الوطنية الانتخابات: إقبال مرتفع على التصويت بالخارج والمنوفية الأعلى مشاركة تليها القاهرة    الري تصدر بيانًا بشأن استمرار التصرفات الأحادية لإثيوبيا بسد النهضة    6.3 مليار دولار أرباح 134 شركة مدرجة في بورصة الكويت خلال 9 أشهر    سعر اليوان الصيني أمام الجنيه في البنك المركزي المصري (آخر تحديث)    ترامب: سأضع حدا للحرب بين روسيا وأوكرانيا    اليونيسف: الوضع الإنساني في الفاشر كارثي والأطفال يواجهون الموت يوميًا    مانشستر سيتي يكشف تشكيله الرسمي لمواجهة نيوكاسل في الدوري الإنجليزي    نتيجة مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بعد مرور 70 دقيقة    دوري أبطال أفريقيا.. بيراميدز يصل الدفاع الجوي لمواجهة ريفرز النيجيري    بريمونتادا مثيرة.. الهلال يهزم الفتح ويطارد النصر على صدارة الدوري السعودي    محافظ الغربية يعلن أسماء الفائزين في القرعة الإلكترونية لحج الجمعيات الأهلية    في ذكري افتتاحه.. معلومات مهمة عن متحف النوبة    أيتن عامر تتأثر بمفاجأة عيد ميلادها من فريق عمل مسلسل "كلهم بيحبوا مودي"    بعبارات فكاهية.. مراد مكرم يداعب متابعيه بمقطع فيديو من جريمة قتل «ورد وشوكولاتة»    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد وحدة رعاية الطفل بالتل الكبير (صور)    أهالى القفايطة بنصر النوبة يشكرون الرئيس السيسى بعد تحقيق حلم تركيب الكهرباء والمياه    جهود صندوق مكافحة وعلاج الإدمان في مواجهة المخدرات وحماية الشباب خلال أسبوع    شلل مرورى بالطريق السياحى اتجاه المنيب والمعادى وتوقف تام لحركة السيارات.. صور    منذ 10 ايام .. كشف لغز جثة متحللة داخل سياره سقطت ببركة مياه بطريق مطروح السلوم    30 ديسمبر.. الحكم على 9 متهمين فى خلية شبكة العملة    توم وارك: نزع سلاح حزب الله شرط أساسي لسلام واستقرار لبنان    مرموش بديلا في تشكيل مانشستر سيتي لمواجهة نيوكاسل بالبريميرليج    الشباب والرياضة تُطلق أضخم مشروع لاكتشاف ورعاية المواهب الكروية بدمياط    45 ألف مشاهد لأفلام الدورة ال46 من مهرجان القاهرة السينمائى    يقود اليوم الأوركسترا الملكي الفيلهارمونى احتفاءً بموسيقار الأجيال فى لندن..    نسرين العسال تكتب: أصوات من السماء تصنع ترند من "دولة التلاوة"    الشوط الأول| ريمونتادا بايرن ميونخ أمام فرايبورج في الدوري الألماني    مصر تبحث مع نيجيريا تعزيز التعاون فى مجالات الزراعة والدواء والطاقة والإنشاءات    القاهرة الإخبارية: الجالية المصرية في لبنان حريصة على التصويت بانتخابات النواب    الزراعة: زيادة إنتاج مصر من اللحوم الحمراء ل600 ألف طن بنهاية 2025    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    محافظ القليوبية يتابع إزالة 12 حالة تعدٍ "مغمورة بالمياه" بفرع رشيد بالقناطر الخيرية    الرعاية الصحية: أعظم الطرق لحماية الصحة ليس الدواء لكن طريقة استخدامه    رئيس الإمارات يصل إلى البحرين في زيارة عمل    قبل عرضه.. تعرف على شخصية مي القاضي في مسلسل "2 قهوة"    غنيم: خطة الصناعة لتحديد 28 فرصة استثمارية خطوة استراتيجية لتعزيز التصنيع المحلي    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة لمصاب بسلالة جديدة من إنفلونزا الطيور    معهد بحوث الإلكترونيات يستضيف ورشة دولية حول الهوائيات والميكروويف نحو مستقبل مستدام    علاج نزلات البرد، بطرق طبيعية لكل الأعمار    حبس المتهمين بالاعتداء على أطفال المدرسة الدولية بالسلام 4 أيام على ذمة التحقيقات    المصريون بالسعودية يسطرون ملحمة جديدة في الانتخابات البرلمانية    "رويترز" عن مسؤول أوكراني: أوكرانيا ستبدأ مشاورات مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين بشأن إنهاء الحرب    «من تركيا للسويد نفس الشبكة ونفس النهب».. فضيحة مالية تضرب شبكة مدارس تابعة لجماعة الإخوان    وزيرة التخطيط تشهد الحفل الختامي لجوائز مصر لريادة الأعمال    سفير مصر بنيوزيلندا: ثاني أيام التصويت شهد حضور أسر كاملة للإدلاء بأصواتها    لحجاج الجمعيات الأهلية .. أسعار برامج الحج لموسم 1447ه – 2026 لكل المستويات    بث مباشر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل في دوري أبطال إفريقيا 2025.. مشاهدة دقيقة-بدقيقة والقنوات الناقلة وموعد اللقاء    الزراعة تطلق حملات توعوية مكثفة لتعزيز الأمن الحيوي في قطاع الدواجن المصري    ستارمر يعلن عن لقاء دولى خلال قمة العشرين لدفع جهود وقف إطلاق النار بأوكرانيا    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    الرئاسة في أسبوع| السيسي يشارك بمراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بالضبعة.. ويصدر تكليفات حاسمة للحكومة والوطنية للانتخابات    غرفة عمليات الهيئة الوطنية تتابع فتح لجان انتخابات النواب فى الخارج    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع في الحرارة العظمى إلى 29 درجة مئوية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    وزارة الصحة توجه رسالة هامة عن تلقى التطعيمات.. تفاصيل    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    المرأة العاملة| اختيارها يحمي الأسرة أم يرهقها؟.. استشاري أسري يوضح    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الغرام والهيام إلي الغيظ والانتقام‏..‏ قصة نشوء وتطور الرباط المقدس

لم يكن متأكدا مما رأي‏!‏ قد تكون فراشة جميلة ضلت طريقها‏,‏ أو ربما هي غزالة رشيقة تبحث عن مكان تحتمي به‏.‏ وحتي يتأكد إن كانت فراشة أم غزالة‏,‏ ظل مرابطا في بيت ابن عمه المقابل لمقر
هذا الكائن الجميل يراقبها جيئة وذهابا‏.‏ كان يراقبها مراقبة لا تهدف إلي خدش حياء‏,‏ أو تأكد من حسن سير وسلوك‏,‏ ولكنها مراقبة أقرب ما تكون إلي الرغبة في أن يملي عينيه بأكبر كم ممكن من الراحة النفسية‏.‏
وبعد أيام طويلة‏,‏ اكتشف أن هذا الكائن ليس بالفراشة ولا بالغزالة‏,‏ بل هي رضوي ابنة الناس الطيبين الذين يقطنون العمارة المقابلة لمكتب ابن عمه‏.‏ وعرف أن فراشته الجميلة أو غزالته الرشيقة تخرجت لتوها في كلية الفنون الجميلة وأنها تعمل في مكتب قريب من بيتها‏.‏
انتابه يقين بأن رضوي هي نصيبه وقدره الجميل الذي انتظره طيلة خمس سنوات منذ استقر في عمله كمهندس في شركة كبري‏.‏ ورغم أن رضوي سبكت الدور تماما‏,‏ وبدت وكأنها لم تلحظ تامر ولا نظراته‏,‏ ولا تنهداته‏,‏ ولا حتي تسبيلاته‏,‏ إلا أنها كانت تعرف تماما بحدسها الأنثوي الذي لم يؤثر علي مظهرها الغزلاني بأنه معجب‏,‏ أو بالأحري‏,‏ متيم بها‏.‏
وما هي إلا أسابيع قليلة‏,‏ حتي تم الاتفاق علي كل شيء‏:‏ المهر والشبكة والشقة والجهاز‏..‏ أقيم الفرح‏.‏ حفلة جميلة ضمت الأهل والأقارب والأصدقاء‏,‏ وانتقل الزوجان الشابان السعيدان المحبان إلي عش الزوجية‏.‏ كان كل منهما علي يقين بأن هذا الانتقال هو بمثابة الانتقال إلي عالم الحب والمشاعر والسعادة‏.‏
مر العام الأول هانئا سعيدا‏.‏ فكلاهما يعمل في وظيفته‏,‏ ويعود إلي البيت للتفاني لسعادة الآخر‏.‏ لم يكن لأي منهما طلبات سخيفة أو مبالغ فيها‏.‏ والأهم أن كلا منهما كان يضحي لاسعاد الآخر دون أن يفكر مرتين‏.‏ المشكلات اليومية التي كانا يواجهانها نجحا في أن يسخرا منها‏.‏ المواصلات المزدحمة‏,‏ سخافة الرؤساء في العمل‏,‏ ساعات العمل الطويلة‏,‏ غلاء الأسعار‏..‏ كلها تفاهات لا ولن تؤثر علي سعادتهما‏.‏
وبدأت بوادر الحمل تظهر علي رضوي‏.‏ ظلت تعمل حتي منتصف الشهر التاسع‏,‏ ثم قررت أن تستريح أسبوعين قبل الولادة‏.‏ ورغم أن وزنها زاد مالا يقل عن‏20‏ كيلو جراما كاملة‏,‏ إلا أن تامر ظل محتفظا بالقدرة علي أن يراها أحلي غزالة‏.‏
وحانت لحظة الولادة‏,‏ وخرج مولودهما الأول إلي الحياة‏.‏ وبدأت نوعية جديدة من المشاكل تظهر في حياتهما‏.‏ بكاء الصغير طيلة الليل‏,‏ شعور رضوي بالتعب والإرهاق‏,‏ انخفاض دخلهما‏,‏ إذ أنها كانت تعمل في مكتب خاص لا يقتنع بعقود العمل والتأمينات وما شابه‏,‏ وهو ما يعني أن توقفها عن الذهاب للعمل أدي إلي توقف صرف راتبها‏.‏
في البداية حاول تامر أن يساعدها في حمل الصغير بعض ساعات الليل حتي تستريح‏,‏ لكن قلة ساعات النوم بدأت تؤثر سلبا علي عمله‏,‏ وهو ما اضطره إلي أن يستسلم للنوم حتي يكون مستعدا للعمل في الصباح‏,‏ بالاضافة إلي المكتب الذي اتفق مع صاحبه علي العمل فيه مساء حتي يعوض راتب زوجته الذي توقف‏.‏
في المقابل‏,‏ وجدت رضوي نفسها تدور في حلقة مفرغة من العناية بالصغير‏,‏ والقيام بكل الأعمال المنزلية دون أن تتوقف دقيقة للالتفات إلي نفسها‏.‏ تحولت الفراشة الجميلة والغزالة الرشيقة إلي وحش مفترس يلتهم كل ما يجده في طريقه‏.‏ فقد ظلت تتضخم حتي زاد وزنها نحو‏30‏ كيلو جراما‏.‏ لم تجد سوي الأكل لتضع فيه همها‏.‏ ف تامر لا يعود إلي بيت إلا في ساعة متأخرة من الليل ليتناول وجبة الغداء والعشاء مدمجتين في وجبة واحدة‏,‏ وما هي إلا ثوان حتي يخلد للنوم‏.‏ وهنا تبدأ سيمفونية الصغير مطالبا إما بوجبة سريعة‏,‏ أو تغيير حفاضة‏,‏ أو مجرد حمل وهدهدة
وبعد عدة أشهر من وأد الخلافات بينهما‏,‏ ومحاولة كل طرف الاحتفاظ بشكواه لنفسه‏,‏ ونجاح جزئي في الانصياع لصوت العقل بأن ما يمران به هو مرحلة انتقالية بسبب صغر سن ابنهما وكثرة طلباته‏,‏ وتقلص دخلهما‏,‏ وأن الأمور ستتغير حتما‏,‏ انفجر كلاهما في لحظة‏.‏
اتهمته بأنه شال إيده تماما من البيت ومسئولياته‏,‏ واتهمها بأنها لم تعد تراه أصلا‏,‏ وأنها باتت تعامله وكأنه نزيل في فندق نصف إقامة لا يحتاج سوي لمكان يبيت فيه ووجبتي إفطار وعشاء‏.‏ ردت بأنه صار متبلد الإحساس عديم المشاعر ولم يعد يسمعها كلمة حلوة واحدة‏,‏ فدافع عن نفسه بأنها تحولت إلي صورة ممسوخة من رضوي التي أحبها والتي كان يستمتع بتدليلها وإمطارها بكلمات الحب والغزل‏.‏ اعترضت علي اتهامه الشنيع بأنه لم يعد ينقصه سوي بطيخة وحزمة فجل ليكون ذلك النموذج من الأزواج السخفاء الذي كانا يسخران منه أيام العشق والهيام‏.‏ صارحها بأنه إن كان ينقصه البطيخة وحزمة الفجل‏,‏ فهو علي الأقل أفضل حالا بمن تحولت إلي فيل ضخم لا ينقصه إلا زلومة‏!‏
هنا سكت الكلام‏!‏ أنا فيل بزلومة يا عرة الرجالة يا صايع يا ضايع؟‏!‏ دا أنا باروح استلف من أبويا علشان نكمل لآخر الشهر‏!‏ هو انت فاكر ماهيتك دي فلوس يا مقشفظ‏!‏ ده أنا سكتالك بمزاجي‏!‏ ده انا لو قمت لك هاخلص عليك‏!‏ دي جوازة إيه الزبالة دي؟‏!‏
وبالطبع‏,‏ قام تامر بالواجب وزيادة‏,‏ لكن ما قاله غير صالح للنشر‏!‏ قد يكون ما تفوها به خرج منهما في لحظة غضب أو ضعف أو عصبية‏,‏ لكن بغض النظر عن المسميات‏,‏ فقد وقع المحظور‏.‏ أصبح كل منهما متربصا بالآخر‏.‏ صحيح أنهما تصالحا‏,‏ وقالا ما يقال في مثل هذه الأحوال من الاتفاق علي أن اللبن صافيا وأن القشدة حليب‏,‏ لكن الواقع كان النقيض تماما‏.‏
نظراتهما التي لم تفضحهما أيام العشق والوله فضحتهما أيام الضغينة والغل‏.‏
نظراته لها أصبحت تنطق بجملة واحدة لا ثاني لها‏:‏ كان يوما أسود لما شوفتك‏!‏ أما نظراتها فكانت خليطا من الغضب والجرح وعدم التصديق بما فعلته بنفسها يوم أقدمت علي الزواج منه‏.‏ لقد كانت في قرارة نفسها تحمله مسئولية تضخم وزنها بهذا الشكل المريع‏,‏ كما أنه بالنسبة لها المسئول الأول والأخير علي تحولها من مهندسة ديكور متميزة وفراشة محلقة إلي سندريلا معذبة ومطحونة في الغسل والمسح والكنس‏.‏
من قال مستنكرا ان الكلام لا يلتصق؟‏!‏ إنه يلتصق ويؤثر ويتغلغل‏!‏ قصة رضوي وتامر هي قصة الآلاف غيرهما من الأزواج والزوجات‏.‏ قصة تحول قصة حب عميقة تهز قلوب الملايين إلي قصة كراهية عنيفة تعصف بقلوب الجميع‏.‏ المفترض ألا يكون الزواج كذلك‏.‏ المفترض ألا يحول العلاقات الإيجابية ومنظومة الشراكة الجميلة بين الستات والرجالة إلا صراع قوي‏,‏ لكنه للأسف غالبا ما يتحول إلي شراكة فاشلة بكل المقاييس‏.‏
قد يكون ذلك بسبب طبيعة الحياة في مصر والتي لا تضمن للأم أي مساعدة لرعاية الصغار‏,‏ طالما أنها لا تملك المقدرة المادية علي ذلك‏.‏ وقد يكون بسبب ضغوط الحياة التي تجعل من فكرة الإنفاق علي أسرة من دخل واحد بعيدا عن غسل الأموال والنهب والرشوة والفساد رابع المستحيلات بعد الغول والعنقاء والخل الوفي‏.‏ وقد تكون بسبب تعرض المواطن منا لحرب أعصاب ضارية كلما خطا بقدميه خارج باب بيته‏,‏ فالمواصلات العامة بانعدام آدميتها‏,‏ والشوارع بانعدام تخطيطها‏,‏ والأسعار بانعدام السيطرة عليها جميعها تتربص به‏.‏ مصادر القلق وعدم الشعور بالأمان تحيط بالجميع‏,‏ وللأسف لم يعد يداويها لا إغراق في التدين‏,‏ ولا إسهاب في اللهو‏,‏ ولا حتي تظاهر بعد اهتمام‏.‏
الجميع يأكله القلق‏,‏ ليس علي مستقبله هو وأولاده‏,‏ ولكن علي غده‏.‏ بتنا نعيش علي كف عفريت النهاردة فاتورة المياه ب‏30‏جنيها‏,‏ بكرة ممكن تكون بمائة‏.‏ النهاردة كيلو اللحم ب‏70‏ جنيها‏,‏ بكرة ممكن يكون ب‏200.‏ علبة اللبن بسبعة جنيهات النهارد‏,‏ بكرة ممكن تكون بعشرة‏.‏ وبكرة هنا لم يعد العام العقد القادم‏,‏ أو العام القادم‏,‏ لكنه بكرة يعني لما تنام وتصحا‏.‏
مسكين تامر ومسكينة رضوي‏!‏ لكن عزاءهما إنهما ليسا وحدهما‏.‏ كثيرون منا هم تامر ورضوي ولكن لا يسعنا سوي الحلم بغد أفضل‏,‏ لكن هذه المرة غدا قد يكون العقد القادم‏,‏ أن بعد عقدين‏,‏ أو ربما قرن‏!‏
آداب الإسعاف
إذا كنا آمنا وسلمنا ورضينا بما كتبه الله علينا من أن نمضي بضع سنوات من حياتنا إما مزنوقين في إشارات المرور‏,‏ أو معلقين فوق الكباري‏,‏ أو موقوفين لحين مرور مواكب الكبار‏,‏ فإن بديهيات الإنسانية ترفض أن يموت مريض في سيارة إسعاف بسبب مرور أحد الكبار‏,‏ أو لغباوة سائقي السيارات وانعدام سريان السائل الأحمر في شرايينهم‏,‏ أو لتبلد العسكري المسئول عن اشارة أو ميدان‏,‏ هذا يعني في حال وجوده أصلا‏,‏ وليس انشغاله بتحصيل الإتاوات من الواقفين صفوفا ثانية وثالثة في شوارع أخري‏.‏
ولأن الأمل يتضاءل ويتقلص في شأن إيجاد حل جذري لنزيف الأسفلت الناتج غالبا عن غياب الرقابة المرورية الحقيقية‏,‏ وتوزيع رخص القيادة علي كل من هب ودب‏,‏ وعدم معرفة الكثيرين من قادة السيارات الألف من كوز الذرة في قواعد المرور‏,‏ هذا بالطبع بالإضافة إلي حالة الطرق والشوارع‏,‏ أو بالأحري حالة المطبات والحفر‏,‏ فإننا بتنا نتحدث عن سيارات الإسعاف التي تعاني الأمرين حتي تنجح في نقل مريض من مكان إلي آخر قبل ان يرحل عن دنيانا‏.‏
قبل أيام وفي ميدان التحرير حيث يتوقع أن يكون أقوي وأذكي رجال المرور الأشاوس في ذلك الميدان الحيوي الاستراتيجي‏,‏ ظل قائد سيارة إسعاف يستعطف قادة السيارات أن يفسحوا له الطريق‏.‏ لكن الغالبية رفضت وأبت وكلما حاول احدهم أن يعطي إشارة يسارا أو يمينا حتي يفسح الطريق لها‏,‏ باغته من في الخلف بإطلاق كلاكسات هستيرية لمنعه من التقدم‏.‏ وبعد شق الأنفس‏,‏ وصلت الجموع المتناحرة إلي الإشارة الكبري في الميدان العتيد الذي يتحول بقدرة قادر إلي صحراء جرداء لا تسمع فيها صريخ ابن يومين في حال فكرت مجموعة من الشباب مثلا تنظيم مسيرة أو اعتصام أو ما شابه‏.‏ هنا بدأ قائد الإسعاف في تحويل دفة الاستعطاف إلي عسكري المرور أو الضابط الواقف في الميدان حتي يفتح الإشارة‏.‏ برجاء فتح الإشارة‏!‏ أرجو المساعدة بفتح الإشارة‏!‏ عبارتان ظل القائد المسكين يتفوه بهما طويلا‏,‏ وهو ما أزعج البيه العسكري الذي فاض به الكيل من الزن‏,‏ فأخذ من علي مرمي البصر يشوح لقائد الإسعاف بكلتا يديه مطالبا إياه بالسكوت‏.‏
ما يحدث في التعامل مع سيارات الإسعاف في شوارع القاهرة الكبري يستحق ليس وقفة‏,‏ بل قعدة‏.‏ فربما من كتر ما وقفنا في وقفة مصرية‏,‏ تعبنا وأصبحنا غير قادرين علي التفكير المنطقي السليم‏,‏ وأعمي الإرهاق والتعب من طول الوقفة عيوننا وقلوبنا عن القدرة علي مساعدة المريض المسكين الذي ربما ستفرق معه الثواني أو الدقائق أو ربما الساعات التي يمضيها في محاولة الوصول إلي المستشفي‏.‏ صحيح أن ما قد يتعرض له في المستشفي قد يعجل بالقضاء عليه‏,‏ لكن هذه ليست قضيتنا الآن‏.‏ طريقة التعامل مع الإسعاف في الشارع في حاجة إلي قعدة لإقناع قائدي السيارات بأن عليهم أن يفسحوا الطريق لها‏,‏ وتوجيه المسئولين عن تسيير المرور‏(‏ أو ربما عرقلته‏)‏ بأن المريض لن ينتظر بالضرورة فتح الإشارة أو مرور الشخصية الكبيرة‏.‏
هل هذا مطلب عادل؟ أم أن علي أهالي المرضي أن يقوموا يتنظيم وقفة احتجاجية علي رصيف الشعب؟‏!‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.