أسهل اتهام يستطيع، الحاكم الفاشل، الديكتاتور، المستبد، أن يوجهه لمعارضيه، هو نعتهم بالمتآمرين، مع فلول النظام السابق، أو التحالف مع قوى أجنبية، ضد الوطن، الذى يلخصه غالباً هذا الحاكم «الفاشل»، فى شخصه، فهو السلطة، والبلد، والشعب، والتاريخ، والمستقبل، وكل الذين يقولون له، قف عندك، ماذا تفعل؟! هم خائنون، وفاسدون، ومتآمرون،ويستحقون الموت!! الحاكم الفاشل هو الذى يعلق «خيبة» نظامه، على المعارضة، وهذه الخيبة فى عُرف السياسة، وأصول الحكم، «خيبة تقيلة» وفشل مستمر، لا ينتهى، لأن الحاكم هنا يزرع الفكرة فى رأسه، وبالتالى فإن نزعها، مستحيل، لأن هذا النوع من الحكام، تبدو ملامحه واضحة، منذ سنوات «معارضته» الأولى، فهو نموذج يمكن كشفه، قبل أن يصل إلى السلطة، وإدارة البلاد، فتستطيع أن تعرفه من مواقفه، سيرته الذاتية والحزبية.. والسقوط فى براثن هذا الحاكم، يعنى أن الشعب الذى منحه أصواته، قد تعرض لعملية خداع كبيرة، تستحق المراجعة، حتى يصحح الوطن أوضاعه، ليسير فى اتجاه سليم، وعندها يستطيع الوطن معاقبة هذا المرشح الذى خدعه، بأن يقول له «ارحل» لأنك كذبت علينا، ولم تحقق وعودك التى قلت فيها. إنك ستكون نعم الحاكم والمواطن الصالح، ولكنك أصبحت، مجرد أداة فى يد جماعة، وليس الوطن!! لا تسأل نفسك: ماهى مناسبة هذا الكلام؟! لأننى سأقول لك حالاً، إننى أكتبه لك، لكى تتذكر أننا ارتكبنا خطأ يستحق المراجعة، فقد قلنا لكم مراراً، إن انتخابات الإعادة، هى أكبر مؤامرة تعرضت لها مصر، فقد كان الاختيار قاتلاً بين رمز النظام السابق، ورمز الاستبداد القادم، ففاز الطغيان الذى لم يحصل على فرصته بفارق 1%، وكأننا نعشق المستبدين، فقررنا منحهم فرصة الإعادة، وإن كنت أعتقد أننا تعرضنا لألاعيب غامضة قادتنا للخيار المسموم !!، تعالوا نتذكر ماذا قلنا هنا فى نفس هذه المساحة يوم 6/6/2012 فى مقال طالبت فيه الناس بإبطال أصواتها حتى لا تمنح الحاكم القادم المستبد فرصة الاستناد إلى كلمة «الإرادة الشعبية»، وحتى يدرك أن هناك غالبية رفضته، هو ومنافسه، فيستقيم، ويسير فى طريق الوطن، وليس الاستبداد!! تعالوا نعيد قراءة المقال الذى يحمل عنوان «ابطل صوتك.. استعد لثورة جديدة» وكان نصه: لا أعرف لماذا انزعج أنصار أحمد شفيق ومؤيدو محمد مرسى- ممن أعرفهم شخصياً - عندما أعلنت للمقربين، أننى سوف أقوم بإبطال صوتى فى انتخابات الإعادة، وأننى سأدعو بقوة لهذه الطريقة فى التصويت، تنفيذاً لاحتجاج صامت، بعد وصول اثنين من رموز الشمولية لجولة الإعادة!! الغريب أن جمهور كلا المرشحين، يعتقد أن فكرة «ابطل صوتك» هى مجرد مؤامرة لصالح المرشح المنافس! فأنصار شفيق يقولون إن التصويت الذاهب إلى مرسى لن يتأثر، لأن جمهوره منظم واتخذ قراره فعلاً، وأن المترددين ممن يتعاطفون مع شفيق أملاً فى الاستقرار، ربما يستجيبون لهذه الدعوة، وبالتالى يحصل مرسى على أعلى الأصوات!! أما أنصار مرسى فيقولون إن الآلة الانتخابية للإخوان وصلت إلى أقصى قدراتها فى الجولة الأولى، وأن المقاطعين أو المبطلين لأصواتهم، هم فى الغالب من الناخبين «المُسيّسين» والرافضين لمرحلة مبارك، والتى كان شفيق أحد رموزها، وهم قطعاً كانوا سيمنحون أصواتهم لمرسى، والمقاطعة تمنع ملايين الأصوات من الوصول إليه!! طبعاً.. كلا الفريقين مخطئ.. ولا يعرف ما يفكر فيه المنتمون لحملة «ابطل صوتك».. لأننا نعتقد أن كلا المرشحين يمثلان كابوساً تتفاوت درجاته.. صحيح أننا نعرف طغيان نظام جثم فوق صدورنا 60 عاماً ويمثله شفيق، ولكن هذا لا يدعونا للوقوف بجوار منافسه مرسى، لأن لنا وجهة نظر مهمة تقول، انه ينتمى لتيار ربما يكون أكثر قسوة من النظام الذى رحل، وهذه الرؤية أيضاً، لن تجعلنا نخشى «مرسى» ورفاقه «فنندفع إلى شفيق خوفاً من فزاعة الإخوان، ولكننا سنقول «لا» لمرسى.. ومثلها لشفيق.. لأن هذا الوطن يستحق أفضل من ذلك، يستحق رئيساً مدنياً، ديمقراطياً، وطنياً، لم يعرف الدولة الاستبدادية، ولا الجماعات الشمولية.. لم يعرف تأبيد السلطة، ولا القرارات الفوقية التى لا تُناقش.. رئيس لم يسكت – فى الماضى - على الظلم، ولم يعرف – يوماً - كيف يجرى الصفقات مع الظالمين.. لا نريده منتمياً لنموذج العمل الذى استخدمه النظام السابق، ولا نموذج الأداء السياسى المنغلق لجماعة الإخوان.. من حقنا أن نرى رئيس جمهوريتنا، مؤمناً فعلاً بالديمقراطية، وتداول السلطة، ويعرف أنه موظف باقٍ فى منصبه لفترة مؤقتة، لمدة أربع سنوات، يعقبها خروج، طبيعى، إلى منزله، أما الذين يتصورون أن منصب الرئيس عبارة عن مغنم وسلطة.. أو تنفيذ لمشروع سياسى قائم على الشمولية، وتغيير هوية الدولة.. فيجب أن نعطيهم درساً ونقول لهم: نحن نرفضكم أنتم ومنافسيكم، فنحن لا نريد الاستبداد الذى يرتدى ملابس إفرنجية، ولا الشمولية التى تختبئ خلف الجلباب! ويخطئ من يتصور أننا لن نجنى مكسباً «وطنياً» من وراء إبطال الصوت.. فقد يصل عدد مبطلى الأصوات إلى ثلاثة، أو خمسة ملايين ناخب، وستكون رسالة للرئيس القادم، بأن رافضى الشمولية، بكافة أشكالها، يستطيعون مواجهتك إذا حاولت الانقلاب على الثورة وحقوق هذا الشعب فى الحرية.. وستواجهك إذا حاولت رفض تداول السلطة.. هذه هى رسالتنا وستلقى قبولاً بإذن الله لأننا لا نريد إلا إصلاحاً، ولا نريد سوى دولة يعيش فيها الجميع بلا خوف من المستقبل، وبدون هواجس من انقلاب مؤسسة أو حزب أو تيار أو جماعة على الدولة وتلخيصها فى ذاتها!! فالوطن فوق الجميع.. ولن نتركه فريسة فى يد أحد!! الرئيس القادم بلا شك سيسعى للسيطرة والهيمنة والاستحواذ، وسيحاول قطعاً صناعة دولة الفرعون، أو دولة الخليفة، ونحن نرفض إلا دولة مصر الديمقراطية المتماسكة، التى تقوم من خلال دستورها بإعلاء قيم الحرية، وتصون قيمة الفرد، وتحمى حقوق الجميع، وترفض الاعتداء على القانون، الذى يجب أن تكون قواعده عامة ومجردة، وليس القانون الذى يُطبق على الفقراء، ولا يصل إلى رقاب الكبار والمسنودين والمناصرين والمرضى عنهم!! يجب أن يعرف الرئيس القادم، أنه سيواجه ثورة ثانية لامحالة لأن العدد الأكبر من المصريين، منحوا أصواتهم لغيره هو ومنافسه، فالعدد الأكبر من المصريين فى الجولة الأولى كانوا يبحثون عن بديل ثالث، وقطعاً سيحاول القادم صاحب الخلفية العسكرية أو المنتمى لجماعة دينية الالتفاف على مطالب الثورة التى قالت «لا» لكلا المرشحين فى الجولة الأولى.. وبلا شك ستعود الثورة إلى طريقها من جديد.. وستنطلق الموجة الثانية إذا لعب «الرئيس» بذيله من ورائنا!!