غنيّتُ لنهر النيل علي سطح مجراه بالمنصورة الجميلة ثم تغرّبت إلي الجنوب علي بعد ثلاثة آلاف كيلو متر فوجدت النيل الأزرق يقابل النيل الأبيض ويتحدان معاً في مجري واحد يتجه بقوة نحو مصرنا العزيزة حاملاً لها الخير والنماء العظيم.. ووقفت مع حبيبة المنصورة علي كوبري أم درمان نغني.. أنا وحبيبي يا نيل نلنا أمانينا.. مطرح ما يرسي الهوي ترسي مراسينا.. كما قالتها أم كلثوم. - وغنيّت لنهر الراين العظيم علي الشاطئ الفرنسي عند بقايا خط ماجينو الحربي، ثم غنيت له علي الشاطئ الألماني عند أطلال خط سيجفريد العسكري المواجه لفرنسا في الحرب العالمية الثانية التي انتهت بهزيمة فكرة الحرب الضروس وحل محلها السلام علي البلدين شركاء اليوم في نهر الراين القادم بقوة من مرتفعات سويسرا يفتت الصخر في طريقه حتي يصل إلي بحر الشمال المواجه لبريطانيا. - وغنيت لنهر الدانوب العظيم القادم بقوة من الغابة السوداء في ألمانيا مخترقا النمسا وعاصمتها الأسطورية فيينا، حيث غنينا له مع حبيبة المنصورة (رحمها الله) اسمهان.. أغنية اسمهان الشهيرة.. ثم غنيت له منفردا علي قمة جبل بودا في بودابست عاصمة المجر.. واحتفظت له بطعم الأغاني حتي وصلت معه إلي البحر الأسود وأسطنبول التركية الرائعة. - وأنت لا تملك إلا أن تبتهل للخالق العظيم الذي يُبدع خلقه في الأنهار الدولية الطويلة فيجعل نهر النيل يسير مسافة 6700 كيلو متر من منابعه في الجنوب حتي مصبه في دمياط ورشيد في انحدار مذهل بالأراضي من بحيرة فيكتوريا عند الكونغو وكينيا وأوغندا، ومن بحيرة تانا والهضبة الإثيوبية مرورا بالسودان حتي أسوان والقاهرة ليصب في البحر الأبيض المتوسط.. فمن الذي جعل الأرض منحدرة من الجنوب للشمال؟ ومن الذي أنزل الأمطار الغزيرة جنوبا عند الكونغو وكينيا وأوغندا، وشرقا عند إثيوبيا.. ثم يلتقي فرع النيل الأزرق بفرع النيل الأبيض عند الخرطوم عاصمة السودان ويصبحان نهراً واحداً هو النيل العظيم القادم لمصر بالخير العميم؟؟ من الذي أنزل الأمطار الغزيرة من السماء وحمل الماء حملا ليسقي الأرض في مصر والإنسان والحيوان؟؟ من غير الله سبحانه وتعالي في إشارة لكل الدول وحكامها بأن الماء ماء الله وهو يجري باسم الله وأمره ومشيئته.. وهذا ما دفع الرومان في العصور الوسطي بأن يقولوا مقولتهم المشهورة.. من الذي يملك وقف جريان مياه النيل.. كانوا لا يتصورون أن تقيم دولة أوروبية سداً علي نهر الدانوب في مسيرته الإلهية لمسافة 2850 كيلو مترا ماراً بألمانيا والنمسا وشيكوسلوفاكيا والمجر ويوغوسلافيا ورومانيا وبلغاريا وروسيا الاتحادية وأوكرانيا ليصب في البحر الأسود عند تركيا، ولم يكن يتصور أحد أن يوقف جريان مياه نهر الراين في مشواره الطويل من سويسرا إلي بحر الشمال بمسافة 1298 كيلو مترا متجها إلي فرنساوألمانيا وهولندا. - وعندما بني نوح عليه السلاح السفينة وحمل فيها المؤمنين تكفلّ الله سبحانه وتعالي بإنزال المطر الغزير وحمل السفينة وأجراها وأرساها بدعاء نوح عليه السلام. - فمياه نيلنا مع الدول التسع التي تشاركنا فيه علي مسافة 6700 كيلو متر من أقصي الجنوب لأقصي الشمال، إنما هي من صنع الله منذ بدء الخليقة.. وهكذا أرادها الله عز وجل، فما بال إثيوبيا تتحدي إرادة الخلاق العظيم وتبني سداً بارتفاع مائة وأربعين مترا يحجز أمامه الماء الذي كان يصل لمصر والسودان لحقوق مكتسبة جغرافيا وقانونيا. - إن كانت تريد توليد الكهرباء وهذا حق لها لا ينبغي أن تتعسف في استخدامه كما قلنا في مقالين سابقين، إذ هي تنتهك أحكام القانون الدولي الخاصة بالأنهار الدولية والتي رست واستقرت خلال مئات السنين وسجلتها عشرات الاتفاقيات الدولية حتي آخرها التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1997 بعنوان (اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية)، وقد أوضحنا في مقالنا بجريدة «الوفد» يوم 11 يونيو الجاري مدي مخالفة إثيوبيا لهذه الاتفاقية الإطارية للأنهار الدولية مع احتمالات انهيار السد بفعل الزلزال وإغراق العاصمة الخرطوم ومدن الصعيد في مصر واكتساح السد العالي. - ولكي تكتمل المصائب فقد قلدتها رواندا والكونغو وأوغندا وتنزانيا في العدوان علي نصيبنا في نهر النيل بمزيد من السدود المقترحة. - ولا يمكن لمصر أن تقف مكتوفة الأيدي أو تكتفي بالكلمات التي سمعناها أخيراً في خطاب الرئيس محمد مرسي ملوحاً بكل الخيارات.. فالمطلوب أفعال سريعة تعلن عن نفسها، وقد شرحنا هذه الأفعال في عشر خطوات كما ورد في مقالنا بجريدة «الوفد» يوم 7 يونية الجاري تحت عنوان: «ثورة مصرية سودانية عارمة عاجلة علي سد إثيوبيا» ونضيف إليها العامل الديني الإسلامي والمسيحي والعامل الجغرافي والتاريخي لنهري الدانوب والراين في أوروبا. أستاذ بكلية الحقوق - جامعة المنصورة محام بالنقض