لا الهجوم على ثورة 25يناير باعتبارها «مؤامرة» تستهدف فرض الإخوان على المشهد السياسى ثم تصعيدهم الى السلطة، يصلح للطرح، الآن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات مضت على اندلاع الثورة، ولا الهجوم على ثورة 30 يونية باعتبارها «انقلاباً» يجوز بعد أن شاهدنا بأعيننا عشرات الملايين فى الشوارع يطالبون برحيل محمد مرسى وإخوانه عن السلطة، القصة الحقيقية هى أن هناك شعباً أراد أن تكون «الديمقراطية» طريقة نحو المستقبل، وأن تكون إرادته هى الفيصل فى علاقته بالحاكم، مهما كان هذا الحاكم، سواء كان مبارك أومرسى أو غيرهما. الثورة الحقيقية هى أن نقوم ببناء نظام ديمقراطى يحمى هذا الوطن من أية عواطف يمكن أن تهب على منطقة الشرق الأوسط فى المستقبل، فقد تهدمت كل الإمبراطوريات التى قامت على منهج غير ديمقراطى، وسقطت كل الدول التى كانت تستند الى حاكم فرد، وتلاشت كل الأنظمة التى خدعت شعوبها باسم الدين تارة، وباسم القومية أحياناً، وبدعوى الكرامة فى أوقات أخرى!! النظام الوحيد الذى يحمى الوطن من أية مؤامرة خارجية هوالنظام الديمقراطى القائم على أساس تداول السلطة بين الأحزاب، وليست القوى السياسية والمناهج والنظريات السياسية، فلا يجوز أن نقول إن التيار الدينى الحالى الذى يروج لأفكاره عشاق الاستبداد والفاشية، والراغبون والمتعطشون للسلطة، يمكن أن يمثل نموذجاً يجب أن يقف فى طابور القوى المنتظمة لتداول السلطة، بل يجب أن يصلح نفسه أولاً قبل أن يتكلم عن التداول، وأن يتنازل عن أسلوبه فى العمل السياسى، وأن يتراجع عن نظرياته الشمولية، وأن يفهم أن الإسلام باعتباره ديناً، هو فوق الرؤوس، وأن الإسلام السياسى، لايمثل الدين الحنيف. ويجب أن يفهم عشاق الاستبداد باسم «الدفاع عن الإسلام» أننا أكثر حفاظاً على هذا الدين، منهم، وأننا جميعاً متساوون في الحقوق والواجبات، وأنهم لا يملكون «صكوك الغفران» ولا يملكون تكفير المسلمين، وأن ما بيننا وبينهم هو «وطن» له أرض وسماء ويعيش فوقه شعب لايريد، ولن يسمح، بوصاية من أحد!! ولانريد أيضاً أن نسمع من يتحدث إلينا بنفس طريقة الستينيات، ولا نريد سماع نظرية المؤامرة تتردد فوق أسماعنا باستمرار لا ينقطع، فقد تعلمنا كل دروس الماضى، ولانريد وصاية قومية من أحد، فقط، نريد أن نتأكد من قدراتنا ونثق فى أننا شعب يريد الديمقراطية، ويستطيع تطبيقها بلاشك فى نتائجها، أما الحديث حول أفكار تشبه أيام الاستبداد، فهو حديث غير مقبول، وفيه استهتار، واستهزاء، بقدرة شعب ثار مرتين فى عامين، وهو الشعب الوحيد الذى فعلها قبل ذلك خلال فترة وجيزة، عندما أشعل ثورة القاهرة، ثم ثورة القاهرة الثانية، خلال «24 شهراً» فى مواجهة الاحتلال الفرنسى الذى كان يقوده نابليون بونابرت، عندما كان يصنع إمبراطوريته الكبيرة، نفس هذا الشعب قادر على صناعة الثورة فى أى وقت ضد كل ما لا يصلح للزمن والموقف الذى يعيشه، وضد ما لا يصلح لمستقبله الديمقراطى، ونظامه الذى ليس فيه استحواذ ولا هيمنة ولا رفاق ولا أهل وعشيرة!! لا نريد أن تسيطر علينا فكرة عدم الثقة فى شعب آمن بضرورة التغيير مرتين خلال سنتين وعلى استعداد للاستمرار فى ثورته سنوات أخرى بنفس الحماس والقدرة حتى تتحقق أهدافه من الانتفاض فى وجه الحاكم المستبد الذى لا يرى إلا نفسه ولا يعتقد إلا فيما يؤمن به من أفكار حتى لو قال له شعبه الكبير أنت مخطئ. نحن فى أكثر لحظات التاريخ المصرى الحديث حرجاً، لأن كل الأفكار اختلطت، البعض يتحدث عن الشرعية وأن ثورة المصريين ضد مرسى يوم «30 يونية» انقلاب، ولا يتكلمون عن انقلابه الذى أطلقه ونفذه يوم «21 نوفمبر 2012» بإعلان دستورى، استولى على كل السلطات، والبعض الآخر يقول إن ما حدث يوم «25 يناير 2011» مؤامرة «كونية»، ولم يتكلموا عن استبداد مبارك وفساد نظامه الذى استمر «30 عاماً»، نحن لن نقبل بعودة نظام مبارك حتى لو تغير شكله، ولن نؤيد مظاهرات الفاشية الداعية لعودة مرسى حتى لو تغيرت الظروف السياسية على الأرض، وفى نفس الوقت لا ندعو لطريق ثالث، لأن الهدف من هذه الدعوة، دعم الإخوان، لضرب الجيش الوطنى الذى نؤيده فى كل الأحوال، لأنه الضمانة الوحيدة لاستقرار وطن مهدد بالاحتراق والتقسيم، لكننا فقط نذكر الجميع بأننا خضنا غمار ثورتين عظيمتين، تستحقان الإشادة، ويستحق كل من شارك فيهما أن نصافحه بكل الاحترام، لأنه سار خطوة نحو مستقبل ديمقراطى، ويستحق كل من تآمر عليهما، أن نلعنه فى كل كتاب، لأنه أراد عرقلة وطن يحبو نحو الديمقراطية!! مستمرون فى الثورة، مناضلون، ومكافحون،وصابرون ومرابطون، من أجل وطن ديمقراطى، يرفض الاستبداد بكل صوره، سواء ارتدى لباس التقوى، أو ادعى المدنية فالحرية معروفة ولا تحتمل التفسير، والاستبداد واضح ولا يحتاج لتعريف. لقد خضنا ثورتين وبينهما «12 شهراً» من السلطة الواضحة فى يد الإخوان، الذين جاءوا حاملين «84» عاماً من العمل فى السر، ولن نقبل بعد الآن حكماً فاشياً معلناً أو فى الخفاء!!