يقبل الليل وتتزين القبة الحسينية بأضوائها الخضراء، ويشرق شارع المعز بعناقيد النور، بينما تكتسى واجهات مبانى وجوامع العصر الفاطمى بأنوار تبزر زخارفها فتجدها مهيبة نهارًا وبديعة الجمال ليلاً، وتذوب بداخلهم أصوات ذكر وتواشيح الحسين مع أنغام التنورة فى المعز وتلهج بينهم ألسنة المريدين والزوار مهنئين بالشهر الكريم. الاستعداد لاستقبال الصائمين تدب حركة لا تهدأ فى رحاب الحسين وكأن رمضان زادهم طاقة، إذ تستعد المطاعم المتراصة على يمين مسجد الحسين وما حوله لليالى رمضان من الساعة الثانية عشرة ظهرًا، ويتنقل محمد- مدير أحد المطاعم- بين العاملين مشرفًا على تحضيرات الإفطار، ما بين تجهيز اللحوم والمشروبات الرمضانية إلى تنظيم وتزين الصالة الداخلية والمساحة الخاريجية للمطعم بمفارش تحمل أجواء الشهر الفضيل. «رمضان بتاع المصريين» هكذا يقول محمد، موضحًا أنه يستقبل فى رمضان ما يزيد على 400 فرد يوميًا مقابل 100 فرد دون رمضان، وأغلبهم مصريون لأنهم يفضلون الخروج بعد الإفطار إلى الحسين للتنزه والتحلية مستمتعين بأصوات الذكر المرتفعة من مآذن الحسين. وبنتهاء وقت الزوال واقتراب أذان المغرب ينادى عمال المطعم فى الناس ومعهم قوائم الطعام مروجين لوجباتهم وأسعارها، وتقول السيدة أميمة –رواد أحد المطاعم- إن ارتفاع الأسعار سببًا بليغ فى إحجام الناس عن القدوم كالمعتاد وتابعت أن أسوار المسجد الجديدة تحجبهم عن جمال رؤيته ولكن «على قد ما نقدر بنحاول ننبسط لأننا مش بنحس برمضان غير هنا». الوحدة العربية بساحة الحسين بينما تمتلئ جنبات حديقة صغيرة يسار ساحة المسجد بالصائمين، يتلقون النفحات من أهالى وخادمين الحى المبروك بصاحب الرأس الشريفة منتظرين مدفع الإفطار مع أطفالهم ويحمل بعضهم طعامه المنزلى، تجلس بينهم على تواضع سيدة مصرية بسيطة تصنع مشهدًا فريدًا للوحدة العربية لا تصادفه إلا فى رحاب المحروسة، إذ اصطحبت الحجة هدى صديقتها أنيسة السورية وفاطمة السودانية لينعموا بأجواء رمضان فى الحسين للمرة الأولى. وأوضحت الحجة هدى أنها دائمًا ما تتردد على الحسين وتعشق أجوائة الروحانية ولكنها تشتاق لرمضان قديمًا بما فيه من خير وصفاء، ورغم ذلك تؤكد أن الخير وإن قل مازال موجودًا مستشهدة بقول رسول الله «الخير فى وفى أمتى إلى يوم القيامة». والتقطت الحجة أنيسة منها أطراف الحديث مؤكدة أن الخير فى الأمة العريبة جميعًا وأننا وحدة عريبة ولا يجب أن نفترق، مضيفة أنها تنتظر الانتهاء من الإفطار لتزور مقام سيدنا الحسين وتتقرب بالدعاء لله تعالى. ليالى رمضان بين الحسين والمعز يفرغ الصائمون من امتثالهم لأمر الله بالإفطار، وينطلق الأطفال للهو والكبار للنتزة فى خان الخليلى وشوارع المعز، «رمضان حلو وقعدتنا حلوة ونفحات ربنا حلوة» هكذا قالت الحجة سناء بصوتها المبهجة وهى تفترش الأرض بألعاب الأطفال، موضحة أنها تتحين يومى الجمعة والسبت لتبيع بضاعتها إذ يكثر فيهم محبو سيدنا الحسين، وبالتالى تزداد البهجة وتتسع أرزاق الله. ومن جانبه يوثق ريمون – مصور فوتوغرافى – منذ ثمانى سنوات لحظات الزوار بأزياء تاريخية على خلفية قبة ومئذنة جامع قلاوون وبيت السحيمى ورحاب الحسين، ويقول ريمون «موسم رمضان كله رزق حتى لو الفلوس قليلة بس فيها بركة والناس بتحب بعضها أكتر من الأيام العادية». يأخذك خان الخليلى بمحاله المضيئة وأصوات البائعين ومزاحهم مع السياح ببعض العبارت الأجنبية، يقول حسن -أحد بائعين إكسسورات النحاس - أن الإقبال وحركة البيع فى رمضان تزداد وخاصة أيام الخميس والجمعة والسبت، موعد قدوم رحلات للحسين والمعز من محافظات الوجه البحرى كالإسكندرية والإسماعيلية وبورسعيد للإفطار والسحور. وتدلف إلى شارع المعز على موسيقى أم كلثوم الساحرة ورائحة البخور وأنوار وزينة رمضان، بينما تقدم بعض المقاهى فرقًا استعراضية وراقصين التنورة، يقول شديد مصطفى -أحد العاملين فى كافيهات المعز- إن العروض الإستعراضية مستمره طوال العام ولكن تزداد فى رمضان ويكون لها بهجة مختلفه وتبدأ من الثامنة مساءً ويظل شارع المعز ساهرًا حتى الخامسة فجراً.