هذا الحديث موجه لكل فصائل المعارضة التى استدرجت وتعاملت مع الأمر وكأن المشكلة الأساسية هى أن الدستور هو العقبة التى تمنع وجود نظام ديمقراطى فى مصر, ويمتنع على الحزب الحاكم وسدنته حيث أنه لا فائدة ترجى من الحديث مع الصم البكم العمى. فليس الدستور, الذى يُعَرَف بأنه الأب لكل القوانين فى الدولة, مجرد مجموعة من المواد الرصوصة فى عدد من الأبواب والفصول يتضمنها كتاب, إنما الدستور هو منهاج الحياة فى الدولة والمجتمع, فهو الذى يحدد طبيعة الدولة وهويتها, ويحدد مقوماتها الاجتماعية والخلقية والاقتصادية والثقافية, وينظم الحريات والحقوق والواجبات, ويرسى سيادة القانون, وحدد طبيعة نظام الحكم والعلاقة بين السلطات, باختصار, الدستور هو المرجعية التى تنظم السلوكيات الحياتية اليومية للحاكم والمحكوم ومؤسسات الدولة وما يسمى منظمات المجتمع المدنى, ومن ثم فإن التزام الجميع وبالذات رئيس الدولة والحكومة والأجهزة بهذه المرجعية هو الضمانة العملية لتطبيق سيادة القانون على الحاكم والمحكوم والغنى والفقير والوزير والخفير, والعكس يكون ضياع هذه السيادة وتحول الدولة إلى عصابة من عبدة السلطة والبلطجية والمزورين والمرتشين والعملاء ومصاصى دماء الشعب.هل المشكلة فى الدستور أم فى عدم التزام أجهزة الدولة به؟ المشكلة تكمن فى عدم التزام أجهزة الدولة بالدستور واعتباره مرجعية لعملها,وتحويل الدستور من "كتاب الوطن" كما يدعون إلى مجرد كتاب لايقرأ ولايتم الالتزام به, وليس أدل على ذلك من أنه على الرغم من التكثيف الإعلامى حول التعديلات الدستورية, إلا أنها لم ترقى أبدا إلى مستوى القضية الشعبية التى يتحرك حولها ومعها الناس فى المدارس والمصانع والحقول والمنازل والشوارع والمنتديات والأندية.. إنها فقط – أى التعديلات- تستحوز على اهتمام الحكومة والناشطين السياسيين, وبكل منهمكا أسبابه. ولكى لا يكون كلامنا مرسلا نبين النقاط التالية: أولا: تنص المادة السابعة من الدستور "المعطل" على أن "يقوم المجتمع على التضامن الاجتماعى". وتنص المادة الثامنة على أن "تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين". وتنص المادو الثالثة عشرة على أن "العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة ويكون العاملون الممتازون محل تقدير الدولة والمجتمع. ولا يجوز فرض أى عمل جبرا على المواطنين إلا بمقتضى قانون ولأداء خدمة عامة وبمقابل عادل". النصوص فى المواد الدستورية الثلاثة السابقة واضحة تماما, وتكمل بعضها بعضا, فهى تتضمن: (1) التضامن الاجتماعى بين أفراد ومكونات المجتمع. (2) تكافؤ الفرص أى المساولة. (3) العمل حق وواجب وشرف تكفله الدولة. أى أن الدولة ممثلة فى الحكومة ملتزمة بإيجاد فرصة عمل مناسبة لكل قادر وقادرة على العمل فى هذا الوطن. والسؤال هو.. هل التزمت الدولة بنصوص هذه المواد الثلاث؟ لم تلتزم الدولة بنصوص هذه المواد وغيبتها أكثر من خمسة وثلاثين عاما وكانت النتيجة: (1) بدلا من أن يكونوا عونا لها بعد عناء تربيتهم. (2) الهجرة حالة البطالة المتفشية بين الشباب, وتحولهم إلى كابوس داخل كل أسرة غير المشروعة إلى الدول الأوروبية (أكثر من خمسة مليون مصرى) وما يترتب عليها من مشاكل وغرق فى أعماق البحار. (3) تحول الانتحار بسبب عدم القدرة على تلبية مطالب حد الكفاف إلى ظاهرة. أذكر منها: (1) الشاب خريج كلية الاقتصاد, الأول على دفعته, الذى تقدم للإلتحاق بالعمل فى السلك الدبلوماسى بوزارة الخارجية, تفوق وكان الأول على زملائه فى الإمتحان الذى أجرته وزارة الخارجية لشغل وظائفها, هذا الشاب فوجىء بعدم قبوله لشغل وظيفة ملحق دبلوماسى لأنه غير لائق اجتماعيا, لأن والده فلاحا... هذاالشاب المتفوق, ذهب إلى النيل وألقى بنفسه فى غياباته بسبب تعطيل الدستور وغياب القانون وسيادة المحسوبية والوساطة, وترك أبويه وأسرته فى كمد طويل. (2) كتبت الصحافة عن السيدة التى تركت أطفالها اليتامى وأخذت رضيعها واحتضنته وذهبت هى الأخرى إلى النيل وألقت بنفسها ورضيعها فى جوفه لأنها عاجزة عن إطعام أطفالها بسبب تعطيل الدستور. (3) كتبت الصحافة أيضا عن الرجل الذى شنق نفسه فجر أحد الأيام أسفل كوبرى الجيزة لعجزه عن توفير الحد الأدنى من الاحتياجات لأسرته. (4) كتبت الصحافة كثيرا عن التعذيب فى مراكز وأقسام الشرطة. هذه أمثلة فقط لظاهرة تبين بجلاء فقدان التضامن والتكافل وتكافؤ الفرص وحق العمل بسبب توقيف الدستور وتعطيله من قبل النظام وأجهزة الدولة. ثانيا: تنص المادة الخامسة من الدستور "المعطل" على أن "يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى إطار المقومات والمبادىء الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدسشتور. وينظم القانون الأحزاب السياسية". وتنص المادة الرابعة والستون من الدستور"الموقوف" على أن "سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة". وتنص المادة مائتين وستة على أن "حرية الصحافة مكفولة والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو الغاؤها بالطريق الإدارى محظور وذلك كله وفقا للدستور والقانون". وتنص المادة ثمانبة وأربعون من الدستور على أن "حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام مكفولة, والرقابة على الصحف محظورة وإنذارها أو وقفها أو الغاؤها بالطريق الإدارى محظور.....". وتنص المادة الثانية من الدستور على أن "الإسلام دين الدولة ... والشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع". وتنص المادة أربعة وخمسون على ان "للمواطنين حق الاجتماع الخاص فى هدوء غير حاملين سلاحا ودون حاجة إلى إخطار سايق. ولا يجوز لرجال الأمن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة فى حدود القانون". نخلص من المواد الدستورية المعطلة المذكورة فى البند ثانيا بالنقاط التالية: (1) سيادة القانون, أى أن الناس متساوون أمام القانون. (2) التعددية السياسية (الحزبية) أى أن الأحزاب أمام الدستور والقانون سواء. (3) عدم تعارض مقومات الحزب ومبادئه... مع الشريعة الإسلامية. (4) حرية الصحافة وبطلان وقفها بقرار إدارى. (5) حق المواطنين فى الاجتماع والمواكب والتجمعات سلميا. السؤال: أين نحن من هذه المبادىء الدستورية والقانونية الخمسة؟ نحن بعيدون تماما عنها, ولا علاقة لنا بها, ليست مرجعية الحكام فى التعامل مع المواطنين والأحزاب والصحافة هى الدستور والقانون أو أحدهما, فمرجعيتهم هى هواهم وما يعتقدون أنه يحفظ لهم السلطة والثروة ولو بالتزوير, ولنؤكد ذلك نذكركم بما يلى على سبيل المثال: (1) قام يوسف والى الأمين العام السابق للحزب الوطنى ونائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة لما يقرب من نصف قرن بسرطنة التربة الزراعية والزراعة المصرية عن طريق استخدام أسمدة ومبيدات مسرطنة, وكانا جريدة الشعب.. جريدة حزب العمل أول من فجر هذا الموضوع, وشن الحزب والجريدة هجوما موثقا على يوسف والى باعتباره قاتل وخائن وعميل, لأنه بالإضافة إلى سرطنة الزراعة مما تسبب فى قتل المصريين بالأمراض السرطانية.. قام بربط الزراعة المصرية لحساب الزراعة عند العدو الصهيونى.. وكان هذا هو السبب الحقيقى لتجميد نشاط حزب العمل ووقف جريدة الشعب وسجن رئيس تحريرها واثنين من صحفييها, وبعد أن تحملت جريدة الشعب وحزب العمل المسؤلية, وبعد ان فاحت رائحة يوسف والى, وأراد النظام التخلص منه, دخلت جرائد أخرى معركة الهجوم على يوسف والى بسبب سرطنته للزراعة وإلحاقه أضرارا جسيمة بالشعب المصرى, حتى أصدقاؤه والذين دافعوا عنه دخلوا فى الهجوم عليه.. أكثر من ذلك أدانت المحكمة يوسف والى بالشهادة الزور فى قضية يوسف عبد الحمن الذى أدانته المحكمة, وصرح يوسف عبد الرحمن الفتى المدلل ليوسف والى بأن كل الأوراق المتعلقة باستيراد الأسمدة والمبيدات المسرطنة عليها توقيع يوسف والى, والسؤال: لماذا لم يقدم يوسف والى للمحاكمة وهو قاتل وخائن وعميل؟.. ولماذا يكتفى بكباش فداء؟ قال يوسف والى لماذا تهاجموننى؟.. نحن جميعا سكرتارية للسيد الرئيس. والسؤال.. هل هذه هى سيادة القانون؟ وهل حقا الناس متساوون أمام القانون كما ينص الدستور؟ (2) وفقا للدستور والقانون, تعتبر الأحزاب على قدم المساواة أمام القانون, لكن الواقع أن أجهزة الدولة عموما والأجهزة الأمنية خصوصا لا تعترف إلا بالحزب الوطنى حزب الحكومة, وأن على الأحزاب الأخرى أن تكون ظلا له, تسير معه حيث يسير, ولكى تكون الأحزاب الأخرى على هذه الصيغة الأمنية فإن أجهزة الأمن اعتبرتها ساحات مفتوحة لعملياتها التخريبية وملاحقة نشطائها, وللتأكد نذكركم بالآتى: (1) تجميد حزب العمل ووقف جريدته بسبب التصدى لفساد وانحرافات أمين عام الحزب الوطنى والحكومة, يومها ادعوا أن الحزب غير أهدافه وبرامجه من الاشتراكية إلى الإسلام, وأن هذا التحول هو سبب تجميد الحزب ووقف الجريدة, والحقيقة أن الحزب لم يحدث هذا التحول, وإنما أبرز المرجعية الإسلامية لاشتراكيتنا وهذا يتماشى مع المادة الثانية من الدستور السابق الشارة إليها, ولذلك فإن ادعائهم كاذب والسبب الحقيقى لتجميد الحزب ووقف الجريدة هو حماية الفساد وأشكال الانحراف العديدة داخل مؤسسات الحكم. (2) ولتوضيح الظلم الذى وقع على حزب العمل من قبل حماة الفساد, نفند ما ادعوه أيضا بشأن الخلافات والصراعات داخل الحزب وأنها هى السبب وراء التجميد ووقف الجريدة – لتوضيح تهافت هذه الحجة – نذكركم أيضا بالخلافات والصراعات التى حدثت داخل حزب الأحرار (جمد الحزب ولم تغلق جرائده), والصراعات داخل حزب الوفد (لم يجمد الحزب ولم توقف جريدته), والصراع داخل حزب الغد (لم يجمد الحزب ولم توقف الجريدة), والصراع داخل الحزب الناصرى (لم يجمد الحزب ولم توزقف جريدته), كان الصراع داخل هذه الأحزاب صراعا عنيفا ومسلحا وعلى رئاسة هذه الحزاب, لكن الحكومة لم تتخذ الإجراءات التى اتخذتها مع حزب العمل فى مواجهة هذه الأحزاب, وهذه ليست دعوة لتجميد هذه الأحزاب ووقف جرائدها, بل بالعكس فإننا مع حرية الأحزاب وحرية الصحافة, وإنما هى دعوة لإنهاء تجميد حزب العمل وإطلاق جريدته, وهى دعوة لأن يكون الدستور والقانون هما المرجعية للتعامل مع الأحزاب والصحافة, وأن تكون فرص الأحزاب متساوية أمام القانون وأن يكون لها ما للحزب الوطنى – حزب الحكومة – وأن يتوقف اعتقاد الأجهزة وبالذات الأمنية منها أن نجاحها مقرون بملاحقة أحزاب المعارضة وتخريبها. (3) أذكركم أيضا لمزيد من التأكيد على تعطيل النظام والأجهزة للدستوروالقانون بما حدث فيما يسمى الانتخابات الرئاسية الماضية لكل من رئيسى حزبى الغد والوفد أيمن نور ونعمان جمعة, لقد جنى الرجلان ثمار تقديراتهما الخطأ. (4) لايفوتنى فى هذا الإطار أن أذكركم بما حدث لجماهير ونشطاء كفاية من الشباب والشابات فى مظاهرات كفاية السلمية لمواجهة المزيد من إفساد الأجهزة للحياة السياسية فى مصر, لقد تعرضوا للضرب والإهانة وهتك الأعراض بالمخالفة لأحكام المادة الرابعة والخمسين من الدستور. ثالثا: تنص المادة مائة وخمسة وستون على أن "السلطة القضائية مستقلة, وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها, وتصدر أحكامها وفق القانون". وتنص المادة مائة وستة وستون على أن "القضاة مستقلون, لا سلطان عليهم فى قضائهم لغير القانون, ولا يجوز لأى سلطة التدخل فى القضايا أو فى شئون العدالة". فى شأن هذا النص الدستورى المؤكد لاستقلال القضاء يقول المستشار طارق البشرى فى كتابه القيم "القضاء المصرى بين الاستقلال والاحتواء": "... ولكن قانون السلطة القضائية الذى صدر 1972 لم يتوخ الطاعة لأحكام الدستور فيما رسمه لقنوات العمل وتوزيع السلطات داخل الهيئة القضائية... إنه لم يلتوم بالنزاهة فى هذا الشأن, لأنه أقام من وزير العدل, وهو من السطة التنفيذية, مديرا للقضاء فى الكثير من جوانب هذا العمل, ولا يجادل أحد – فيما أظن – فى أن إدارة العمل هى جزء من "التدخل فى شؤنه", ولايجادل فى أن وزارة العدل هى فرع من السلطة التنفيذية..". ويقول المستشار طارق البشرى: ".. أن المادة (5) من قانون السلطة القضائية تجعل تشكيل المكتب الفنى لمحكمة النقض بقرار من وزير العدل... والمادة (12) تجعل قرارات تخصص القضاة بيد وزير العدل... والمادة (24) تجعل وزير العدل هو من يشكل النيابة العامة لمحكمة النقض... والمادة (26) تنص صراحة ... رجال النيابة العامة تابعون لرؤسائهم بترتيب درجاتهم ثم لوزير العدل"ويضيف المستشار طارق البشرى فى كتابه ".. والمادة (44) تنص على أن رئيس الجمهورية هو من يعين رئيس محكمة النقض.... ونلحظ أن المواد (121,79,78,45) تقضى بأن إدارة التفتيش القضائى للمحاكم وإدارة التفتيش القضائى للنيابة العامة, يتشكل كل منهما فى وزارة العدل بحسبانهما من أجهزة الوزارة..." والسؤال: هل بقى شىء من استقلال القضاء كما ينتص الدستور بعد هذا النذر اليسير الذى ذكرناه من كتاب المستشار طارق البشرى؟ وأليست مواجهة الدولة لتحركات القضاة ومطالبتهم بالاستقلال عن السلطة التنفيذية بهذا العنف والتشويه إنما يعد محاولة من السلطة التنفيذية لاستمرار بسط نفوذها على القضاة واحتوائهم؟ أليس قيام السلطة التنفيذية بإعار أو ندب أو تعيين القضاة فى أعلى المناصب بالسلطة التنفيذية محاولات منها لتخريب استقلال القضاء المنصوص عليه فى الدستور؟ رابعا: تنص المادة ستة وثمانون على أن "يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع ويقرر السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة كما يمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية, وذلك كله على الوجه المبين فى الدستور". وتنص المادة (95) من الدستور على أن "لايجوز لعضو مجلس الشعب أثناء مدة عضويته أن يشترى أو يستأجر شيئا من أموال الدولة, أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقاضيها عليه, أو ألأن يبرم مع الدولة عقدا بوصفه ملتزما أو موردا أو مقاولا". وتنص المادة (126) من الدستور على أن الوزراء مسئولين أمام مجلس الشعب عن السياسة العامة للدولة وكل وزير مسئول عن أعمال وزارته... ولمجلس الشعب أن يقرر سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم...". وتنص المادة الخامسة من القانون رقم 38 لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب على أن "مع عدم الإخلال بالأحكام المقررة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية, يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب: (1) أن يكون مصرى الجنسية, من أب مصرى. (2) أن يكون اسمه مقيدا فى أحد جداول الانتخابات, وألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب الغاء قيده طبقا للقانون الخاص بذلك. (3) أن يكون بالغا من العمر ثلاثين سنة ميلادية على الأقل يوم الانتخاب. (4) أن يجيد القراءة والكتابة. (5) أن يكون قد أدى الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفى من أدائها طبقا للقانون...". بالنسبة للمادة (86) الخاصة بتولى مجلس الشعب سلطة التشريع... ويمارس الرقابة على السلطة التنفيذية, والمادة (126) عن مسئولية الوزراء أمام مجلس الشعب وحق مجلس الشعب فى سحب الثقة من أحد نواب رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء أو نوابهم, فإننى أضع أمام القارىء نقطتين: الأولى: ما حدث بين مجلس الشعب ووزير الثقافة فاروق حسنى بشأن موضوع الحجاب واحتدام الصراع بين الأثنين, وعلى الرغم من أن مجلس الشعب أغلبية ومعارضة كان ضد تصريحات فاروق حسنى بشأن الحجاب وطالبوا بإقالته, إلا أنهم فى النهاية تراجعوا ولم يتمكنوا من سحب الثقة منه. الثانية: وهى توضح ما حدث فى النقطة الأولى.. أن السيد محمد رجب زعيم الأغلبية فى مجلس الشعب, صرح بصوت عال فى أحد البرامج الشهيرة فى التليفزيون المصرى, أن قيادة الحزب الوطنى تكلف مباحث أمن الدولة بجمع تحريات عن المتقدمين من الحزب الوطنى للترشيح لمجلس الشعب, هذا التصريح العلنى فى التليفزيون على مسمع من كل الناس يجعل السلطة التنفيذية فوق السلطة التشريعية, ويشكل إرهابا لمن يرغب فى الترشيح, ويقيد أعضاء السلطة التشريعية ويمنعهم من الحركة الفعلية لمراقبة الحكومة خوفا على استمرار عضويتهم فى المجلس... والسؤال: هل بقى قدر من الرقابة على السلطة التنفيذية.. وهل يجرؤ المجلس التشريعى على سحب الثقة من السلطة التنفيذية؟ وبالنسبة للمادة (95) من الدستور التى تنص على عدم جواز قيام عضو مجلس الشعب بأن يشترى أو يؤجر شيئا من أموال الدولة, وبالنسبة للمادة (5) من القانون رقم (38) لسنة 1972 فى شأن مجلس الشعب التى تنص على أن "..... ألا يكون قد طرأ عليه سبب يستوجب إلغاء قيده طبقا للقانون....", أرجو بالنسبة للمادتين المذكورتين مراجعة سيرة عدد من الوزراء أعضاء مجلس الشعب, وأخص بالذكر يوسف والى عندما كان عضوا بالمجلس ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا وأمينا عاما للحزب الوطنى, وأذكر أيضا سيرة وزير الإسكان محمد إبراهيم سليمان عندما كان عضوا بالمجلس ووزيرا.... الوزيرين لم يقترب منهما أحد.. هذا بالإضافة إلى جرائمهما, الأول: بالنسبة للفلاحين الغلابة عندما انتزعهم من الأرض التى تملكوها من الإصلاح الزراعى , وساعده فى ذلك أجهزة وزارة الداخلية فى الفيوم ومركز أبشواى, والثانى: ما فعله بالنسبة لعدد غير قليل من كبار المهندسين وما فعله أيضا مع غيره من الوزراء... والسؤال: لماذا لم تفعل النصوص الدستورية بشأن هذين الشخصين وغيرهما كثيرون... لماذا لم تفعل؟ يتضح مما ذكرنا وهو مجرد أمثلة قليلة لما هو موجود فى الواقع, أن المشكلة التى نعيشها فى مصر ليست فى الدستور القائم فهو نسبيا دستور محترم, وليست المشكلة فى تعديل بعض مواده, مع العلم أن التعديلات التى تمت من قبل السلطة التنفيذية وصدقت عليها السلطة التشريعية (مجلس الشعب) هى دسترة لمزيد من شخصنة الدولة فى واحد, اتلمشكلة ليست فى النصوص الدستورية – أى نصوص دستورية – وإنما فى شخصنة الدولة المصرية, أى فى توحد السلطتين التنفيذية والتشريعية مع علو قدر السلطة التنفيذية, وتوحد السلطتين فى رئيس الدولة وأجهزتها, هذا التوحد جعل مرجعية عمل ما يسمى بالسلطتسن ليس الدستور والقوانين وإنما رئيس الدولة والأجهزة بما يحفظ مصالح السلطة ومن يدورون معها, هذا هو التزاوج بين الثروة والسلطة, فى هذه الحالة نحجن لسنا إزاء حكومة تحكمنا, لأن مصطلح الحكومة مربوط بنظام دستورىوقانونى, وإنما نحن إزاء عصابة لا علاقة لها بدستور أو قانون.. هل أذكركم؟ إن قانون الطوارىء الذى نرفضه لا يطبق, وحتى ترفع العصابة الحرج عن نفسها قامت بدسترة عدم التزامها بضوابط قانون الطوارىء فى التعديلات التى أدخلتها على الدستور. المشكلة إذاً أننا إزاء عصابة تمكنت من مصر وشعبها, وهذا النظام العصابى – إن جاز التعبير – نتج عن شخصنة الدولة, أو إن شئت الدقة قل فرعنة الدولة, إننا نعيش عصر الدولة الفرعونية, إن الإنعتاق من هذه الدولة والدخول فى عصر الدولة الديمقراطية يتطلب إزاحة مجموعة الفراعنة المتمكنة منا ووضع أسس وقواعد الدولة الديمقراطية, وأبرز هذه الأسس: (1) الوقوف على طبيعة النظام السياسى المناسب.. هل هو النظام البرلمانى أم النظام الرئاسى؟ (2) إذا أخذنا بالنظام الرئاسى علينا أن نحد من طغيان السلطة التنفيذية عن طريق: (أ) رفع الشروط التعجيزية للترشيح للرئاسة سواء بالنسبة للأحزاب أو المستقلين. (ب) لا تزيد مدد شغل الرئيس لمنصبه عن مدتين كل مدة ست سنوات. (ج) الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية حتى لو تطلب إلغاء وزارة العدل. (د) الفصل بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية عن طريق تشكيل لجنة عليا للإنتخابات مستقلة وغير قابلة للعزل تتولى كل الإجراءات اللازمة للعملية الانتخابية. (ه) الإشراف الكامل من الهيئة القضائية على العملية الانتخابية. (و) إلغاء لجنة شئون الأحزاب وإيداع أوراق تأسيس الحزب لدى المحكمة الدستورية أو فى أمانة السلطة التشريعية. (ز) لا جريمة إلا بقانون ولا يتم القبض على المتهم إلا بإذن من القاضى والمتهم برىء حتى تثبت إدانته وإلغاء القوانين التى تشكل تمكينا للسلطة التنفيذية (وزارة الداخلية) من المواطنين مثل قانونى الطوارىء والإرهاب. ... هذه أمثلة لبعض القواعد وليست القواعد كلها التى تحفظ للدولة ديقراطيتها وتبعدها عن التوحد فى شخص وتحولها إلى عصابة... السؤال قبل الأخير: هل نحن أقل من موريتانيا أو السنغال أو جنوب أفريقيا؟ أما السؤال الأخير الذى تحتاج إجابته إلى ورقة أخرى هو: هل ستظل كامب ديفيد فوق الدستور والقانون؟