يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين أدركت مؤخراً الخطر الحقيقي الذي حل عليها بعد الغضب الشعبي الذي أطاح بمحمد مرسي الرئيس المعزول وممثلها رسمياً في السلطة، الأمر الذي سيُزعزع من قوة جماعة الإخوان في العالم والمعروف ب «التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين». وعلى الرغم من تأخر «الجماعة» في مصر في استيعاب المطالب الشعبية، إلا أن «التنظيم العالمي» أدرك الخطر الذي حل به وقرر تداركه سريعاً للحفاظ على مملكة وعرش التنظيم: الكيان الأكثر تنظيماً على مستوى العالم، وذلك وفقاً لتقارير المتابعين والمراقبين لأداء للجماعات الإسلامية. وفي محاولة للتشبث بأحلامه أخرج التنظيم من خزائنه قصاصة صغيرة تُخبئ بداخلها الخطة البديلة للحفاظ علي الجماعة وهي ضرورة الانشقاق عن القيادات الذين أساءوا إلى «التنظيم العالمي» و«الجماعة» في مصر. فقد ظهر علينا منذ يومين ما يسمى ب «أحرار جماعة الإخوان المسلمين» أعلنوا في بيان رسمي انشقاقهم ليس عن «الجماعة» ولكن عن قياداتهم الذين أساءوا إلى الدين والوطن, وقال البيان: «انشقاقنا ليس عن جماعة الإخوان وإنما عن قياداتنا التي تدعونا إلى ما يخالف تعاليم الدين ومصلحة الوطن. كما نناشد قياداتنا أن يعودوا إلي رشدهم ويعطوهم الفرصة في التعبير عن أنفسهم بطريقة سلمية وعدم دفع البلاد إلى بحور من الدم وقودها وضحاياها شباب الجماعة». بهذه الكلمات منح «التنظيم» الكبير قبلة الحياة لجماعتهم في مصر واهمين المصريين والمجتمع الدولي بأن من عاثوا فساداً هم أشخاص لهثوا خلف السلطة متناسين الإسلام وتعاليمه وهموم الوطن والمواطن ومبدأ إعلاء المصالح الشخصية. غير أن الواقع، يشير إلي أن السمع والطاعة العمياء مباديء أصيلة يُصبغ بها كل من تطأ أقدامه جماعة الإخوان المسلمين للانضمام إليها ويطبق ذات المبدأ على من هم من أبناء «الجماعة» الذين ينضمون لها بالتبعية. وعلى الرغم من شدة قوة أواصر تلك المباديء فقد شهدت الجماعة حالات خروج عليها عديدة وأبرزها الدكتور محمد حبيب نائب المرشد السابق والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور كمال الهلباوي وثروت الخرباوي وجميعهم من القيادات وأسماء كان لها وزنها داخل «الجماعة» ولكنها خرجت وحملت في طياتها النهج الأصيل الذي تربوا عليه طوال العقود التي أمضوها داخلها. ومن المعروف أيضاً عن جماعة الإخوان التنظيم الشديد والذي يشبه في جنباته تنظيم دولة بأكملها، ولا يشبه تنظيمها أي تنظيم أو مجموعة عادية مثلما هو معتاد؛ فليس من الطبيعي مثلاً أن تنشق مجموعة كاملة من داخل «الجماعة» لتعطي مساراً للتصحيح أو تنشئ بمفردها كياناً آخر قد يكون منبثقاً في مضمونه منها؛ كما يؤكد عدد من الباحثين في شئون الجماعات الإسلامية. وقد وصف أبوالعز الحريري البرلماني السابق انشقاق «أحرار جماعة الإخوان المسلمين» عن قيادات الصف الأول بالطُعم الكبير الذي يريد «التنظيم العالمي» اصطياد المصريين به بعد الفشل الذريع الذي سقط في بئره جماعة الإخوان، مشيراً إلى أن جماعة الإخوان ليست مجرد كيان مصري يطمح في السلطة؛ بل هو تنظيم عالمي وكيان كبير يطمع في خلافة عالمية يحكمها ذلك التنظيم المريب الذي تحوم حوله شبهات كثيرة بشأن التمويل والأموال الطائلة التي يمتلكها ومصادر تمويلها. وطالب «الحريري» المصريين الشرفاء بعدم الانجرار وراء تلك المجموعة مُدعية الانشقاق، مضيفا: «أن تلك المجموعة انشقت عن قيادات اتحرقت خلاص ولا ينبغي أن تعود لأن الناس كرهوها، وأملهم الآن هو التجديد الخارجي وليس الداخلي وكلنا عارفين جماعة الإخوان دول إيه وعاوزين إيه.. وكل ما يريدونه وهو تغيير أشخاص بأشخاص وليس أفكارا بأفكار». وأبدى نبيل عبدالفتاح مدير مركز الأهرام للدراسات التاريخية تعجبه الشديد من ظهور هذه المجموعة في هذا الوقت بالتحديد، موضحاً أن القيادات التي طالبت تلك المجموعة بالانشقاق عليهم لم يظهر عليها معالم الانحراف عن مبادئ وتعاليم الجماعة فجأة بل هو منذ زمن بعيد جداً؛ مؤكداً أن الحديث الآن عن الانشقاق لعبة جديدة من ألاعيب «الجماعة» ومن يدعمها خارجياً للعودة إلى المشهد السياسي وقبول الشارع المصر لهم من جديد.