* لجنة شرف تسقط في يومين ومجلس الأمناء بغير اختصاصات وقرارات عشوائية وأداء مرتبك * الإعلام يدار بعقلية الأمن.. والأحذية سلاح المحتجين علي رئيس الاتحاد من حقائق العصر التي تكاد تصبح من البديهيات احتلال الإعلام لبؤرة اهتمام أنظمة الحكم بمختلف توجهاتها. وفي لقاء بالدكتور عصام شرف في بدايات توليه رئاسة الوزراء أكد سيادته أنه يضع علي قمة اهتماماته ثلاثة موضوعات الأمن والقضاء والإعلام. استبشرت برؤية الدكتور شرف وتوقعت أن يحتل الإعلام الرسمي المصري خاصة الإذاعة والتليفزيون المكانة اللائقة بمصر خاصة وأن العوائق التي حرمت هذا الإعلام من احتلال هذه المكانة قد زالت، وأن الثورة قد منحت هذا الإعلام الفرصة الذهبية لسبق يستحقه هذا الإعلام بعد أن أزيلت العوائق التي تكبل حرية التعبير. ومضت الأيام وأنا أتابع الإذاعة والتليفزيون، وأترقب صدور قرارات أو إجراءات تنعكس علي أداء الإذاعة والتليفزيون، لكنني وبعد مرور الشهور صدمتني حالة الانهيار التي وصل إليها أداء الإذاعة والتليفزيون، بعد أن صدرت القرارات التي أصابت اتحاد الإذاعة والتليفزيون في مقتل وأشاعت في هذه المؤسسة المهمة حالة من الاضطراب والتخبط تنذر بمزيد من الانهيار، والشواهد العملية التي لا تخفي علي عين من يملك الحد الأدني من المعرفة بطبيعة وملابسات وظروف العمل باتحاد الإذاعة والتليفزيون هذه الشواهد الكثيرة تؤكد أن من يملك اتخاذ القرارات الخاصة بالإعلام المصري لا يملك المعلومات الصحيحة ولا الرؤية الواضحة ولهذا نري جميع القرارات والإجراءات التي تمت حتي الآن قرارات مرتبكة وعشوائية. أولا: بعد لقاءات وحوارات مع الدكتور شرف رئيس الوزراء والدكتور يحيي الجمل مسئول ملف الإعلام. »كما ذكر الدكتور شرف« وبعد اتصالات ومذكرات وصلت إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة تتضمن اقتراحات لإنقاذ الاتحاد وتطويره قدمها عدد من العاملين الذين سمعوا وعودا كثيرة بدراسة مقترحاتهم، صدر فجأة قرار بتعيين الدكتور سامي الشريف رئيساً لمجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون. وكان هذا القرار المفاجئ مثار دهشة بالغة من كل من له صلة بالإعلام وليس فقط من العاملين بالاتحاد الذين استقبلوا القرار منذ اللحظة الأولي بالرفض المطلق. ولا يعني هذا طعناً في شخصية الدكتور سامي الشريف الأستاذ السابق بكلية الإعلام، لكن الدهشة من خبراء الإعلام ومن العاملين تتعلق بإمكانات الرجل وخبرته التي تؤهله لإدارة مؤسسة إعلامية بهذا الحجم التي تراكمت مشكلاتها المالية والإدارية والمهنية بدرجة خطيرة خلال أعوام الانهيار السابقة. * ثانياً: حاول الرجل مخلصاً أن يضع حلولا لبعض المشكلات غير أن خبرته في هذا المجال لم تسعفه فأصدر العديد من القرارات المتسرعة التي تزيد المشكلات تعقيدا. وحاول إرضاء جميع الأطراف، فخسر تأييد ورضا الجميع بعد أن تزايدت القرارات والإجراءات المتضاربة والمرتبكة التي أضافت الكثير من التعقيدات علي المشكلات المزمنة والمتراكمة. ووصل الأمر إلي حد إغلاق الممرات المؤدية إلي مكتبه لمنع موجات الاحتجاج الغاضبة التي تحاول الوصول إلي مكتبه كل يوم. وازداد الرجل عزلة، وتصاعد غضب العاملين إلي حد استخدام العاملين لعبارات خشنة وجارحة في هتافاتهم مطالبين برحيله، بل بلغ الأمر ذروته يوم الاثنين الماضي عندما قذف بعض المحتجين مكتب الرجل بالأحذية. وأمام هذا التصعيد الدرامي اضطر الرجل إلي الاستقالة بعد قرابة شهرين لا أكثر. * ثالثاً: بعد اكتشاف المسئولين مدي الخطأ الذي ارتكبوه في اختيار الشخصية التي اسندوا لها مسئولية القيادة العليا بأهم مؤسسة إعلامية تفتق ذهن العباقرة من مستشاري السلطة الحاكمة عن حل أثار دهشة أكبر فقد أعلن رئيس الوزراء عن تشكيل »لجنة« اختار لعضويتها عددا من الشخصيات بينهم عدد قليل ممن يملكون الخبرة في مجال الإذاعة والتليفزيون، وضمت اللجنة عددا من الشخصيات التي كانت ضالعة وبقوة في الفساد الإداري والمهني والمالي في عهود وزراء الإعلام السابقين. ولم يحدد القرار »مهام« لهذه اللجنة واكتفي رئيس الوزراء بتوجيه شفوي يطلب من هذه اللجنة أن تتحاور مع المحتجين بمبني ماسبيرو وأن تتعرف علي شكاواهم، واستقبل العاملون قرار تشكيل اللجنة بالرفض، وفشلت اللجنة في مجرد عقد اجتماعات مع العاملين لرفض الأغلبية الاجتماع باللجنة رغم محاولات عقد هذه الاجتماعات. ولم تستطع اللجنة أن تعقد الاجتماعات التي دعت إليها ولم تعقد اللجنة حتي اجتماعا لأعضائها لبحث وسيلة للتغلب علي رفض العاملين التعامل معها. وماتت اللجنة ب»السكتة« بعد أقل من أسبوع واحد من تشكيلها؟! رابعاً: في محاولة للاستجابة لبعض مطالب المحتجين أصدر رئيس الاتحاد قرارات ب»نقل« بعض القيادات التي يطالب المحتجون بإبعادها تماما من المبني، ولم تلب القرارات مطالب المحتجين بالنسبة لعدد آخر من القيادات، واستمرت الاحتجاجات التي وقف أمامها رئيس الاتحاد مرتبكاً وحائراً وعاجزا عن اتخاذ أي قرار لإعادة الانضباط الوظيفي أو لفتح حوار مع المحتجين للتوصل إلي فهم مشترك للمشكلات واقتراح الحلول لمعالجة هذه المشكلات. ومع استمرار الاحتجاجات والاضطراب الواضح في العمل تولي رئيس قطاع الأمن معالجة الموقف بالأساليب الأمنية العتيقة التي تري أن العنف وإرهاب العاملين كفيلان بإعادة الانضباط الوظيفي، وأغري الفراغ الناشئ من عزله رئيس الاتحاد، رئيس قطاع الأمن لتمديد سلطاته لتتجاوز مهام الأمن. وفشلت المعالجة الأمنية حتي في »فرض« الانضباط الوظيفي. * خامساً: مرة أخري فاجأ رئيس الوزراء الجميع بقرار تشكيل مجلس أمناء جديد لاتحاد الإذاعة والتليفزيون بنفس طريقة الصدمات الكهربائية التي تفاجئ الجميع بغير المتوقع؟! ورغم وجود عدد من الإذاعيين من أصحاب الخبرة المتميزة في الإذاعة والتليفزيون وشخصيات تتمتع باحترام وتقدير العاملين، فإن المجلس ضم عددا من الشخصيات التي لا تملك خبرة ولا تاريخا يؤهلها لإضافة مطلوبة في المجال المهني أو مجال إعادة هيكلة الاتحاد. الأخطر أن أحدا لم يحدد لهذا المجلس مهام محددة سواء مهام استراتيجية أو مرحلية بل اكتفي رئيس الوزراء بإصدار قرار تشكيل المجلس الذي وجد نفسه حائراً لا يعرف هل سيعمل وفق اللائحة القديمة التي لا تعطيه أية سلطات، أم انه سيصدر لائحة جديدة تحدد مهامه وسلطاته بما يتناسب مع الظروف الموضوعية الجديدة؟! ونتيجة لهذا الوضع العشوائي اتخذ كل عضو الموقف الذي يراه محققاً لوجهة نظره، فقد صرح الشاعر فاروق شوشة بأنه لن يشارك في المجلس إلا إذا كان لهذا المجلس صلاحيات وسلطات تنفيذية تكفل للمجلس المساهمة عمليا في وضع الخطط والسياسات والإشراف العملي علي التنفيذ. بينما قرر بعض الأعضاء الانتظار حتي يتضح الموقف الذي لم تتضح معالمه حتي الآن، وأصبح المجلس مشلولا أو مجمدا حتي إشعار آخر؟! أما أحد أعضاء المجلس »أحمد المسلماني« فقد قرر منفردا أن يمارس مهامه كعضو بمجلس الأمناء »منفرداً«؟! فأعلن في برنامجه التليفزيوني بقناة دريم »الطبعة الأولي« انه قرر استقبال المحتجين والتعرف علي مشكلاتهم ومطالبهم ثم يحمل هذه الطلبات الي رئيس الوزراء لاتخاذ القرارات التي تلبي هذه المطالب. وأكد السيد المسلماني انه خاطب رئيس الوزراء وعرض عليه الأمر وأن رئيس الوزراء رحب بالفكرة ووعد بتنفيذ ما يطلبه السيد المسلماني لحل مشكلات العاملين. وهنا أرجو أن أسمع من أي إنسان وصفاً لمثل هذا الأسلوب في »الإدارة«؟!! وهل قرار السيد المسلماني أن يتحرك »منفرداً« بمباركة من رئيس الوزراء يتناسب مع اسلوب الإدارة في مؤسسة بالغة الأهمية لأحد أعضاء مجلسها القيادي وبعيدا عن هذا المجلس؟! هذا التصرف وحده أراه دليلاً قاطعاً علي مدي العشوائية والاضطراب وعدم وضوح الرؤية في إدارة مؤسسة إعلامية بحجم وأهمية اتحاد الإذاعة والتليفزيون. ولا يعني هذا طعناً في السيد المسلماني الذي اعتقد انه يحاول مخلصا أن يتحرك باجتهاده الشخصي وبنية حسنة. لكن هذا الخلل البشع يتحمل مسئوليته كاملة الوزارة والمجلس الأعلي للقوات المسلحة المسئولان عن هذا الأسلوب في اتخاذ القرارات. * سادساً: هذا الاضطراب الوظيفي الخطير نشأ عنه بطبيعة الحالي »فراغ« ملأه كل فريق أو حتي كل شخص بطريقته ونظرته الخاصة. ومثل هذه الحالة قد تكون مخاطرها محدودة الأثر علي حسن إدارة أي مؤسسة، لكنها في مجال مؤسسة إعلامية تصبح نتائجها »كارثية« بكل المعايير. ومن يتابع الإذاعة والتليفزيون سوف يكتشف بسهولة أن ما تبثه الإذاعة والتليفزيون من برامج يحمل العديد من الرسائل الإعلامية المرتبكة والمشوشة، وأن هذه الرسائل تخضع للاجتهادات الشخصية لمعدي ومقدمي البرامج ولا تصدر عن نسق واحد تحدد بخطط تحدد الأهداف والأساليب لأداء هذه الرسالة. والنتيجة الطبيعية في مثل هذه الحالة أن تصدر عن هذه المؤسسة الإعلامية رسائل متضاربة ومتعارضة في أحيان كثيرة مما يسبب للمستمع والمشاهد تشويشاً وتفقد الرسالة الإعلامية في هذه الحالة القدرة علي التأثير بل يفقد المستمع والمشاهد الثقة تماما في مثل هذه المؤسسة التي لا يستطيع أن يتعرف علي »هوية« وطبيعة الرسالة الإعلامية التي تصدر عنها. هذا هو الحال في اتحاد الإذاعة والتليفزيون المفترض انه الصوت الرسمي للدولة المصرية في عهد »ثورة الشعب« والمفروض أن يتولي توجيه رسائل إعلامية تسهم في تحقيق أهداف ثورة الشعب المصري، وفي مرحلة انتقالية بالغة الخطورة والحساسية يقوم فيها »الإعلام« بمهام هائلة ويتحمل مسئولية ثقيلة في مجال التنوير وتشكيل اتجاهات الرأي العام. والمؤسف حقاً أن هذا الإعلام الرسمي لمصر قد فقد دوره في ظل النظام السابق نتيجة لتسخيره للدعاية لشخص الحاكم وتقييد حرية التعبير بصرامة مما أفقده تماما ثقة الجماهير في مصر وفي الوطن العربي كله. واليوم وبعد أن أطاحت ثورة الشعب بالنظام السابق وكسرت كل القيود علي حرية التعبير فقد منحت هذه الظروف الجديدة إعلام الدولة فرصة ذهبية ليسترد عافيته ومكانته الطبيعية علي القمة وسط الإعلام المنافس. اليوم يملك هذا الإعلام »المفتاح السحري« لنجاح أية مؤسسة إعلامية وهو »حرية التعبير« وبأعلي سقف لا يحدده إلا المسئولية الوطنية والأخلاقية والمهنية، ورغم ذلك يفرط هذا الإعلام في هذه الفرصة، بل انه يواصل الانحدار والتخبط والانهيار. وأكرر هنا أن المسئولية الكاملة عن هذا الانهيار تتحملها أجهزة الحكم التي تصدر القرارات والتي تتعامل - حتي الآن - مع الإعلام المرئي والمسموع بأسلوب مرتبك وعشوائي، وتتخذ القرارات التي أثبتت التجربة العملية أنها قرارات خاطئة تماماً. ولا شك أن أسلوب هذه الأجهزة في اتخاذ القرارات بالاعتماد علي معلومات واستشارات من جهات أو أشخاص لا يحسنون المشورة أو لا يملكون المعلومات الموثوقة هو السبب في هذا التخبط والعشوائية التي تتسم بها معالجة موضوع الإذاعة والتليفزيون. يبقي أن أنصح المجلس الأعلي للقوات المسلحة ووزارة الدكتور شرف بأن يعيدا النظر في أسلوب معالجتهما لمشكلات الإعلام المرئي والمسموع. واقترح أن يتم عقد مؤتمر سريع يضم الخبراء الحقيقيين في هذا المجال خاصة من مارسوا العمل في هذه المؤسسة. ومن خلال ورش عامة جادة ومعايير مهنية علمية في الإعلام وإدارته ومهامه، من ورش العمل هذه تتضح وسائل إنقاذ اتحاد الإذاعة والتليفزيون وإعادة تأهيله وتطويره ليحتل المكانة اللائقة بدولة بحجم وأهمية مصر وليتمكن من أداء الرسالة التي يتحمل أمانتها في ظل ظروف يتعاظم فيها تأثير الإعلام علي الجماهير وفي مواجهة رسائل إعلامية سلبية بل ومدمرة تتدفق من مئات الفضائيات الناطقة بالعربية علي مدار ساعات الليل والنهار. والحل لن يكون بالمنع أو المراقبة أو خطب الوعظ.. الحل الناجع بتقديم البديل المتميز القادر علي تقديم رسائل إعلامية قادرة علي كسب ثقة المستمع والمشاهد. فهل تستجيب السلطات المعنية لنداء الإنقاذ أم أنها سيتواصل أسلوب القرارات العشوائية الصادمة، ويواصل إعلام الدولة الرسمي الانهيار حتي يخرج تماما من ساحة المنافسة وتنفرد مؤسسات أخري بالجماهر العربية لتبث رسائل لها أجنداتها الخاصة؟!