. وأكد أن المؤهل ليس شرطا لمنح هذه الصفة حرصا على تطبيق القانون، مشيرا إلى أن خفير وشاويش الشرطة الممنوحة لهما صفة الضبطية تلقائيا كضباط وضباط صف وأمناء الشرطة، بعضهم لم يحصل على مؤهل تعليمى على الإطلاق. وأوضح أن قانون الإجراءات عندما منح وزير العدل سلطة إسباغ صفة الضبطية على بعض القائمين على تطبيق القوانين، التى تخولهم ضبط المخالفة، بأن يكون لها جزاء جنائى وعقوبات جنائية. وسألناه: هل موظفو أمن الجامعات يطبقون القوانين أو ماذا سيطبقون؟ فأكد أن العبرة هنا بمضمون قرار وزير العدل فى حالة صدوره ولو منح جزء منهم الضبطية القضائية. وعن المشاجرات وارتكاب أعمال جنائية أو منافية للقانون والآداب العامة داخل الحرم الجامعى بدون وجود ضبطية لأفراد حرسها الإدارى .. أوضح المستشار « خلوصى « أن المواطن العادى مكلف قانونا بأن يضبط أى جريمة تقع تحت نظره، كما فى حالة مشاهدته لصا يسرق دكان ويقبض عليه ويسلمه للشرطة. وشدد على أن هناك واجباً عاماً على جميع أفراد المجتمع بمن فيهم طلبة الجامعات والقائمون عليها، الإبلاغ عن الجرائم فى حالة التلبس، لأن شاهد الجريمة سيعاقب إذا لم يقم بالإبلاغ عنها، لأنه يعد فى نظر القانون فى حالة عدم الإبلاغ متهماً بجريمة المشاركة فيها بالترك. وقال إنه إذا ضبط الطالب متلبساً بالمخالفة داخل الحرم الجامعى فإنه يعاقب من خلال مجلس تأديب، وإذا ضبط بجريمة داخل الحرم تستدعى الشرطة لتحرير محضر بالواقعة ضد الطالب المتهم. وقال إن الفعل الفاضح داخل الحرم الجامعى وتكسير واتلاف المنشآت ومخالفة نظام الجامعة يعد جريمة. وتساءل المستشار «خلوصي» عن أستاذ الجامعة الذى يضبط طالباً بالغش فى الامتحان، هل يتركه بحجة أنه لا يتمتع بصفة الضبطية القضائية؟ وأكد أن الوضع الطبيعى بدون النظر عن منح الضبطية لأستاذ الجامعة من عدمه، هو اتخاذ الإجراءات القانونية والتأديبية ضد الطالب فورا. وقال إن كل فرد من أفراد المجتمع مكلف قانونا بالتصرف حيال الجريمة التى تقع أمام عينيه، بإمساك فاعلها أو يحاول منعها. وحول دخول الشرطة للحرم الجامعى لتحرير محضر بجريمة أو مخالفة ما.. هل تدخل أم لا؟ أكد «خلوصى» أن من حقها الدخول لأن الجامعة ليست دولة داخل الدولة أو جامعة فى دولة أجنبية، يحرم على الشرطة دخولها لاتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة ضد المخالفين. وقال إن الجامعة شأنها فى ذلك شأن أى مؤسسة عامة أو خاصة أو منزل خاص فى حالة استدعاء الشرطة للنجدة والإنقاذ فى حالة الخطر . واختتم قائلا: لا يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرار بقوة القانون لعودة الحرس الجامعى الشرطى، لأنه سيطعن عليه بعدم الدستورية، لأنه يتحايل على حكم قضائى بات ونافذ صادر من آخر درجات التقاضى وهى المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة.