تعد الشرائع والقوانين الضمانة الأساسية لاستقرار المجتمع الإنساني، وانتظام أحواله، وضبط علاقاته وهى أساس وجود الدولة وقيامها وبقائها. والشريعة الاسلامية في الاصطلاح الشرعي الاسلامي تطلق على أحكام الإسلام نفسه، قال الله - عز وجل «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعتها» «الجاثية 18»، «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» «الشورى 13»، «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» «المائدة 48». وجه الدلالة من النصوص: الشريعة لها إطلاق عام يراد به الدين نفسه أي مكوناته التي لاوجود له إلا بها «الايمانيات، الأحكام العملية، الأخلاقية» لذا عرفها أئمة العلم: ما سنه الله - تعالى - لعباده من الدين وأمرهم باتباعه روح المعاني في تفسير «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا»، حاشية الشيخ زاده على تفسير البيضاوي في تفسير الآية سالفة الذكر «المائدة 48». وإطلاق خاص: ما شرعه الله - عز وجل - من أحكام عملية، وعلى هذا تكون مرادفة لعلم الفقه الإسلامي: مجموعة الأحكام والمسائل الشرعية العملية، وهذا الإطلاق من قبيل إطلاق المصدر وارادة الحاصل به مثل قوله - جل شأنه - «هذا خلق الله» أي: مخلوقه. والذي يعول عليه في تفسير الشريعة الإسلامية دستورياً أنها أحكام الإسلام نفسه ويعني بها الثوابت المعلومة من الدين بالضرورة في مجالات أصول الاعتقاد، وأصول الحلال والحرام في العمليات والأخلاقيات المستمدة من مصادر وأدلة الشريعة الغراء النصية: أ) القرآن الكريم ب) السنة النبوية الصحيحة والاجتهادية: أ) الإجماع ب) القياس دون مذهبية اعتقادية أو فقهية، لأن المذهبية وحدها ليست حاكمة على كل صحيح الإسلام من الوجهة الدستورية، وإن كانت رؤى اجتهادية فيما هو محل اجتهاد في فروع الاعتقادات والعمليات والتحسينات في الأعمال العلمية الأكاديمية كنتاج علمي أو تراث فكري موروث. إذا علم هذا: فإن المادة 219 في الدستور المعطل «مؤقتا» والجاري تعديل بعض مواده ونصها: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة» فيها نظر لما يلي: 1- جعلها مفسرة لما تقرر «الإسلام دين الدولة» تفتح جدلاً حول المراد من الشريعة هل الدين كله؟ أم الأحكام والتي هى «الفقه» ومما يدل على هذا اقحام عبارة في مذاهب أهل السنة والجماعة!! فأهل السنة والجماعة مع أنه في الأصل مصطلح سياسي كالشيعة والإباضية والمرجئة والخوارج.. في العمل العلمي السليم الفقه المقارن والعقيدة مثلاً مذهب واحد في مواجهة ما سواه، فالتعبير بأن «مذاهب» عوار فاضح وفادح، وحصر الشريعة الاسلامية في المذهبية معيب مسىء، فإن صح في الأعمال العلمية فلا يصح مطلقاً في دساتير عامة والصياغة فيها ركاكة فقد صدرت بمبادئ وفيها غموض، والأدلة توصف بالاجمالية والتفصيلية ولا توصف بالكلية، فالكلية للقواعد، وليست للأدلة، والقواعد الأصولية والفقهية يجعل الشريعة من جهة تفسيرها مقصورة محصورة في نطاق «الأحكام العبادية والمعاملاتية»، وهى العملية التي مؤداها كما سبق الى تنحية المكون الاعتقادي والأخلاقي، ومما يدعو الى الغرابة والنكارة معا ذكر المصادر المعتبرة مع أنها «أدلة» فتكرار وحشو، وتأخير الأدلة عن المبادئ والقواعد غريب عجيب!! 2- يضاف الى ما ذكر أن الأمم العاقلة تؤلف دساتيرها لشتى أطياف المجتمع وليس لطائفة دون طائفة، أو في مواجهة طائفة! فالدستور المصري بهذه المادة المعلولة صار طائفياً مقيداً بالسنة كالدستور الايراني المقيد بالشيعة، والظاهر أن واضعي هذه المادة خضعوا لتصور وهواجس وهلاوس ممن يؤسسون للطائفية المذهبية. وعليه: فالمادة 219 يجب حذفها تماماً، ويكتفي بتفسير الشريعة الإسلامية للجهة ذات الاختصاص «الأزهر الشريف» من الهيئة ذات الشأن «هيئة كبار العلماء»، ويكتفي بأن الاسلام دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. تجب معالجة لمزايدة لا محل لها، وصياغة لا تتفق وطبيعة الدساتير، ودلالات تشملها غموض وتناقض وتضارب، وطائفية، وخلط بين الفقه والشريعة، وبين عموم الشريعة وبين جزء من مكوناتها. بالاضافة إلى مواد أخرى فيها قصور: أ) المادة 4: لم تنص صراحة على أن الأزهر وحده صاحب الاختصاص في كونه المرجعية الإسلامية الوحيدة المعتمدة مع أن قوانين مجتمعية تجعل له هذا الاختصاص مثل القانون 103 لسنة 1961م، القانون 26 لسنة 1936م، القانون 49 لسنة 1930م، القانون رقم 10 لسنة 1911م، والتاريخ «ألف ومائة سنة» والواقع، واغفال قيد الاختصاص للأزهر الشريف، يفتح أبواباً لمؤسسات أهلية طامعة جامحة ساعية لتكون هيئات موازية أو بديلة!! ب) المادة 41: أجازت بدلالة المخالفة على جواز الاتجار بجسد الإنسان واجراء تجارب طبية وعلمية برضاه. ج) المادة 74: النص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة تناقض «الإسلام دين الدولة» الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فالأولى الجمع بينهما: سيادة الشريعة الاسلامية والقانون فيها لا نص فيه شرعي قطعي الورود وقطعي الدلالة. د) المادة 76: العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عفو به إلا بنص دستوري أو قانوني، الجرائم والعقوبات ثابتة بنصوص شرعية «التشريع الجنائي الإسلامي» وأخرى قانونية كالتعازير والمدنية المعاصرة. ه) المادة 149: لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة وتخفيضها. مناقضة للشريعة الإسلامية لأن حقوق الدماء والأموال والأعراض، وما يمس الأمن العام للمجتمع، ليس لولي الأمر ولا من يفوضه العفو، بل للأولياء المستحقين مثل القصاص والقذف، وليس له العفو في جرائم الحدود الشرعية لأن الحد الشرعي إذا وصل الى الحاكم فلا يملك إسقاطه ولا الغاءه، يملك حق التأجيل المؤقت لمسوغ معتبر. هذه المواد التي منها ما يمكن وصفه بالدستورية، ومنها ما ليس دستورياً وفق آلية صياغة الدساتير محل نظر تستوجب مراجعة ودقة من أهل الاختصاص، والكلمة في ذلك لعلماء الشريعة الاسلامية بالأزهر لتعلقها وصلتها بها. أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر بالقاهرة