ختمت سطور هذه الزاوية أول من أمس بإشارة إلى الدور التحريضى المتهور والخطير، الذى لعبه القائمون على أمر التليفزيون الرسمى (الذى هو أصلا مملوك للشعب المصرى)، عندما شاركوا بالتزوير والتلفيق وبث معلومات مغلوطة وتعليقات طائفية جاهلة وغير مسؤولة فى صنع المشاهد الوحشية لتلك الكارثة الوطنية الرهيبة التى وقعت مساء الأحد الماضى على ضفاف النيل فى منطقة ماسبيرو. واليوم أهدى القراء الأعزاء واقعة حقيقية تفضح الأثر الإجرامى غير المحدود لهذا التحريض والتهييج الطائفيين اللذين أشاعهما تليفزيون الدولة المصرية.. ففى صباح يوم الإثنين التالى لليلة الأحد السوداء، وبينما كانت دماء مئات الجرحى وشهداء العبث المنفلت من أى ضمير أو حس وطنى، لا تزال طرية تلون أسفلت الشوارع وبلاط المشارح والمشافى، كانت سيدة محترمة (أعرفها) متوجهة إلى مقر عملها فى مكتب إحدى محطات التلفزة الأجنبية المعتمدة فى القاهرة، ولأن المقر لسوء الحظ يقع فى إحدى العمارات المجاورة لمبنى تليفزيوننا الوطنى (جدا) بماسبيرو، فقد أصر زوج السيدة على أن يوصلها ويقود هو على غير العادة سيارتها، ظنا منه أن وجوده معها سيحميها من أى خطر محتمل، لكن ما حدث أن الخطر تحقق فعلا، وبدل أن تكون الزوجة وحدها هى الضحية انضم إليها الزوج فصارا ضحيتين! لكن ما نوع هذا الخطر الذى يداهم مواطنين أبرياء بينما هم يمرون فى منطقة تمثل القلب الحساس لعاصمة البلاد؟!.. تحكى السيدة الفاضلة وهى لا تزال مأخوذة بالرعب: إنها وزوجها ما إن هبطا بسيارتهما من كوبرى الزمالك إلى شارع الكورنيش بماسبيرو، حتى لاحظا وجود تجمعات مجهولة تنتشر فى الشارع على هيئة قطعان قليلة العدد، قوامها الرئيسى شباب وصبية غلابة، تتمدد على ملامحهم أمارات الصياعة والضياع، وكان بعضهم مسلحا بعصى أو سكاكين، هؤلاء كانوا يعترضون السيارات المارة ويجبرونها على التوقف، ولسبب بدا للزوجين (وهما ما زالا بعيدين) غامضا، فإن القطعان تلك كانت تمطر بعض السيارات بالحجارة، وتعتدى على ركابها، غير أنهما لما جاء الدور عليهما واقتربا من أول قطيع كان بمقدورهما أن يخمنا بسهولة سبب ودافع هذه الجريمة العلنية التى كان الصيع الغلابة يرتكبونها أمام عيون جيش عرمرم من قوات الشرطة العسكرية والمدنية المتمركزة فى المنطقة.. لقد بدا واضحا أن هذه القطعان لبت الدعوة الحارة الملحة التى وجهتها الست «رشا» المذيعة فى الليلة السابقة عبر تليفزيون الزميل أسامة هيكل للمصريين المسلمين بالنزول إلى الشوارع، من أجل الدفاع عن جيشهم (لا جيش كل المصريين) ضد المواطنين المسيحيين الأعداء! إذن الصبية الغلابة هؤلاء كانوا يبحثون فى السيارات المارة عن أى إشارة يظنونها تفضح الهوية الدينية لركابها، فإذا تبين أنهم من أتباع «العدو المسيحى» تصدوا لهم بما تيسر من قوة وبلطجة وصياعة (!!) ولوهلة توهم الزوجان أنهما سيفلتان وينجوان، فقد فرض عليهما هذا الخطر الداهم أن يفكرا لأول مرة فى حياتهما بطريقة طائفية، فتذكرا أن لديهما مصحفا فى السيارة، وهو دليل قوى على أنهما يدينان بدين الإسلام، غير أن المصحف الشريف للأسف لم يشفع للزوجين المحترمين، ولم ينقذهما من اعتداء بشع أدى إلى تحطيم سيارتهما، وإصابتهما بجروح جسدية طفيفة، فضلا عن شرخ فى الكرامة وجرح نفسى موجع وعميق! لقد تذكر الزوجان القرآن الكريم الذى يحملانه، ونسيا أن الزوجة حاسرة الرأس وغير محجبة، بما يعنى فى ثقافة الصياعة والبؤس العقلى والروحى السائدة حاليا، أنهما من حلفاء أو «أشباه» العدو المصرى القبطى.. ثم لا حول ولا قوة إلا بالله. وأتابع غدا مجتهدا مع المجتهدين فى البحث عن إجابة لسؤال: ما الذى يتعين علينا فعله فورا وبسرعة لئلا نستيقظ فى يوم قريب ونرى الوطن وقد انزلق فعلا إلى هاوية حرب دموية أهلية؟!