توقفت عن الذهاب الي دور السينما، مع مطلع السنة الجديدة، مكتفيا بمشاهدة الافلام حيث أقيم علي الشاشة الصغيرة مسجلة علي اسطوانات مدمجة "دي في دي"، وكان "حكاية لعب" جزء ثالث الفيلم الذي وقع اختياري عليه لأبدأ به المشاهدة علي هذا النحو. واختياري له دون غيره من افلام اخري كثيرة بعضها من روائع السينما العالمية انمايرجع الي أنه فيلم تحريك من انتاج "بيكسار" ذلك الاستديو المجدد، الذي احدث ثورة في فن الرسوم المتحركة، انطلقت به الي آفاق بلا حدود، وثانياً لأنه الفيلم الفائز بجائزة اوسكار افضل فيلم تحريك طويل "2010" فضلاً عن أنه كان مرشحاً ضمن الأفلام الروائية العشرة، للفوز بجائزة اوسكار افضل فيلم روائي طويل. علاوة علي أنه فاتتني مشاهدته عند طرحه للعرض العام، وذلك لأنه وكالمعتاد بالنسبة لأفلام التحريك لم يستمر عرضه سوي بضعة أيام، هذا الي أن معظم عروضه كان يحدد لها حفلات صباحية بعضها كان يلغي لعدم وجود عدد كاف من المشاهدين يسمح بتشغيل قاعة السينما علي نحو تجاري يتحقق معه ربح ولو ضئيل. والسؤال الملح، كأثر لهذه الظاهرة هو لماذا لا تنجح افلام التحريك عندنا، رغم رواجها في مشارق الأرض ومغاربها، ورغم أن مصر معظم سكانها في ربيع العمر، اي في ذلك السن الذي يجنح بأصحابه الي الاقبال علي مشاهدة هذا النوع من الافلام، لا العزوف عنه. ولقد ازعجتني اجابةعلي ذلك السؤال الملح، جاءت علي لسان استاذة فن التحريك بمعهد السينما، خلاصتها ان الصغار في مصر لا يقبلون علي مشاهدة الافلام التي من هذا النوع، لأن الشخوص المرسومة، والمتحركة فيها، تبدو لهم شخوصاً غير حقيقية، وذلك لأنهم ألفوا ان تكون الشخوص واقعية، من لحم ودم، وليست شخوصاً من صنع شطحات الخيال. فهذا يعني أن اجيالا من بناة مصر المستقبل، بات ينقصها اتقاد شرارة الشغف في القلب، علي نحو يضيء جبهتها ونظرتها، بحيث يكون في وسعها تخطي خيالات الشاشة، لتصل الي مفهوم الفن، والي ربط فروعه بعضها ببعض، ثم ردها الي ابداع الخيال، وشطحاته وليدة روعة الكون والجمال. وان هذه الاجيال، وقد فقدت هكذا ثقافة العقل والروح، وابتعدت عن مفهوم الفن كثيراً ضاق افقها، علي نحو عجزت معه عن ادراك قيمة إعمال الخيال، فكان ان انتهي بها الامر الي نبذ كل ما له صلة من قريب أو بعيد بروعة الكون العجيب وتمر الأيام، اسابيع بعد اسابيع، واذا بي اعود الي دور السينما لمشاهدة الافلام كالمعتاد، ولأمر ما، كان العود بفيلم تحريك اسمه "ريو" حقق نجاحاً كبيراً حيثما اتيحت له فرصة العرض العام باستثناء عرضه عندنا. ف "ريو"، وأحداثه تدور في ريو دي جانيرو عاصمة البرازيل، وقف الكارنفال السنوي الكبير حيث جموع الشعب ترقص في الشوارع وتغني السامبا.. فيلم، والحق يقال، متعة بصرية سمعية للصغار والكبار علي حد سواء. ويرجع مستواه الرفيع الي التقدم التكنيكي الهائل في صناعة التحريك، ومستلزماتها، وفي القدرة علي التلوين، بمراعاة ادق تفاصيل الضوء والظلال. يبقي لي أن اقول انني مثلما شاهدت "حكاية لعب" في البيت بمفردي، شاهدت بمفردي "ريو": في حفلة صباحية بقاعة السينما. كنت في كلتا المرتين، اشاهد الفيلم وحيداً ومن نعم ادارة دار السينما بمجمع هيلتون رمسيس علي سماحها بعرض فيلم ريو والقاعة خالية ليس بها الا مشاهد واحد شاء ركوب المخاطر، لا لسبب سوي انه محب لأفلام التحريك، منذ أن كان صغيراً!!