ضرورة النص علي مدنية الدولة تعزيزاً للديمقراطية تجديد النظام الانتخابي للمحليات والنواب والرئاسة حسنا كان تشكيل لجنة «العشرة» ومن الخبراء وحدهم، لإجراء تعديلات دستورية، بعد تعطيل الدستور الكارثي 2012، الذي جمع أبواب الشياطين، وحسنا ما اتفق عليه العلماء والفقهاء في علم اللغة والقانون، إن التعديل يشمل الحذف والإضافة والتغيير ولا يتقيد بما ورد في النصوص الدستورية المعطلة، خاصة أن هذا الدستور المعطل وبأرقام الإحصاء حظي بأقل نسبة موافقة.. وأكبر نسبة من الرافضين والممتنعين عن التصويت ما لم تشهده الدساتير السابقة.. فضلا عن استئثار تيار بعينه وجماعة بذاتها، مشكلة من لجنة باطلة وضعت نصوص الدستور في ليل كاسح، استمر حتي الفجر، فرض علي الإرادة الشعبية فرضا، فكان طامة كبري اغتالت إرادته، لهذا كانت لجنة العشرة مطالبة بالتعديل والحذف والإضافة، وتمتد مسئوليتهم خارج نصوص الدستور المعطل!! كذلك فإن تشكيل لجنة الخمسين ممثلة لكافة فئات المجتمع وطوائفه وتنوعاته السكانية وعلي الأخص الأحزاب والمثقفون والعمال والفلاحون والنقابات المهنية، والشخصيات العامة فإن اختيارهم يجب أن يكون علي أساس الكفاءة والخبرة والوطنية والاستقلال، مشاركة وليست مغالبة أولي وأهم من نسب التمثيل ذاتها.. حتي تجري المناقشة لتطوير الأفكار والمبادئ علي أساس الدراسات الموضوعية المسبقة والتفكير المتأني في مصالح الوطن، بعد تجربة قاسية، فإذا جرت المناقشة تملقا للجماهير أو اكتسابا لشعبية رخيصة أو تحقيقا لأغراض وأهداف من يتولون السلطة في ذات الوقت فإن ذلك يعتبر - لا قدر الله - طامة كبري خاصة أنه لم يعد أمامنا ترف الوقت أو استمرار حقل التجارب، كما أننا لسنا في مجال المغازلة أو دغدغة المشاعر علي حساب مصلحة البلاد لأننا في حاجة الي دستور جديد تتسع نصوصه الرحبة لمواجهة الحاضر المرير.. ويستشرف مستقبل أفضل تتقدم به مصر بخطي سريعة تعوض به ما فات، وهو ما أشار اليه منذ أكثر من ربع قرن من الزمان علماء وخبراء أكفاء وطنيين رحمهم الله.. وأمد الله في عمر من بقي منهم شاهدا علي الحاضر وعلي ما أصاب الحياة. وبرغم أهمية ما يجب أن تتضمنه نصوص الدستور الجديد من قواعد وأحكام تخص الحقوق والحريات بصياغة دقيقة ومنهج علمي منضبط وضمانات لحمايتها، درءا لتوغل السلطة التشريعية أو التنفيذية علي هذه الحقوق والحريات، لضرورة تحقيق التوازن بين السلطات.. وضمان استقلالها في نطاق التعاون الجاد بين كل منها، وتحديد تلك السلطات وضمان مساءلتها عند الإخلال أو التجاوز فإن هناك ثلاث مسائل مهمة يتعين التنبيه إليها.. عند وضع النصوص الدستورية الجديدة وعند مناقشتها أو طرحها للاستفتاء الشعبي. المسألة الأولي: النص علي أن الأحزاب والبرامج السياسية يجب أن تلتزم بمدنية الدولة تعزيزا للديمقراطية وتأكيدا لدولة سيادة القانون، وهو الضمان الوحيد للحقوق والحريات، والأساس الوحيد لمشروعية السلطة وأساسها المواطنة، وتأكيدا لذلك كله يجب النص في الدستور بوضوح وصراحة علي مدنية الدولة وعلي حظر تكوين الأحزاب السياسية علي أساس ديني ليكون أساسها المواطنة دون تفرقة وأن تعتمد وفقط علي برامج سياسية - وليست دينية - وتتنافس فيما بينهم وصولا الي الحكم بوسائل وأدوات تتفق مع طبيعتها بعيدة عن العواطف أو الخداع والتزوير واغتيال إرادة المواطنين وإثارة الفتنة الطائفية في البلاد، وقد أكد لنا الإمام محمد عبده منذ قديم عن أول حزب دعا إليه أنه ليس حزبا دينيا.. ولكنه حزب سياسي والدعوة الي مدنية الدولة والحكومة وحرصه علي ضبط الإيقاع بين مرجعيته الإسلامية وما اتسم به من طابع التجديد رغم ما وصفه كرومر السياسي الانجليزي بأنه لم يكن متساهلا في الإسلام ولكنه متعصب بالفعل وإن غياب المدنية عن بعض المسلمين في حياتهم يرجع الي سوء فهم المسلمين الذين حق فيهم قول سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه إن هؤلاء القوم قد ألبسوا الدين كما يلبسون الفرو مقلوبا.. وقديما قالوا لنا عن السياسة إنها صناعة رديئة.. ولأن الدين لله والوطن للجميع فلابد أن يباعد الدستور بين الدين بقيمه العليا والسياسية بصناعتها وأساليبها وبرامجها الدنيوية وكفانا ما كان من أحزاب اتخذت من الدين ذراعا سياسية جهارا نهارا أو حتي تلك الأحزاب التي اتخذته ذراعا خفية أو ستارا من وراء حجاب!! المسألة الثانية: جناحا السلطة التشريعية ولأنها تمثل الإرادة الشعبية الحقيقية وهي صاحبة السيادة ومصدر كل السلطات وقد كثر الحديث وتصاعد الخلاف حول تشكيل البرلمان من مجلس أو مجلسين والذين يجاهرون بأن يكون مجلسا واحدا أو غرفة واحدة.. تأثرا بالماضي القريب وما شاهدوه من قصص وحكايات هؤلاء يتجاهلون ما ورد في العلوم الدستورية والدراسات المقارنة والتطور الحديث الحاصل في دول العالم أن المجلسين أفضل من مجلس واحد.. لتحسين صناعة التشريع. وزيادة مساحة الديمقراطية والرقابة البرلمانية ومنع تسلط مجلس واحد في الحياة السياسية وكأنها عجلة القيادة التي تضبط التجاوز في اتجاه آخر.. ولهذا تزايدت عدد الدول التي تتخذ المجلسين أساسا لتكوين السلطة التشريعية حيث بلغت حتي عام 2010 نحو 72 دولة بعد أن كانت من قبل 49 دولة فقط.. ولعلنا نتذكر أن حياتنا التشريعية كانت قديما كذلك في دستور 23 إذ كان لدينا مجلس للشيوخ.. ومجلس للنواب.. وكذلك دستور 30 الذي عبر عن هذا الخلاف، بأن وجود مجلسين في السلطة التشريعية صار أمرا مفروغا منه أي لم يعد مجالا للخلاف أو الجدل.. وإذا كانت الحياة السياسية المصرية قد أخذت بمجلس واحد في الدساتير المتعددة منذ ثورة يوليو.. وحتي دستور 71 فإن هناك تطورات دستورية قد جرت منذ عام 80 وما بعدها عادت بالمجلسين الي الحياة تدريجيا.. حتي التعديلات الدستورية 2007 بل ان دستور 2012 البائس المعطل.. قد جمع المجلسين باختصاصات وسلطات تشريعية كاملة.. وهو أولي بالاتباع إيمانا بغرفتي البرلمان لمزاياه العديدة في الحياة السياسية والتشريعية تحقيقا لمزيد من الديمقراطية. المسألة الثالثة: النظام الانتخابي ذلك أنه يصاحب كل دستور جديد، تحديد النظام الانتخابي الذي تقوم علي أساسه الانتخابات التشريعية أو المحلية وكيفية اختيار أهم السلطات في الدولة، السلطة التشريعية ويحدد الدستور بعد قراءة الواقع السياسي والحزبي أصلح النظم الانتخابية سواء كانت بنظام القائمة أو الفردي أو النظام المختلط. وبرغم تراثنا الدستوري الطويل.. وتجاربنا العديدة في النظم الانتخابية التي جمعت كل النظم وتاريخنا في الحياة الحزبية علي قدمها.. التي توقفت منذ عام 53 حتي عام 77 بعدها عادت الأحزاب جامدة هشة وظلت هيكلية تعيش علي المحاليل.. بسبب سيطرة حزب واحد هو حزب السلطة لسنوات طوال، ثم انفرط عقد الأحزاب السياسية عقب ثورة 25 يناير، وبسبب فراغ الساحة الحزبية وضعفها فقفزت معها الأحزاب ذات المرجعية الدينية وتوغلت وأعلنت جهارا نهارا أنها ذراع سياسي ومنها ما كان خفيا.. للجماعات الدينية وسيطرت علي الساحة وفصلت لنفسها دستورا ونظاما انتخابيا قضي بعدم دستوريته أكثر من مرة.. ولهذا فعلينا أن نعدم لنظام انتخابي. يقف ضد التسلط والاحتكار وضد التمكين والسطرة لأي حزب أو فصيل سياسي.. وأن يكون بعيدا عن المرجعية الدينية وهو ما يتطلب العودة الي المقاعد الفردية المرتبطة بالإرادة الشعبية وحسن الاختيار.. ولو لمدة معينة بعدها يمكن الجمع بين النظام الفردي والقوائم الحزبية بنسبة متدرجة حتي تقوي الحياة الحزبية وتتحقق التعددية القائلة علي تكافؤ الفرص وحسن الاختيار وتداول السلطة سلميا.. ونشر الثقافة السياسية والحزبية في البلاد لأن الثقافة هي الضمان الحقيقي للديمقراطية. هذه مسائل ثلاث تعد أمهات الحياة الدستورية والتعديلات الجارية حتي تقوي البلاد في مواجهة التيارات المتصارعة.. وتعزيز طريق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.. والحياة الكريمة لكل المصريين في وطن آمن للجميع.. والله المستعان. دكتور شوقي السيد