تنتابك حيرة شديدة وأنت تحاول العثور علي وصف لرجل صناعة في حجم المهندس محمد فرج عامر، رئيس مجموعة فرج الله للصناعات الغذائية.. توصلت إلي أن أدق وصف يمكن أن يوصف به هذا الرجل أنه قلعة صناعية عملاقة تسير علي قدمين ولها عقل مفكر ومدبر.. يرهقك وأنت تحاوره من تنوع ثقافاته وغزارتها.. تتعلم منه كيف تكون طموحاً وناجحاً.. النجاح عنده ليس له سقف أو أبعاد.. الأرقام والإحصائيات المتعلقة باستثماراته وإنتاجه ومبيعاته وصادراته تؤكد أنه واحد من أهم صناع الغذاء في الشرق الأوسط.. يؤكد فرج عامر أن مصر تستورد 60٪ من غذائها، وأن المحاصيل الزراعية في تناقص مستمر. يرى أن مدينة برج العرب لاتزال غارقة في المشاكل. يشدد علي أهمية قطاع السياحة لمصر لأنه يستهلك 40٪ من الصناعات الغذائية. يناشد جموع المصريين الحفاظ على مصر مع رجل الصناعة الأشهر في مصر.. كان الحوار التالى: فاجأت المهندس فرج عامر بسؤال عن رؤيته ليوم 30 القادم وتوقعاته لهذا اليوم المرتقب فأجاب بتلقائية شديدة: - لن أخوض معك أي كلام يتعلق بالسياسة ولكن أحب أن أناشد جموع المصريين بمختلف طوائفهم وتياراتهم السياسية والفكرية الحفاظ علي مصر.. مصر الكيان والقيمة الكبيرة جداً. منذ متى وأنت تعمل في مجال الصناعات الغذائية وكيف كانت البدايات؟ - إنه تاريخ طويل يمتد لأكثر من 40 عاماً، عانيت خلال هذا المشوار الحافل أشد المعاناة، بدأت صغيراً عام 1973 بمصنع صغير في مدينة كفر الدوار، وكان أول استثمار في مدينة برج العرب عام 1980، وكما تري فقد كبرت المجموعة وتطورت بفضل جهود العاملين بها علي مدار هذا التاريخ منذ النشأة إلي الآن. باعتبارك رئيسًا لجمعية مستثمرى برج العرب.. سمعنا كثيراً عن إغلاق العديد من المصانع وهجرة الأتراك بسبب تردى أحوال المدينة.. ما صحة ذلك؟ - بداية أحب أن أوضح أن إنتاج مدينة برج العرب يشكل40٪ تقريباً من إنتاج الصناعة المصرية، ويوجد بالمدينة نحو 1900 مصنع بين كبير وصغير ومتوسط وهذه المصانع تعمل في مناخ وظروف شديدة الصعوبة.. فلك أن تتخيل أن هناك ما يقرب من 266 مصنعاً تم إغلاقها خلال السنوات الثلاث الأخيرة لأسباب متنوعة. ولاتزال المدينة تعاني انقطاع الكهرباء المفاجئ والذي يؤثر علي المصانع سلبياً ويكبدها خسائر كبيرة ولك أن تتصور أن مصنعاً من المصانع تكبد 50 ألف جنيه خسائر نتيجة تذبذب التيار الكهربائى وانقطاعه المفاجئ من بين مشاكل المدينة أيضاً بعيداً عن هجرة بعض المصانع التركية، خاصة التي تعمل في مجال الغزل والنسيج والملابس الجاهزة، هناك مشاكل المواصلات وهي المشاكل التي تعاني منها علي مدار 30 سنة، وأنفقنا ما يقرب من 760 مليون جنيه لتسيير قطار يربط بين الإسكندرية وبرج العرب وضواحيها دون جدوى، يضاف إلي ذلك المشكلة المتعلقة بالصرف الصحى، وارتفاع أسعار المياه والذي وصل سعر المتر إلي 10.75 قرش، ناهيك عن مشكلات الإضرابات العمالية، وعدم توافر الغاز والسولار بالقدر الكافى لتشغيل المصانع وأساطيل النقل بالمصانع. ولا أخفي عليك سراً إذا قلت لك إننا أنفقنا 24 مليون جنيه علي مشروع محطة الصرف الصناعي ولم يتم توصيل الشبكات إلي الآن. قاطعت المهندس فرج عامر قائلاً: ولكن الدولة تساندكم بشكل كبير خاصة فيما يتعلق بدعم الصادرات واختصار إجراءات استخراج التراخيص وتيسير النظم الجمركية؟ - أتفق معك بأن برنامج مساندة الصادرات من أهم وأنجح البرامج التي وفرتها الحكومة للشركات الكبيرة المصدرة ولكن لاتزال هناك عمليات تأخير وبيروقراطية شديدة في عمليات الصرف، فلنا -مثلاً- متأخرات في صندوق دعم الصادرات بوزارة الصناعة والتجارة تصل إلي 27 مليون جنيه، ومعدلات الصرف بطيئة جداً، الأمر الذي يشكل ضغطاً علي الصناع رغم أن الدعم للصناعات الغذائية لا يشكل سوي 6٪ في الوقت الذي تصل صادرات القطاع إلي أكثر من 35٪ من إجمالي صادرات مصر. أما بالنسبة لإجراءات التراخيص والنظم الجمركية فقد أصبح هناك تيسيرات كبيرة عن ذي قبل، ولكن لاتزال -أيضاً- هناك بعض المشاكل المتعلقة بخطاب الضمان في هيئة التنمية الصناعية، فالهيئة تقوم بمد فترة خطابات الضمان وفي كل مرة تحصل علي 50 جنيهاً علي متر الأرض، ثم تطلب خطابات ضمان جديدة لتحصيل أموال جديدة، بالإضافة إلى ذلك أن إجراءات استخراج التراخيص لاتزال بطيئة وتستغرق وقتاً طويلاً. هل نستطيع القول إذن إن الصناعة في تدهور؟ - لا نستطيع أن نقول في تدهور لأن هناك حجم نمو معقولاً رغم الأحداث التي تمر بها مصر، ولكننا نستطيع أن نقول إن الصناعة خاصة الصناعات الغذائية في محنة شديدة وتسبح ضد التيار، فالعمل غير منتظم، والإضرابات العمالية تكبد المصانع خسائر رهيبة، ولا يعقل أن ميناء في حجم ميناء السخنة لا ينتظم العمل فيه، ولا يعقل -أيضاً- أن يبحث الصناع عن الدولار في كل مكان لشراء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام اللازمة لتشغيل المصانع في ظل ارتفاع أسعارها عالمياً، ناهيك عن ارتفاع أسعار النقل وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المياه وعدم توافر السولار كما قلت لك قبل ذلك. أعداد كبيرة من الصناعيين يرددون بين وقت وآخر أن فقدت مصر أسواقاً وعملاء كثيرين خاصة بعد الثورة.. ما صحة ذلك؟ - نعم مصر فقدت أسواقاً وعملاء، ومن فقدناه لن نستطيع العودة إليه مرة أخرى بسهولة مع الأخذ في الاعتبار أن هناك انخفاضاً كبيراً في القوة الشرائية نتيجة انخفاض دخول شريحة كبيرة من المواطنين. ولكن تصريحات المسئولين في الحكومة خاصة وزراء المجموعة الاقتصادية كلها تدعو للطمأنينة والتفاؤل.. أليس ذلك؟ - تصريحات المسئولين وردية وليس لها علاقة بالواقع، والدولة تعمل في واد والصناع في واد آخر، والمجتمع لا يشعر بالصانع والظروف التي يعمل فيها مع الأخذ في الاعتبار أن أبجديات الاستثمار هي البيئة الصحية والأمن والاستقرار، ورغم كل هذه الظروف والعوامل المعاكسة فقد قمنا في مجموعة فرج عامر بافتتاح 5 مصانع جديدة بعد الثورة. هل معنى كلامكم أن مستقبل الصناعات الغذائية في مصر غامض ويدعو للقق؟ - إطلاقاً، الصناعات الغذائية تنمو بشكل كبير، ولا بديل عن التطوير المستمر حتي نستطيع المنافسة مع الشركات العالمية التي أصبحت تعتمد علي أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العالمية، خاصة أن مصر أصبحت قاعدة صناعية وتصديرية كبيرة، وأستطيع أن أقول إن الصناعات الغذائية تمتص 25٪ من العمالة بجانب تشغيل مئات من الصناعات الأخرى. خلال السنوات العشر الأخيرة افتتحت في مصر عشرات سلاسل السوبر ماركت ومنها سلاسل أجنبية مثل كارفور وماكرو وغيرهما.. هل تعتبر ذلك ظاهرة صحية؟ - نعم ظاهرة صحية، فهذه السلاسل تفتح بيوت شباب يعملون بها وتعمل علي إنعاش السوق المحلي وتسهم بشكل كبير في تحجيم الأسعار وتصريف منتجات الشركات المنتجة، وهذا يحدث في جميع دول العالم التي تمتلك قاعدة صناعية منتجة، يضاف إلي كل ذلك أن مصر بلد كبير وضخم ويمتلك جميع عناصر النجاح وجذب الاستثمارات. كم يصل عدد الدول التي تقوم بالتصدير إليها في المجموعة؟ - نصدر إلي نحو 200 دولة وهو بمثابة إنجاز كبير للصناعات المصرية. هل ترى أن تراجع معدلات الليالى السياحية في مصر أثر سلباً علي مبيعات المصانع؟ - بدون شك، فقد تأثرت المصانع المنتجة لجميع المنتجات الغذائية بشكل كبير نتيجة تراجع السياحة في مصر، خاصة أن السياحة تلتهم نحو 40٪ مما تنتجه المصانع. وكيف تري مشكلة إثيوبيا الخاصة ببناء سد النهضة؟ - أنا مستاء جداً من هذا الموضوع ولابد أن تتخذ الدولة خطوات جادة في هذه القضية لأن بلدنا من بلدان الفقر المائي. هناك انفلات في أسعار العديد من السلع بدءًا من اللحوم وانتهاء بأسعار البقوليات والخضر والفاكهة.. كيف يمكن السيطرة أو تحجيم هذه المشكلة؟ - ارتفاع الأسعار ظاهرة عالمية في العديد من الدول، وفي مصر ساعد تآكل الرقعة الزراعية، وقلة الموارد المالية علي انخفاض المساحة المنزرعة وبالتالى قلة المحاصيل، الأمر الذي يدفعنا إلي استيراد العديد من السلع الغذائية وأستطيع أن أؤكد لك أن 60٪ من غذائنا مستورد نتيجة قلة الحاصلات الزراعية، ووصل الأمر إلي استيرادنا للبسلة والفاصوليا من دول مثل كندا والصين وبلجيكا وهولندا، وأرى أن أمن مصر الغذائى قضية أصبحت في منتهي الخطورة. ما الحلول من وجهة نظركم؟ - لابد من رفع إنتاجية الفدان، وزيادة الرقعة الزراعية مع الاهتمام بالبحث العلمي والتعليم وغرس الانتماء في نفوس الأجيال الصاعدة، والحفاظ على حصة مصر من المياه لأننا فقدنا نحو 35٪ من المياه، ولابد من توفير مصادر بديلة للطاقة. لدينا عجز فاضح في الثروة الحيوانية ونضطر لاستيراد كميات ضخمة تستنزف موارد البلاد من النقد الأجنبي.. كيف يمكن النهوض بهذه الثروة في مصر؟ - نستورد نحو 400 ألف طن لحوم سنوياً وتشكل نحو 45٪ من استهلاك السوق المحلى، وللنهوض بالثروة الحيوانية لابد من التوسع في إنشاء المزارع النموذجية الحديثة، واختيار سلالات جيدة مع الاهتمام بالقطيع منذ الولادة، وعند تحقق هذه العوامل سيصبح لدينا اكتفاء ذاتي من اللحوم، بالإضافة إلى منتجات ألبان متنوعة وجيدة جداً، مع العلم أن مصر ثاني أغلي دولة في العالم في الألبان بعد اليابان، فسعر لتر اللبن أغلي من فرنسا وإنجلترا وأمريكا وكندا والدنمارك. وما المطلوب من الدولة للنهوض بالصناعات الغذائية؟ - الصناعات الغذائية تتميز دون غيرها من الصناعات الأخري بأنها قابلة للنمو بلا حدود، ولابد أن تشجعها الدولة، خاصة الصناعات ذات القيمة المضافة، والحكومات في كل دول العالم تهتم بالصناعات الغذائية وتمنحها حوافز ضريبية ودعماً وإذا نظرنا إلي دولة مثل اليابان سنجدها تعاني من ضعف الموارد الطبيعية ومع ذلك تمنحها الدولة حوافز كبيرة للغاية بما فيها الأبحاث العلمية المتقدمة جداً، ولك أن تتخيل -مثلاً- أن العبوات التي يتم تعبئة المنتجات بها سيتم إنتاجها خلال السنوات القليلة القادمة مع القمح تماماً مثل الكرتون والزجاج، فالدولة المصرية لابد أن تمنح المصانع إعفاءات ضريبية خاصة المصانع التي تعمل صناعات تكميلية، مع الاهتمام بالمزارع بالدرجة الأولى، مع رفع قيمة منتجه، فمصر كانت -مثلاً- تستورد الصلصة وعصير الطماطم وتلاشى ذلك بعد تطور الإنتاج من الطماطم وتوافره بكثرة فى السوق المحلى. بعيداً عن الصناعة والاقتصاد.. هل الرياضة أصبحت استثماراً في الوقت الحالى؟ وكيف نهضت بنادى سموحة؟ - نعم الرياضة أصبحت استثماراً يدار بأسلوب علمي يتطور يوماً بعد الآخر، أما النهوض بنادي سموحة فذلك يرجع إلي أعضاء النادى ومحبيه ومجلس الإدارة، والحمد لله أن سموحة أصبح عملاقاً رياضياً واجتماعياً ويبقي فخراً لأعضائه ومحبيه.