يبدو ليل الرئيس المعزول محمد مرسي في الفيلا العسكرية التي يقيم بها بعد عزله عن الحكم في 3 يوليو الماضي بلا آخر، حتي اللحظة لا يصدق مرسي ما جري، وهل ما حدث حقيقة أم أنه كابوس لابد أن يفيق منه يوما ما. كل ما يذكره المعزول الآن ولا يفارق خياله أبدا الحوار الذي دار بينه وبين الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع بعد إلقاء خطابه الأخير الذي تحدث فيه عن الشرعية أكثر من مرة، وهدد بتحويل البلاد إلي بحور من الدماء إن تم خلعه من الحكم لأن أول رئيس منتخب في أول تجربة ديمقراطية عرفتها مصر بعد ثورة 25 يناير وإسقاط مبارك، وقتها أظهر له الفريق أول السيسي «سي دي» فيها حشود ملايين المتظاهرين الذين هتفوا برحيله ثلاثة أيام، في حين أنه قال ل السيسي إن عددهم لا يتجاوز 130 ألف متظاهر بأي حال من الأحوال، وبعدها عهد وزير الدفاع إلي ضابطين من الحرس الجمهوري بمرافقته إلي دار الحرس الجمهوري قبل أن يتم نقله إلي مقر آخر ثم إلي الفيلا العسكرية التي يقيم بها حالياً خارج القاهرة. حتي اللحظة لا يصدق مرسي أن خلع وعزل من الحكم، كيف يتم ذلك وهو لم يمض عليه في الرئاسة سوي عام واحد فقط؛ وقد اعترف في خطابه الأخير بارتكاب أخطاء وأن الفلول والدولة العميقة والبلطجية والعلمانيين يحركون الشارع ضده، ولكن الشعب المصري صبر علي مبارك حوالي 30 عاماً ثم قام بخلعه، فكيف لا يصبر عليه سوي عام واحد فقط؟، لقد زور مبارك الاستفتاءات وانتخابات 2005 حتي يستمر رئيساً طوال تلك الفترة، ولكني رئيس منتخب وديمقراطي، صحيح أنه فاز بفارق ضئيل علي الفريق أحمد شفيق، ولكنه منتخب وشرعي ولديه الشرعية؟ لحظات المكاشفة والحساب مع النفس قليلة مع الرئيس المعزول مرسي في الفيلا التي يقيم بها، كل ما هو متأكد منه أنه كان ضحية مؤامرة كونية عالمية أطاحت به، شاركت فيها أمريكا والخليج وإسرائيل والفلول والأقباط لإزاحته من الحكم لانهم يرفضون الإسلام والشريعة ولا يقبلون بفكرة إحياء الخلافة الإسلامية التي يريد استعادة أمجادها الآن بعد نضال جماعة الإخوان 83 عاماً. وها هو كل شيء ينتهي الآن في لحظة واحدة، كثيراً ما يسأل مرسي نفسه في عزلته الإجبارية هل تأخر في عزل الفريق السيسي؟ لقد حاول الإطاحة به ولكنه فشل؟ ولكنه لم يتوقع أبدا ألا ينحاز وزير الدفاع إلي الشريعة التي يمثلها؟ وهل أخطأ بقبوله الترشح لانتخابات الرئاسة بديلاً لخيرت الشاطر بعد استبعاده؟ ان القرار لم يكن قراره، لقد كان قرار مكتب الإرشاد ولم يكن عليه سوي السمع والطاعة، ولقد تحمل نقد الصحافة ووسائل الإعلام طوال فترة حكمه، بما لم يحدث مع رئيس آخر من قبل ولا من بعد، وقد تحمل كل هذا بسبب بريق السلطة وكرسي الحكم، ولكن كل هذا زال الآن وربما قبل الأوان. ما يزعج الرئيس المعزول حقا ويطارده ليل نهار وأحال حياته إلي جحيم، هو المحطة التالية له بعد حجزه في الفيلا العسكرية التي يقيم بها الآن.. هل ينتقل إلي سجن طرة بجوار مبارك ليحاسب عن الجرائم المتهم بارتكابها من الهروب من سجن وادي النطرون إلي قتل المتظاهرين إلي التخابر مع دولة أجنبية؟ إن بعض عقوبات تلك الجرائم هي الإعدام والإعدام فقط فهل تنتهي حياته في لحظة بعد ان كان رئيسا منذ عدة أيام فقط؟ إنه لا يتصور نفسه وقد لف حبل المشنقة حول رقبته مثل صدام حسين لأنه في اعتقاده لم يكن مجرما مثله، بل كان أستاذا جامعيا وأحد قيادات الإخوان وأخلص للجماعة وللمشروع الإسلامي، ولكن حجم المؤامرات والخيانات كان أكبر مما يحتمل ولعله يتذكر هنا إحدي كلمات الكاتب الإنجليزي الساخر «برنارد شو» الذي رفض جائزة نوبل يوما ما.. لقد غامرت.. كأنني واحد من الصبية اللاهين فوق قمم الموج.. مثلهم أحاول تطويع كيس منتفخ بالهواء.. صيفاً بعد صيف.. أياما طويلة.. في بحر من المجد.. لكن البحر كان عميقاً.. عميقا جدا.. أعمق مما أستطيع اللهو فيه».