ارتفاع أسعار الذهب في بداية التعاملات بالبورصة.. الأربعاء 31 ديسمبر    أحصائيات أحمد عبد الرؤوف مع الزمالك بعد إعلان رحيله رسميا عن الفريق    نتنياهو: لدى حماس 20 ألف مسلح ويجب أن تسيطر إسرائيل عسكريا على الضفة الغربية    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حملة مكبرة لإزالة مخازن فرز القمامة المخالفة بحرم الطريق الدائري بحي الهرم    طقس اليوم: مائل للدفء نهارا شديد البرودة ليلا.. والصغرى بالقاهرة 13    انفصال ميل جيبسون وروزاليند روس بعد 9 سنوات من ارتباطهما    موسكو: الاتحاد الأوروبي سيضطر لمراجعة نهجه في العقوبات ضد روسيا    وزارة الشباب والرياضة تحقق أهداف رؤية مصر 2030 بالقوافل التعليمية المجانية    نخبة الإعلام والعلاقات العامة يجتمعون لمستقبل ذكي للمهنة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة على موسكو    وخلق الله بريجيت باردو    وزارة الرياضة تواصل نجاح تجربة التصويت الإلكتروني في الأندية الرياضية    محكمة تونسية تؤيد حكم سجن النائبة عبير موسى عامين    مصرع طفل دهسه قطار الفيوم الواسطي أثناء عبوره مزلقان قرية العامرية    قوات التحالف تنشر مشاهد استهداف أسلحة وعربات قتالية في اليمن وتفند بيان الإمارات (فيديو)    ذخيرة حية وإنزال برمائي.. الصين توسع مناوراتها حول تايوان    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    رئيس جامعة قنا يوضح أسباب حصر استقبال الحالات العادية في 3 أيام بالمستشفى الجامعي    د.حماد عبدالله يكتب: نافذة على الضمير !!    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    حمادة المصري: الأهلي مطالب بالموافقة على رحيل حمزة عبدالكريم إلى برشلونة    «قاطعوهم يرحمكم الله».. رئيس تحرير اليوم السابع يدعو لتوسيع مقاطعة «شياطين السوشيال ميديا»    خالد الصاوي: لا يمكن أن أحكم على فيلم الست ولكن ثقتي كبيرة فيهم    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    تموين القاهرة: نتبنى مبادرات لتوفير منتجات عالية الجودة بأسعار مخفضة    التنمية المحلية: تقليص إجراءات طلبات التصالح من 15 إلى 8 خطوات    المحامى محمد رشوان: هناك بصيص أمل فى قضية رمضان صبحى    من موقع الحادث.. هنا عند ترعة المريوطية بدأت الحكاية وانتهت ببطولة    دعم صحفي واسع لمبادرة المتحدة بوقف تغطية مشاهير السوشيال ميديا والتيك توك    مصدر بالزمالك: سداد مستحقات اللاعبين أولوية وليس فتح القيد    شادي محمد: توروب رفض التعاقد مع حامد حمدان    استشهاد فلسطيني إثر إطلاق الاحتلال الإسرائيلي الرصاص على مركبة جنوب نابلس    الأمم المتحدة تحذر من أن أفغانستان ستظل من أكبر الأزمات الإنسانية خلال 2026    رضوى الشربيني عن قرار المتحدة بمقاطعة مشاهير اللايفات: انتصار للمجتهدين ضد صناع الضجيج    الخميس.. صالون فضاءات أم الدنيا يناقش «دوائر التيه» للشاعر محمد سلامة زهر    لهذا السبب... إلهام الفضالة تتصدر تريند جوجل    ظهور نادر يحسم الشائعات... دي كابريو وفيتوريا في مشهد حب علني بلوس أنجلوس    بسبب الفكة، هل يتم زيادة أسعار تذاكر المترو؟ رئيس الهيئة يجيب (فيديو)    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    جامعة عين شمس تستضيف لجنة منبثقة من قطاع طب الأسنان بالمجلس الأعلى للجامعات    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    حقيقة تبكير صرف معاشات يناير 2026 بسبب إجازة البنوك    الأهلي يواجه المقاولون العرب.. معركة حاسمة في كأس عاصمة مصر    أمين البحوث الإسلامية يتفقّد منطقة الوعظ ولجنة الفتوى والمعرض الدائم للكتاب بالمنوفية    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    نسور قرطاج أمام اختبار لا يقبل الخطأ.. تفاصيل مواجهة تونس وتنزانيا الحاسمة في كأس أمم إفريقيا 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفقيه الدستورى د. جابر نصار يكتب: وهم تطبيق الشريعة الإسلامية فى مشروع الدستور
نشر في الوطن يوم 02 - 01 - 2013

الشريعة مطبّقة فى مصر بنسبة 99%.. والحقيقة أنها مجرد شعارات انتخابية
تطبيق الشريعة لا يحتاج أكثر من إصدار قرار رئاسى أو إصدار قانون من البرلمان
لو كانت الحكومة تريد تطبيقها كان عليها منع تداول الخمور.. لا زيادة الضرائب عليها
الدين الإسلامى باب واسع للحرية والكرامة والعدالة.. وليس تقييداً للحقوق والحريات
«مبادئ الشريعة الإسلامية» اصطلاح كافٍ لا يمنع المشرع أبداً من تطبيق الشريعة
ثانى دستور على مستوى العالم يتخذ مذهباً محدداً وهو مذهب أهل السنة والجماعة بجوار الدستور الإيرانى الذى يتخذ من المذهب الشيعى مستقراً له
المادة «219» تخالف شرع الله لإرضاء التيارات السياسية.. وتفرض قيوداً على المشرع فى إطار مذهبى
لا يوجد فى تاريخ الدساتير نصوصاً تفسيرية.. ولكنه دستور العجائب
تطبيق الشريعة.. بين المداعبات الانتخابية والقفز على أصول صناعة الدساتير..
بداية الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، وندعوه سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا ديننا من عبث العابثين.. كان وما زال تطبيق الشريعة الإسلامية التى تُحقق العدل والمساواة والخير للمجتمع أملاً يراود الكثيرين، إذ فى كنف مبادئها السماحة والعدالة والإنصاف والمساواة بين بنى البشر.
ولقد كانت مصر دائماً سبّاقة فى الاستفادة من كنوز الشريعة الإسلامية، إذ جاءت أغلب قوانينها تنهل منها ولا تخالفها إلا النزر اليسير، فالقانون المدنى المصرى الذى وضعه الأستاذ الدكتور عبدالرازق السنهورى، رحمة الله عليه، منذ سنة 1949، تحفة قانونية يستمد جل نصوصه من الشريعة الإسلامية ولا يتخالف معها، وهو مطبق فى مصر منذ أواسط القرن الماضى دون أى مشكلة، وكذلك جميع القوانين التى تنظم جوانب الحياة فى مصر المحروسة، والتى كانت منهلاً لا ينضب لكل القوانين والتشريعات فى جميع الدول العربية.
ولذلك فإن القول المطلق بأن الشريعة غائبة عن حياة المصريين، وما يرتبط بذلك من شعارات وأقوال تتحدث عن عودتها أو عودتنا إليها قول غير صحيح، إذ لم تغب الشريعة عن نظامنا القانونى يوماً ما، كما لم يغب الإسلام عن قلوب وعقول وعقيدة المصريين يوماً ما حتى تقرع آذاننا دعاوى التكفير والتأنيب والتشدد بغير حق.
إن مصر بأزهرها وعلمائها الكرام كانت وما زالت عمق الدين والتديُّن منذ أن منّ الله عليها بالفتح الإسلامى، ومن ثم فليس من المعقول أو المقبول أن تُردّد بين جنباتها هذه الدعوات بهذه الغلظة وبهذه الشدة وعلى الوجه الذى أخاف المصريين وأرعبهم على الوجه الذى لم يعد خافياً عن القاصى والدانى.
إن الذين يسوقون هذا الخطاب المستفز والتصادمى كان أولى لهم أن يذكروا لنا المظاهر التى تخالف الشريعة فى حياة المصريين، حتى يتم تصويبها والأخذ بالأحكام الشرعية فيها، فلا أحد يرفضه أو يمارى فى قبول ذلك من عامة المصريين، فحياة المصريين البسطاء عامتهم وخاصتهم ليس فيها، فى حقيقة الأمر، ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما أن المخالفات التى تتعلق ببعض القوانين، سواء أكانت عقابية أو اقتصادية يمكن توفيقها بقوانين تصدر عن البرلمان باعتباره المختص بالتشريع، والغريب والعجيب أن من ملكوا الأغلبية الغالبة فى البرلمان المنحل بمقتضى حكم المحكمة الدستورية العليا فى 14/6/2012، وعلى مدار ما يقرب من خمسة أشهر لم ينظر فى مسألة توفيق التشريعات مع الشريعة الإسلامية ولم ألاحظ اهتمامهم بذلك، وأنا من المتابعين للعملية التشريعية بحكم تخصصى المهنى، وقد كان ذلك واجباً عليهم باعتبار أن تطبيقها هو من اختصاص البرلمان، بل إن فى أدراج مجلس الشعب مشروعات قوانين جاهزة فى ذلك أعدت أيام رئاسة الدكتور صوفى أبوطالب للمجلس، وكان يجب على المجلس وأعضائه أن ينفضوا الغبار عن هذه المشروعات ويناقشوها ويصدروها، إن كانوا حقاً يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية.
ووفقاً لما سبق من تصوّر فإن الشريعة الإسلامية وهى مطبقة فعلاً فى مصر بنسبة لا تقل عن 99% من تشريعاتها وقوانينها، كما أقر بذلك كثير من علماء الأزهر الشريف وفقهاء القانون المهتمين بهذا الأمر، فمفتاح تطبيقها أو استكمال تطبيقها هو البرلمان عن طريق سن القوانين، وفى كثير من الأحيان بقرارات حكومية ورئاسية.
وعلى ذلك فإن الحرب الضروس التى أقامها البعض حين كان يكتب الدستور بين جنبات الجمعية التأسيسية أو خارجها فى الغُرف المغلقة أو السرية، والتى كانت تبرر الرغبة العارمة فى تقييد الحقوق والحريات فى الدستور بمبرر تطبيق الشريعة الإسلامية، وكأن هذه الشريعة العظيمة جاءت لتقييد الحقوق والحريات، للأسف الشديد ما تسرب عن هذه الجلسات من أخبار ومن فيديوهات، وما كتبتُه فى هذا المكان فى مقال سابق بعنوان «الأيدى الخفية التى تصنع دستور مصر» (مَن غيّر ومَن بدّل فى مشروع الدستور) يؤكد ذلك، والذى لم يجرؤ على نفيه أحد.
إن الأمر فى حقيقته كان يجرى على خلفية الدعايات الانتخابية ليس إلا، ذلك أن هذا التطبيق لا يحتاج أكثر من إصدار قرارات إدارية من السيد الرئيس وحكومته أو على أكثر الفروض قوانين عن البرلمان، أى عن مجلس الشورى الآن الذى يملك التيار الإسلامى أغلبيته الكاسحة -أكثر من 85% من أعضائه- ومن ثم فإنهم مطالبون الآن بتطبيق الشريعة الإسلامية وإصدار القوانين التى تؤكد ذلك، ونحن لهم فى ذلك مؤيدون.
إن أشد المخالفات للشريعة الإسلامية فى مصر مثل تداول الخمور وغيرها يمكن منعها بقرارات إدارية تصدُر من الحكومة بجرة قلم إن كانت الحكومة فعلاً تريد تطبيق الشريعة الإسلامية. ولكن يا للعجب حين نرى أن الحكومة تقوم بزيادة الضرائب على الخمور وكان أولى بها -إن كانت تريد تطبيق شرع الله- أن تمنعها بالكلية، لا أن تقتات عليها.
فإذا كان ذلك كذلك -كما يقولون- لماذا كل هذه المعارك حول نصوص الدستور والذهاب به إلى غير غاياته من تنظيم سلطات الدولة الثلاث على قاعدة التوازن بينها، وتنظيم الحقوق والحريات؟ ولماذا الميل الجامح إلى تقييد الحقوق والحريات فى الدستور واعتبار ذلك نصراً للشريعة الغراء، وكأن الشريعة الغراء تتطلب تقييد الحقوق والحريات؟ والحقيقة أن العكس هو الصحيح، فقد كانت الشريعة والدين الإسلامى دائماً باباً واسعاً للحرية والكرامة والعدالة، ورضى الله عنك يا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حين قلت «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً».
وعلى ذلك فإن قتال البعض من أعضاء «التأسيسية» المنتسبين إلى تيار معين لفرض القيود فى الدستور والتباهى علناً -وعلى رؤوس الأشهاد- بأن هذا الدستور احتوى قيوداً لم يعرفها النظام الدستورى المصرى من قبل، واعتبار ذلك فتحاً مبيناً ونصراً لشريعة الله ودينه، أمراً بكل تأكيد محل نظر لدى الكثيرين الذين يؤمنون بأن الشريعة والدين كلهما خير ورحمة، كلهما لحفظ للبلاد والعباد وحرياتهم وحقوقهم. فماذا حدث فى «التأسيسية» وأريد به تقييد الحقوق والحريات؟
أولاً: المادة المفسِّرة للمادة الثانية.
استقرت فى وجدان النظام الدستورى المصرى المادة الثانية فى دستور 11 سبتمبر 1971، لا سيما بعد تعديلها فى 15 مايو 1980، لتصبح المادة كما يلى: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع». وهذه المادة كانت وما زالت محل إجماع وطنى حقيقى، وهى كافية لو أن البرلمان لديه الرؤية والعزم على تنقية بعض القوانين من مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية أن يعمل آثارها وتنتهى المشكلة، ولكن البعض رأى فى مصطلح «مبادئ الشريعة» قصوراً عن بلوغ هذه الغاية، وأراد أن يستبدل بها كلمة «أحكام الشريعة الإسلامية»، ومصطلح أحكام الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يكون مصدراً للتشريع من الناحية الفنية القانونية، لأنه ببساطة الأحكام الشرعية هى ثمرة عمل المجتهد لكى تطبَّق على الحوادث والنوازل التى تتجدد باستمرار، وهذه الأحكام وكيفية الوصول إليها وتحديد وإنزال حكمها على الوقائع المطروحة هو علم يدرَّس فى كليات الحقوق والشريعة والقانون تحت مسمى علم أصول الفقه، وهو من أهم وأعظم العلوم الشرعية والعقلية، الذى أبدع فيه علماء المسلمين بصورة تدعو إلى الإعجاب.
وقيل أيضاً فى استبدال كلمة الشريعة الإسلامية مجردة من وصف «المبادئ»، وهنا أيضاً من الناحية القانونية محل نظر، ذلك أن مصطلح الشريعة على إطلاقه من السعة، بحيث لا يكون مصدراً للتشريع، ذلك أن المصدر المنشئ للقاعدة القانونية يجب أن يكون محدداً، فاشتمال الشريعة على التفريعات الفقهية التى تتغير من زمان إلى زمان أو من مكان إلى مكان حسب الحوادث والأحداث التى تجرى عليها حياة البشر يصعب معها أن تكون كلها مصدراً للتشريع، ولذلك فإن مبادئ الشريعة الإسلامية اصطلاحاً كان كافياً ولا يمنع المشرع أبداً من تطبيق الشريعة الإسلامية حسب سلطته التقديرية، من حيث الاختيار بين المبادئ فى محيط هذه الشريعة الغراء الفسيحة التى جاءت للتيسير على العباد. ولعلها أول نظام قانونى عالمى يحتفى بفكرة المصالح المرسلة، ويجعلها مصدراً من مصادر الأحكام الشرعية التى تسعى إلى تحقيق مصالح الناس.
ولقد كان النظام القانونى المصرى منفتحاً على كل المذاهب الإسلامية المعتبرة، وما زال أزهرنا العامر بعلمائه وشيوخه الأجلاء ساحة للعلم والدرس لكل هذه المذاهب، ومن ثم فلم يكن من المتصور أن يتورط النظام الدستورى المصرى فى الأخذ بمذهب معين، بحيث أصبح ثانى دستور على مستوى العالم يحدد مذهباً محدداً وهو مذهب أهل السنة والجماعة بجوار الدستور الإيرانى الذى يتخذ من المذهب الشيعى مستقراً له.
إن هذا التوجُّه الذى أضافته هذه المادة إلى النظام القانونى المصرى وقد كان من قبل منفتحاً على كل المذاهب الإسلامية يأخذ منها ما يراه مناسباً لظروف المجتمع، ما دام فى إطار الفهم الصحيح لقواعد وأسس الإسلام.
وعلى ذلك فإن هذه المادة التى جرى نصها على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، جاءت لفرض مزيد من القيود على المشرع فى إطار مذهبى، وهو الأمر الذى سوف يحد من نطاق دور الدولة المصرية فى العالم الإسلامى، نظراً لما يفرضه عليها هذا التذهب من إشكاليات عملية ونفسية وعلمية، فإقرار هذا الدستور يعنى أن الحلول التى تبناها القانون المصرى، سواء فى الأحوال الشخصية أو فى غيرها من مذاهب أخرى كالمذهب الجعفرى مثلاً -وهو مذهب معتبر فى الأزهر- ويأخذ به المشرع المصرى فى كثير من المسائل أصبحت كل هذه الحلول غير دستورية، لأنها لا تتفق مع نص المادة «219».
هذا فضلاً عن أن هذه المادة تعتبر تفسيراً لنص المادة الثانية، وهى سابقة تُعتبر بحق تاريخية، إذ حسب علمى لا يوجد فى تاريخ صناعة الدساتير أن تضمن أى دستور نصوصاً تفسيرية، فمن المسلم به فى العلم القانونى أن التفسير من اختصاص الفقه والقضاء، ذلك أن هذه التفسيرات تتغير وتتبدل من وقت إلى آخر، ولكن من الثابت أن هذا الدستور هو بحق دستور العجائب، فلم تكن تلك عجيبته الأولى أو الأخيرة!!
والأعجب من العجيبة ذاتها هو طريقة تمرير هذه المادة بالمخادعة، وبالتأكيد بما يخالف شرع الله، حيث إنه فى مقابل وضع هذه المادة التفسيرية فى الدستور إرضاءً لبعض التيارات السياسية، ارتضى الجميع أن يقوم بتعريف وتفسير كلمة «مبادئ الشريعة الإسلامية» هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف.
وكان أول تعريف لهذه العبارة من هيئة كبار العلماء، كما قال بعض نواب الأزهر الشريف فى «التأسيسية» كما يلى: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية المعتبرة».
ولكن تم تغيير الصياغة كما يلى: «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبَرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة».
وهذا التغيير الذى أشار إليه البعض كشف جانباً بسيطاً من مستور سوف تكشفه الأيام فيما بعد.
وقد تمت كتابة هذه المادة فى ورقة وقعها عشرون شخصاً، منهم تسعة عشر من داخل «التأسيسية» من بين الأعضاء الأصليين والاحتياطيين، وتضمنت الورقة أيضاً مواد أخرى، والتى أصبحت «2، 3، 4، 44» فى الدستور.
وتمت الإشارة فى برواز مستطيل الشكل على يمين الورقة إلى أن هذا التوافق مرتبط بمواد أخرى يتم التوافق عليها، ويعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا الاتفاق، بما فيها المواد الخاصة بحقوق المرأة.. هذا ما ذُكر صراحة، وما كان مفهوماً أيضاً ولم يذكر صراحة فكان يتعلق بحقوق الطفل وحرية الصحافة ومنع الحبس فى جرائم النشر واستقلال الصحف القومية استقلالاً حقيقياً، وكان ذلك بتاريخ 3/10/2012.
وحدث بعد ذلك أن هذه الجلسات التوافقية لم تنعقد نظراً إلى غياب البعض عنها، حتى بدأ البعض يتحدث عن غياب مقصود للإفشال، حتى داهم الجميع الوقت، وبدأ يتبلور لدى الكثيرين من الأعضاء اتجاه نحو اتخاذ موقف مما يجرى ب«التأسيسية»، حيث وصلت الأمور إلى درجة لم يكن البعض قادراً على احتمالها على الوجه الذى بيّناه وفصلناه فى مقالاتنا السابقة.
وفى ظل تتابع الأحداث التى جرت فى «التأسيسية» علمت أن جلسة قد عُقدت حضرها ووقع عليها سبعة أعضاء، أحدهم عن «الوفد» وثلاثة عن «الحرية والعدالة» وواحد عن «الوسط» وواحد عن «غد الثورة» وواحد عن حزب «النور».
وتم فيها الاتفاق على إلغاء المادة «68» وإضافة مادة تتحدث عن حظر كل صور القهر والاستغلال القهرى للإنسان وتجارة الجنس.
ولم تكن هذه المواد هى المواد المطروحة على مائدة الحوار التوافقى، فقد طرحت على مائدة الحوار مواد تتعلق بحقوق المرأة وضرورة تفعيلها، وكذلك مواد تتعلق بحرية الصحافة وحظر الحبس فى جرائم النشر، ولكن للأسف الشديد لم يلتفت إليها أحد، ووصل التوافق من ثم إلى طريق مسدود، ولم يوف من تعهد به بتعهداته، بل لم يسع إلى الوصول به إلى غايته أحد. وعلى الرغم من ذلك فإن المتحدثين باسم «التأسيسية» أو المروجين لها كانوا دائماً يعايرون مَن كانت لديهم النية الحسنة والثقة المفرطة فى إحداث التوافق بأنهم وقّعوا على هذه الورقة، ولم يسألوا أنفسهم، لماذا لم تصلوا بالتوافق إلى غاياته المنشودة؟ بل فى حمأة هذا الدفاع غير الصحيح نسبوا إلىّ أنا شخصياً أنى وقّعت على هذه الورقة، وهو ما لم يحدث ونسبوا إلىّ كذباً توقيع العزيز جداً محمد عبدالمنعم الصاوى، وقد أشرت إلى ذلك مراراً وتكراراً فى أكثر من موضع، وفى أكثر من مناسبة.
وقد كان الطرح الخاص بالمرأة والطفل وحقوقهما متميزاً فى الحقيقة، وكنا نود أن يتم إقراره، ولكن لم يحدث للأسف، بل تم حذف كل ما يتعلق بالمرأة فى مشروع الدستور إلا النزر اليسير، واكتفوا بذكرها فى مقدمة الدستور، وهو ذكر لا يرتب التزاماً دستورياً.
فقد كانت المادة البديلة للطفل تجرى على ما يلى:
«تكفل الدولة لكل طفل، وهو كل إنسان لم يتجاوز الثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة، فور ولادته الحق فى الحصول على اسم مناسب وجنسية واستخراج الأوراق الثبوتية المجانية ورعاية أسرية وتغذية صحية آمنة، وفقاً لمعايير يحددها القانون ومأوى وخدمات صحية وتأمين صحى مجانى وتنمية وجدانية ومعرفية ودينية، والحق فى رعاية أسرية أو مؤسسية بديلة آمنة، تخضع لنظام رصد ومتابعة وتقييم دورى وفقاً لمعايير وطنية لهذه البدائل يحددها القانون.
ويحظر تشغيل الأطفال، قبل الانتهاء من تعليمهم الإلزامى، وتكفل الدولة كافة حقوق الأطفال ذوى الإعاقات فى التأهيل والدمج فى المجتمع والاكتشاف المبكر للإعاقات وعدم التمييز، كما تكفل الدولة الحماية لكافة فئات الأطفال المعرّضين للخطر، والحماية من كافة أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال، وتلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائى خاص بالطفل، ولا يجوز احتجاز الأطفال إلا بعد استنفاد كافة التدابير الأخرى ولفترة محددة، وفى مكان منفصل عن أماكن احتجاز البالغين، يراعى فيه عمر الطفل وجنسه مع توفير المساعدة القانونية فى كل مراحل التحقيق.
وتكفل الدولة حق الطفل فى المشاركة والاستماع إليه ومنع التمييز بين الأطفال، ومراعاة مصلحته فى كافة السياسات العامة».
أما المادة الخاصة بالمرأة فقد كانت تجرى على ما يلى:
«الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتقوم على الشراكة بين الزوجين والاحترام المتبادَل بينهما وترعى الدولة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، حفاظاً على الطابع الأصيل للأسرة وحمايتها مع تقديم مصلحة الأطفال وتحقيق التوازن بين حقوق الزوجين فى رعايتهم.
وتكفل الدولة تفعيل حقوق المرأة فى التعليم والعمل وجميع حقوقها السياسية فى الانتخاب والترشيح وتولى الوظائف والمناصب العامة، وتضمن الحماية التشريعية والاجتماعية للمرأة والطفل ضد العنف والأذى البدنى والنفسى، وتكفل الرعاية الكافية للمرأة المعيلة والأرملة والمطلقة».
ولكن جل هذه الأحكام لم تلق آذاناً مصغية، ولم يوافق عليها أحد، وانتهى التوافق إلى اختلاف حقيقى وإن ملأ البعض الآفاق بحدوثه على غير الحقيقة والواقع، حيث إن نظرة بسيطة إلى ما كان وما آل إليه حال النصوص يؤكد ذلك.
ذلك كان فصلاً من فصول ما حدث، وبالتأكيد ليس الفصل الأخير.. ففى الرواية فصول أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.