المحاولات التى يبذلها البعض فى المعارضة خلال الفترة الأخيرة، التى تستهدف الرجوع بمصر إلى الخلف، والعودة بها إلى الماضى، الذى تخلصت منه بعد طول عناء ومكابدة أصبح هو التحدى الأكبر الذى يواجه الثورة. فمصر لن تكون فى مستقبلها -بإذن الله- إلا دولة مستقرة، تعتمد آليات العمل الديمقراطى، وتعتمد مبدأ تداول السلطة بين أحزاب وتيارات سياسية تتنافس من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، إذ لا أفهم معنى إصرار البعض على تسويف الانتخابات، وإرجاء الاستحقاقات الديمقراطية، والانسحاب من أى كيان يصل بنا إلى دولة المؤسسات، إلا ضربا من الانقلاب على الديمقراطية، ونوعا من الرفض لفكرتها. ولا يمكن أن نفهم أيضا محاولات البعض لرفض تكوين واستكمال مؤسسات الدولة، والسعى لتقويض ما هو قائم، وعرقلة ما بدأ فى العمل، إلا فى إطار وجود رغبة لرفض فكرة الديمقراطية، اللهم إلا أن تكون ديمقراطية مشروطة. وهناك فارق واسع بين الثورات الشعبية التى يصطف فيها أبناء الوطن الواحد على هدف مواجهة الاستبداد، ومفهوم الانقلابات التى تعصف بالسلطة وتسعى لتقويض أركانها بعيدا عن رأى الشارع وبمعزل عن مطالب الشعب. الثورات الشعبية تقلب صفحة نظام استبدادى صادر إرادة الشعب، وحقهم فى التعبير، وحقهم فى تشكيل الكيانات السياسية والحزبية، وحقهم فى التعبير عن رأيهم من خلال إعلام حر نزيه ومسئول. بينما الانقلابات تعصف بالنظام لينصب المنقلبون أنفسهم بديلا عن السلطة القائمة، بعيدا عن استطلاع رأى الشعب، أو الوقوف على خياراتهم، وبمنأى عن آليات العمل الديمقراطى، وبمعزل عن فكرة تداول السلطة. وإلا فقل لى: ما المعنى الذى يمكن فهمه من المحاولات المستمرة لإجبار الناس على تعطيل أعمالهم ومصالحهم وإلزامهم بيوتهم بهدف تصنيع عصيان مدنى وتشكيل تمرد شعبى؟ هذه المحاولات الانقلابية لن يكون مصيرها بعد ثورة يناير سوى الفشل والتراجع؛ لسبب بسيط: أن هناك ثورة ما زالت متقدة فى قلوب أصحابها، ترفض الالتفاف على إرادة الناس، وتأبى السطو على مكاسبهم، التى ناضلوا من أجلها، وبذلوا الغالى والنفيس من أجل الوصول إليها.