هذه «تحفة» مصرية خالصة لا أظن أن لها نظيراً في أي متحف من متاحف العالم للمركبات قديمها وحديثها علي الاطلاق!، فإذا اكتشف لها نظير فإن مصريتنا تأبي علينا إلا أن نتفرد ونتميز، وهذا ما يؤكده سعي تحفتنا في الشوارع تنهب الأرض إلي حيث تريد، ورجال المرور يتابعونها في الغدو والرواح بإعجاب شديد، بل هي محل ترحيب عند الأكمنة، وصاحبها لا يفارقها وإن كان يترك قيادتها لأحد الصبية وصحته موفورة. حيث يلف بالتحفة نهاراً وليلاً تحمل ركاب النفر الذين يدفعون الأجرة بانتظام وترتيب الصاعد والنازل، ومباشرة لصاحب التحفة الذي اختار جلسته بجوار الباب!. توصيف التحفة أنها كالاختراع، متهالكة، ليس بها عدادات ولا فتيس، زجاجها مكسور، عقد شرائها عرفي، بلا ترخيص، مخصصة لغرض الخردة أو البيع كقطع غيار لندرتها ربما، والتحفة ليس لها أي مستندات أو أوراق بالإدارة العامة للمرور التابعة لها، ولو كانت هذه التحفة لك أو لأي واحد منا فما الذي كان يمكنه أن يفعله بها!، لكن صاحب التحفة «شاطر»، ينقل بهذه التحفة 24 راكباً في كل «دور» علي خط أوسيم - مطار إمبابة، وهكذا تعمل التحفة منذ عام ونصف العام!. ولابد من «إشارة» حمراء هنا تشير إلي أنني اطلعت علي مواصفات هذه التحفة كما جاء بها توصيف النيابة التي حققت مع صاحب التحفة وسائقه الصبي بعد أن قاما فقط أثناء رحلة لها بدهس مواطن محترم عمداً في الأسبوع الماضي، عندما أصر المرحوم علي استدعاء الشرطة لإثبات أن سائق التحفة قد صدم بها سيارة المواطن المحترم من الخلف!، وقد حذر صاحب التحفة وسائقه المواطن المحترم من عواقب محاولة ايقاف التحفة!، فلما تشبث المواطن المحترم بالتحفة وحقه في استحضار الشرطة، لم يكن يعرف صاحب الحق أن تحذيرات صاحب التحفة وسائقها جادة وليست هازلة!، فكان جزاؤه الموت دهساً علي النحو الذي ورد في التحقيقات!. وبعد أن تجاوزت الحزن والبكاء الحار علي هذا الموت العنيف للمواطن المحترم بيد وإرادة سائق التحفة وصاحبها، تخيلت بعضاً من التحقيق الذي لم أحضره مع صاحب التحفة وسائقها بعد القبض عليهما يحاولان الهرب!، فتصورت أن سؤال الاثنين عن كيف ظلت التحفة تسعي في الشوارع وهي بهذه المواصفات «الفريدة»؟!، فأكدا أنهما كثيراً ما سارا بالتحفة هكذا يومياً وبالمرور علي كل «بيوت الحبايب» - يقصدان الأكمنة - دون أن يدقق أحد أفرادها في التحفة! سؤال آخر للاثنين - صاحب التحفة وصبيه - عما إذا كان أحد أفراد شرطة المرور قد طلب رخصة التحفة ورخصة سائقها، فنفي الاثنان أنهما قد تعرضا لمثل هذه «السخافة» غير مرة واحدة انتهت إلي استمرار سيرهما بهدوء، يسألهما المحقق عما إذا كانا قد فكرا في تركيب ما ينقص التحفة من العدد، فأكدا أنهما لم يفكرا في هذا بالمرة، فالتحفة تسير بالسلامة والاقبال علي ركوبها لا يتأثر والحصيلة عال!، فلما فرغت من أسئلتي الخيالية تلقفت جريدة الأهرام غداة مقتل المواطن المحترم!، فوجدت في صدر صفحتها الأولي مقال رئيس التحرير بعنوان «صرخة للداخلية والمحليات.. احموا الشارع القاهري»، وكان الحادث الذي دهست فيه التحفة عمدا مواطننا المحترم قد وقع قبله حادث اغتيال مسجل المخدرات الخطر اللواء شهيد الشرطة الذي أصر علي القبض علي المسجل فعاجلته رصاصات المجرم، كما جاء في مقال الزميل «سرايا»! وفي صفحة داخلية عنوان كثيراً ما نقرأه: «مدير أمن.. يقود الحملات المرورية.. مصادرة 35 سيارة بدون لوحات و25 توك توك»!، ومازال أدب العبث حياً مزدهراً في حياتنا المصرية! فما رأيكم في أدب العبث؟!.