الحياة اليومية للصائمين فى القاهرة الفاطمية لها تفاصيل وطقوس وعادات خاصة، لا تجذب إليها آلاف المصريين من جميع المحافظات، فقط بل الأجانب أيضا. الجميع يتنافس للعيش ولو لحظات فى مناطق تحمل عبق التاريخ، فمن المساجد إلى المقاهى والأزقة والشوارع تحكى تفاصيل خاصة وطعمًا مختلفًا لشهر رمضان. موائد الرحمن فى العديد من شوارع الجمالية، وغيرها من مناطق القاهرة القديمة، تستقبل زوارها تحت شعار «اتفضل فطارك عندنا»، وعلى جانب الطرق تجلس العديد من النساء لإعداد الطعام للصائمين، ومئات الشباب المتطوعين لخدمة الناس فى رمضان بتوزيع المشروبات بالمجان. المقاهى المنتشرة داخل الحارات والأزقة ترسم لوحة فنية بديعة، والتفاصيل تصنع منها حكاية خاصة بتاريخها الذى يرجع لعشرات السنين، فضلا على الفعاليات الثقافية المتنوعة التى تميز الغورية والحسين والأزهر على مدار الشهر الكريم «روزاليوسف» عاشت تفاصيل يوم كامل فى جمهورية الصائمين فى القاهرة الفاطمية: المساجد القديمة مساجد القاهرة القديمة، تتحول خلال شهر رمضان إلى حالة خاصة، فبداخلها تجد صفاء الروح والنفس، وهو ما يجعلها قبلة للصائمين، خاصة مسجد الحسين والذى لا تكاد تجد فيه وحوله موطئ قدم، خاصة فى صلاة العشاء والتراويح، حيث يقصده الرجال والنساء المصريون والعرب والأجانب كبارًا وصغارًا، وخصص المسجد ساحته الخارجية كملتقى للفكر الإسلامى يحاضر فيه كبار علماء الأزهر ويقصده العشرات من رجال الدين وطلاب الأزهر من العرب والأجانب. كما خصص المسجد بعض الخيام رمضانية لاستقبال الزوار وحمايتهم من درجات الحرارة المرتفعة وصولًا إلى باب المسجد، الذى يستقبلك عليه عمال يقومون بمهمة حفظ الأحذية، وفى الداخل العشرات والمئات من الزوار والصائمين يحرصون على تلاوة القرآن، والدخول إلى الضريح لقراءة الفاتحة، كما يقصده العشرات من النساء والرجال من المحافظات المختلفة للاحتماء به وقضاء يوم مختلف قبل روحانى قبل العودة. نجلاء محمود تقول: «أحضر برفقة شقيقاتى لشراء الملابس والمنتجات الرمضانية فى الأسبوع الأول من رمضان، فزيارة مسجد الحسين هو المقصد الأول لنا لقضاء يوم فى رحاب الله من خلال الصلاة الجماعية فى المسجد وقراءة القرآن ختامًا بالطعام على موائد الرحمن التابعة للمسجد. وإلى جانب مسجد الحسين يوجد الجامع الأزهر، الذى يعد قبلة للآلاف خلال شهر رمضان، خاصة من الأجانب، فهو جامعة خاصة لعلوم الدين ويوجد عشرات الواعظين به لذلك يحضر إليه الناس، حيث يتميز بساحة ضخمة لاستقبال آلاف المصلين، ويفتح أبوابه ال 8 أبواب الرئيسية أمام زواره على مدار اليوم، يتميز بأعمدته التاريخية التى يصل عددها إلى 380 عمودًا تتميز باللون الأبيض. أما مسجد الحاكم بأمر الله، فيلجأ إليه عشرات المارة إليه للاحتماء من موجة الطقس شديد الحرارة التى ضربت مصر الأسبوع الماضي، ويعد شهر رمضان موسم الزيارات الأكثر على مدار العام، ورغم شهرته بن المصريين، فإنه يعد مقصدًا رئيسيًا لمئات الزوار الأجانب حيث يرجع تاريخ إنشائه لعام 990م. المسجد تحفة فنية أثرية له باب واحد رئيسى يطل على شارع المعز، تشرف عليه جماعة البهرة التى تنتمى إلى الهند، ويضاء المسجد بإضاءات خاصة لاستقبال الزوار فى رمضان، وبه مياه من البئر تروى ظمأ الصائمين، وتحرص عشرات الأسر المصرية على الإفطار بالصحن الضخم الخاص بالمسجد. السحور فى شارع المعز منذ اللحظة الأولى لدخول شارع المعز تجد نفسك فى رحلة خاصة ذات طابع إسلامى أثرى قديم، تعيش وسط معالم رمضان وزينته وعادات المصريين، ويعد الشارع مقصد الآلاف يوميًا، فهو متحف أثرى مفتوح أمام الزوار بدون أبواب، تبدأ فعالياته بعد توقيت الفطار مباشرة، حيث يتحول لمائدة إفطار جماعى كبيرة، وبعدها تبدأ الفعاليات الثقافية والفنية. يتميز الشارع بالمحال الحرفية الخاصة بالمهن القديمة مثل النقش على النحاس والخيامية وبيع كل ماهو قديم للجمهور، وعند أذان المغرب تتحول ساحات المحلات فى رمضان لموائد صغيرة للفطار، كما يتحول الشارع خلال المساء وحتى الساعات الأولى من اليوم التالى لمسرح ومهرجان مفتوح للفنون. ناجى شاب ثلاينى وأحد المشرفين على تزيين المسرح الخاص بالعروض الثقافية فى شهر رمضان فى شارع المعز، يقول: الاحتفالات الثقافية أهم ما يميز الشارع خاصة فى رمضان تكون طقوسها رمضانية خالصة على مدار ساعتين ونصف الساعة ، منها حفلات منفلصة للفرق الشعبية والندوات الأدبية لكبار الشعراء والمبدعين من القاهرةوالمحافظات المتنوعة، والعروض لا تقتصر على مسرح الشاعر فى شارع المعز فقط بل تقدم على مسرح الغورى وبيت السحيمي، ويستغل الشباب الفرصة لإقامة المعارض الخزفية المتنوعة والأعمال اليدوية. الشارع يضم عشرات الأماكن الثقافية الخاصة منها مكتبات تبيع الكتب بأسعار زهيدة للزوار بجميع اللغات، حيث يوجد فى الشارع أكثر من 5 مكتبات. أما محمد عبداللطيف أحد بائعى الحلوى فى المعز فيقول: «أعمل فى بيع الحلوى منذ 2008 بعد افتتاح شارع المعز، عملى فى الشارع موسمى ويوجد عشرات المهن التى تتواجد فى الشارع خلال رمضان لخدمة المواطنين لكثرة عددهم وكثرة احتياجاتهم، ويحرص جميع البائعين على تقديم المنتجات بشكل جيد، وبعد عملى فى الشارع على مدار عدة سنوات فتحت محلًا صغيرًا فى الجمالية لكن أحضر كعادتى للوقوف كما كنت هنا فى رمضان». ويضيف فتحى علي، صاحب مطعم فى شارع المعز: «التوقيت ليس له حساب هنا فى شارع المعز، فالمكان مفتوح أمام الزوار حتى الصباح، الذين يزداد عددهم بعد الساعة 12 لتناول وجبات السحور على المقاهى الشعبية والتى تتكون من «الفول الحار والبيض والطعمية والبذنجان والسلطات» وتتراوح أسعارها بين 10 و15 جنيها للفرد. فى المعز هناك عشرات المقاهى الموسمية لا تعمل إلا فى رمضان فقط لتقديم وجبات الإفطار والسحور للصائمين، وهناك محلات تغير عملها فى شهر رمضان لخدمة الزوار. أما عم طلعت أبوزيد فيحرض على تجهيز وجبات إفطار للصائمين ويقول: «أعمل هنا منذ 30 عامًا، ورثت المهنة عن والدى، حيث أقف بأطباق الطعام المجهزة فى المنزل على رواد المعز، فمنذ الساعة 12 ظهرًا أدخل مطبخ زوجتى وأقوم بإعداد الطعام بنفسى وأضعه فى أوانٍ خاصة به، ثم أحضر للشارع، أقدم صوانى البطاطس والفراخ والمخللات بأنواعها والسلطات. وفى المقابل يضع حلمى محمد، أدوات خاصة للزينة فى الشارع لالتقاط صور تذكارية للزوار، بالملابس التاريخية والتى تجذب المصريين والعرب والأجانب، والأسعار تبدأ ب10 جنيهات للصورة الواحدة، ويفسر أكثر بقوله: «معظم العاملين فى الشارع من أبناء الجمالية ومصر القديمة، وأكثر الأماكن التى يتميز بها المكان وكالة قايتباي، وبيت السحيمي، وجامع سليمان أغا السلحدار، وجامع الأقمر، وقصر الأمير بشتاك، وجامع السلطان قلاوون، ومدرسة الظاهر برقوق، ومدرسة الناصر محمد بن قلاوون، ومدرسة وسبيل السلطان الغوري، وجامع المؤيد». فى مقهى الفيشاوى يحلو السهر لا يحلو السهر في رمضان داخل شوارع وحارات القاهرة الفاطمية دون الجلوس على أحد المقاهى المنتشرة، والتى تحتفظ كل منها بنكهة خاصة، وتتزين لاستقبال زوارها بالأربيسك والنقش على النحاس والمشغولات اليدوية، ومن بين هذه المقاهى «الفيشاوي» الذى اشتهر بتاريخه الذى يرجع أكثر من 200 عام. «الفيشاوي» يعد مقهى المشاهير، يحرص الجميع على الجلوس عليه والاستمتاع بجو رمضانى خالص، أهم ما يميزه الكراسى الخشبية المغطاة بالمشغولات اليدوية القديمة والقناديل، والأدوات التى تقدم فيها المشروبات قديمة ذات تراث تاريخى فى الشكل. والمكان يتحدث عن نفسه فيوجد صور لكل زواره من المشاهير، من أشهرهم وخصص مكان بها عرف باسمه وهو «نجيب محفوظ»، ومن الأدباء يوسف إدريس، والفنانين أم كلثوم وعبدالحليم حافظ والسياسى عمرو موسى، ومازال المشاهير من رجال الفن والسياسة والأدب يحضرون إليه. وبالقرب من مقهى الفيشاوى مطعم المالكى الذى يستحوذ على الطريق أمام مسجد الحسين، ليقدم الطعام للزائرين فى ساحات واسعة، أمام فندق الحسين الشهير، بالإضافة إلى قرب مقهى نجيب محفوظ وسط خان الخليلى الذى يحضر له الجميع لتناول المشروبات وفطار رمضان والسحور. وفى أحد أزقة شارع المعز كان مقهى اللورد والذى يلفت الانتباه إليه بطابعه الخاص، حيث حرص على المقهى على تقديم نجوم الفن الجميل فى شكل عرائس ضخمة، يحرص الزوار على التقاط الصور التذكارية معه، منها أم كلثوم وعبدالحليم حافظ وبوجى وطمطم وغيرها من الشخصيات التى لها تاريخ ومؤثرة فى الشارع المصري. يوضح خالد عزت، أحد العاملين به أن المقهى يعج بالزبائن فى رمضان نظرًا للطقوس التى يقدمها ومن بينها عرائس المشاهير، والتى بدأت كفكرة تسويقية إلى أن لاقت قبولاً كبيرًا من الزبائن، حيث وضعنا العرائس الكبيرة فى البلكونات المطلة على المقهى لاستقبال الزائر وأمام باب المقهى، وكل عام نضيف شخصية مهمة فى المجتمع للمقهى حتى أصبح مزدحمًا، وتعد عروض أم كلثوم الأكثر جذبًا للأنظار، فهى تحاكى ملامحها لذلك يندهش كل المارة ويتوقفون أمام المكان، ونطلق أسماء المشاهير على المشروبات فى بعض الأحيان فى رمضان. حديقة الأزهر.. بانورما القاهرة القديمة وإلى جانب المعز والحسين والأجواء الروحانية والثقافية، توجد حديقة الأزهر التى تعد مقصدًا من الآلاف خلال شهر رمضان نظرًا لمساحتها التى تتعدى ال 80 فدانًا، وتعد بانورما حية لمشاهدة معالم مصر من الأعلى. الحديقة تتميز بأن تفاصيلها أسرية خالصة فى رمضان، وينفذ بها الشباب العشرات من المبادرات الشبابية الخاصة بالإفطار الجماعي، فهى رحلة للتنزه وسط الخضرة وشلالات المياه الصناعية والربوات الخضراء المرتفعة فى الهواء الطلق. ومن الشروط المطلوبة فقط ويحافظ عليها جميع الحضور أن يقوم كل شخص بتنظيف مكانه جيدًا، كما تقام بها شعائر صلاة التراويح ويحضرها عشرات الزوار، وتحرص الفرق الفنية على تقديم فقرات خاصة للأطفال فى الأمسيات الرمضانية، وتظل أبوابها مفتوحة أمام زوارها حتى 12 منتصف الليل، كما توفر الحديقة مطعمًا على البحيرة الضخمة الموجودة فى الحديقة لاستضافة الوفود الجماعية وبعض الزوار من المشاهير وتقدم أشهى الأطباق وسط جو رمضانى خالص.