متابعة لحديث الأمس حول سد النهضة الإثيوبي، وما له من تداعيات سلبية علي الأمن القومي المصري، يُخطئ من يظن أن إثيوبيا صاحبة القرار الأول في بناء السد من عدمه، فمثل هذا الفكر من شأنه إخراج إثيوبيا من دائرة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وهو أمر لا يلتفت إلي الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الإثيوبي، ولا يأخذ في اعتباره المخطط الأمريكي الذي يضع إثيوبيا ضمن خمس دول مؤهلة لقيادة أفريقيا، ليس من بينها مصر. ومن ثم فإن الأمل لا يجوز أن ينعقد علي اللجنة الفنية الدولية المعنية ببحث تداعيات إقامة السد علي كل من مصر والسودان، كما أن «التفاوض» مع إثيوبيا بشأن بناء السد بات أمراً لا ينبغي تحميله وحده مسئولية الحيلولة دون بناء السد؛ ذلك أن الأمر يدخل في إطار إعادة صياغة المنطقة بما ينسجم والمصالح الأمريكية، وما تقتضيه من أمن إسرائيل وتفوقها علي محيطها العربي. ولعل من الجدير ذكره في هذا الشأن أن سد النهضة بمجرد بنائه، فإن أي محاولة تستهدف هدمه ستعرض السودان ومصر للخطر، دون أن تواجه إثيوبيا بشىء من ذلك، فسوف تغرق السودان، ويتعرض السد العالي لخطر الانهيار بفعل تدفق المياه المحتجزة خلف سد النهضة الإثيوبي. حقيقة الأمر أن تصاعد الدور الإسرائيلي في القارة الأفريقية، ما كان ينبغي إهماله علي النحو الذي مكنه من احتلال الدور المصري في أفريقيا، وطرد النفوذ المصري تدريجياً من الظهير الأفريقي، بعد انسحاب الإرادة السياسية المصرية، علي مدى عدة عقود، من دول القارة باعتبارها دولاً فقيرة بائسة لا جدوى من الانشغال بها خصماً من التركيز علي علاقاتنا بالدول «المانحة» للقروض والمساعدات، ما أحدث تهديداً حقيقياً للأمن القومي المصري. لقد كان إهمالنا للدول الأفريقية، سبباً كافياً لتنجح إسرائيل في اختراق القارة الأفريقية، وبمساندة أمريكية وغربية سعت إلي سد الكثير من الاحتياجات المادية والفنية لعدد كبير من دول القارة، التي كانت إلي حد كبير حكراً علي النفوذ المصري، وداعماً لكل القضايا العربية في المحافل الدولية. والواقع أن قوة العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية ليست محل شك، فقد اتضحت معالم التهديد الإسرائيلي للأمن القومي المصري فيما قامت به من دور بالغ الأهمية في فصل جنوب السودان عن شماله بمساعدة إثيوبيا، والدور الإسرائيلي في بناء سد النهضة لا يمكن إنكاره، وهو ما تجسد في إعلان إثيوبيا مؤخراً عن أنها أسندت إلي شركة إسرائيلية مهمة إدارة وتوزيع الطاقة الكهربائية الناتجة عن سد النهضة، الأمر الذي يعني أن إسرائيل سيكون من حقها التحكم في كمية المياه المتدفقة من النهر باتجاه مصر.!! وبعد... لقد قاد حزب الوفد، في عهد المجلس العسكري، حملة دبلوماسية شعبية لإثيوبيا بغرض تأجيل اتخاذ خطوات من شأنها الإسراع ببناء السد إلي أن ينتخب الشعب المصري قيادة تضطلع بمسئوليتها في حماية مصالح الوطن، والآن وبعد أن اقترب حكم الرئيس مرسي من إكمال عامه الأول، بات جلياً أن إدارة هذا الملف، وغيره، لا تعكس فهماً حقيقياً لما يمثله من أخطار مؤكدة علي الأمن القومي المصري.