الشعب المصري «صايع» بطبعه لا يستطيع المكوث طويلا في مكان واحد، رغم أن أصلنا جميعا فلاحين، لم نعرف في تاريخنا سوي البيت والغيط وبينهما كان المصري يقضي معظم حياته لكن التغيير سنة الحياة كان الفلاح في جرة وطلع لبرة، انطلق الفلاح المصري كالصاروخ من القرية الي المركز والبندر الي العاصمة، ثم الي بلاد الدنيا وهكذا عرفنا «الصياعة»! أما حظر التجوال فلم يعرفه المصريون في التاريخ الحديث سوي ثلاث مرات وكل حظر كان له ظروفه، والمصري هو الذي اخترع المثل الذي يقول «كل ممنوع مرغوب». ورغم أن أغلب المصريين يدركون تماما أهمية الحظر لاستقرار الأمن، وتصفية الشوارع من المخربين والإرهابيين لكن الناس في بيوتهم يتململون ويشعرون بالضيق وهذه «الحبسة» من بعد الغروب الي صباح اليوم التالي! وربما يكون الزوج المصري أكثر المتضررين من ساعات الحظر فهو مضطر رغم أنفه الي التواجد مع المدام كل هذا الوقت وهي مسألة مؤلمة بلا شك بالنسبة لكثير من الأزواج فلا قهوة ولا أصحاب ولا مشاوير وهمية تبعده عن البيت والجماعة طبعا الجماعة التي في البيت وليس الجماعة إياها! أما جيل الشباب فإنهم لا يعترفون بالحظر لأن لديهم كل وسائل التكنولوجيا الحديثة للتغلب عليه والبركة في «الفيس بوك» و«التويتر» والشباب في الأحياء الشعبية متمردون يتحدون قرار الحظر ونصائح الأهل وينزلون في ساعات الحظر الي النواصي وتحت البيوت يدخنون السجائر و«غيرها» وتتعالي نكاتهم وضحكاتهم طوال الليل بينما مصر حبيسة البيوت! أما الحلوة التي اسمها سارة وهي ابنتي فهي تستغيث وتبحث عن «كهربائي» يكهرب باب الثلاجة من بداية ساعات الحظر ليمنعها من التهام تلك الكميات المهولة من الشيكولاتة والحلويات التي ستزيد وزنها بعد أن طلعت عيناها لتصبح «مزة» مرعوبة من العودة الي نقطة الصفر ووزن «أكلك منين يا بطة»! أما أبوسارة الذي هو أنا فهو مواطن مصري مثالي يظل طوال ساعات الحظر حبيسا في غرفة النوم يقضي الليل مثل بقية المصريين متنقلا بين شاشات الفضائيات محدقا في كمائن الجيش والشرطة وهي تفتش السيارات والموتوسيكلات داعيا من كل قلبه يا سلام لو يقبضوا علي البلتاجي أو العريان دلوقت! لحظتها.. تكون فعلا «ساعة الحظر ما تتعوضش»!