كيف تصنع فرعونا صغيرا يكبر مع الأيام ليصبح ديكتاتورا يملك ويتحكم ويطيح بكل من يختلف معه؟ إنه سؤال الاختبار القادم في ورقة الامتحان ولجنة وضع وفاق قومي أو حوار وطني مع مختلف القوي السياسية وفي مقدمتها بالطبع شباب ثورة 25 يناير.. إن فن صناعة الفرعون تمربعدة مراحل مهمة أظن بل وأؤكد أننا في مصر فقهاء بارعون في حرفيتها وإبداعها ولا يبارينا أهل أي دولة أو حضارة في العالم حتي أننا ما أن نتخلص من فرعون إلا و يظهر آخرون نربيهم و نغذيهم حتي نفرح بطلعتهم البهية. الخطوة الأولي: تدمير كل المعابد القديمة وطمس الإنجازات العظيمة و شطب اسم الفرعون السابق أو الراحل أو المخلوع من علي الجدران والأحجار بل وقد يصل الأمر كما فعل رمسيس الثاني مع الملكة حتشبسوت التي بنت أول مدينة للفنون في طيبة وأقامت أول علاقات تجارية مع بلاد بونت أو الحبشة، فما أن ماتت حتشبسوت إلا وجاء رمسيس الثاني ليغير من التاريخ ويدفن معبدها و يغير اسمها من علي اللوحات الجدارية وأعمدة البهو الفرعوني حتي لا يبقي من ذكراها شيء حتي القرن العشرين حين تم إعادة اكتشاف معبدها الأثري. الخطوة الثانية: بعد الهدم و التدمير تبدأ مرحلة الزهو و الفخر بالقادم الجديد وهي مرحلة أصحاب المباخر و الكهنوت المنتفعين، حيث تتكون مجموعات منظمة من أهل الرأي تحيط بالفرعون أولهم كاهن أو رجل دين ثم هامان رجل السياسة والسلطة المحنك العارف ببواطن الأمور والذي لا ينتمي إلي السابق ولكنه نسخة معدلة من كل هامان داهية في الخطط والتدابير وبناء أسوار عالية حول قصر الفرعون تمنع دخول الرعاع والدهماء ويصبح الفرعون أسيرا في قصره مع الكاهن والهامان إلي أن يظهر قارون صاحب المال والجاه فتكتمل دائرة الشر كل يلعب دورا في صناعة الفرعون فالكاهن وسيلة الاتصال بين الشعب والفرعون يحمل مباخر الدين و مفاتيح الألوهية ووجوب طاعة الوالي أو ولي الأمر لأنها من الإيمان، أما هامان فهو سوط الخوف والترهيب ومحرك المفكرين والساسة وواضع الخطط من منظور سياسي أيديولوجي قانوني ودستوري و يأتي دور قارون في التمويل والانفاق وبسط النفوذ عبر أرجاء البلاد. الخطوة الثالثة: الإعلام الفرعوني الذي ما أن تبدأ مرحلة الصناعة الأولي إلا ويبدأ في مغازلة الفرعون الصغير والنفخ في أبواق التمجيد والتهليل بالقادم الجديد من أغان ورقصات ورسوم وتماثيل وأفلام وبرامج ومقالات كلها تمجد وتعلي من شأن العهد الجديد متمثلا في ذلك الفرعون والذي هوالأمل المنشود والإله القادم دون أخطاء أو شوائب أو نقائص كأنه منزل منزه عن الأخطاء أو الزلل ولذا فإن الإعلام كلما جاء فرعون جديد تباري في نحت تماثيل أكبر وأضخم لتلافي منتج عهد بائد وفاسد وإن كانت نفس الأصابع والأيادي التي عملت في معابد الماضي تنحت وتصنع وتكتب وتتكلم في معابد الفرعون الآتي. والخطوة الأخيرة: السكوت والصمت والخوف من جانب الرعية فهم قد عانوا الأمرين من الفرعون الظالم السابق ولكنهم عرفوا معني الذل والفقر والقهر لذا فإن الأمل في القادم والرغبة في التغيير والحرية تعمي العيون والأبصار عن كل الأخطاء وعن تكرار السيناريو ويظل الرجاء في أن الجديد مختلف وديمقراطي وحر، لكن الزمن يمر والصورة تعاد والتمثال يكبر والدائرة تضيق والأسوار تعلو والمباخر تطلق الأبخرة والقانون يطبق علي الضعيف والغني يزداد ثراء والفقير جهلا وفقرا والخوف يعود و يملأ النفوس فإذا بالفرعون الصغير قد صار مارداً عملاقا وإذا بالحرية وهم كبير. والآن هل لنا أن نقرأ مشهد التحرير وأطفيح وإمبابة والأزبكية والفضائيات والمقالات والحوارات الوطنية والقومية والائتلافات الشبابية، نقرأ كل هذا قراءة تاريخية جديدة لنعرف أن فن صناعة الفرعون فن مصري أصيل.. فبداخل كل منا فرعون صغير ينتظر لحظة التتويج. [email protected]