في الأسبوع الماضي حدثتك عن نظرية المؤامرة واعترفت بما قاله مراراً وتكراراً كل الزعماء العرب في وجودها وكذلك أوافق مع الملايين من شعوبنا أنها موجودة وبقوة وضدنا نحن بالذات في الوطن العربي وبواسطة أمريكا وإسرائيل والدول الغربية والشرقية. لكن المشكلة التي تدعو للسخرية حتي تستلقي علي قفاك أو تضحك حتي البكاء, هو أن يتحدث العرب تحديداً - ونحن كمصريين من ضمنهم طالما أرغمنا أن نكون عرباً! - أن نتحدث عن مؤامرات الآخرين - وهي الحقيقة المؤكدة - ولا نتحدث عن مؤامراتنا نحن.. أقصد مؤامرات حكامنا ضدنا نحن!. انس الحركات التي يسميها الغرب بالإرهابية فهذه تحدث بواسطة أشقاء لنا في الوطن الكبير لكنهم لا يشغلون أي مناصب وبالتالي لا يحسبون علينا.. ثم هي ليست مؤامرات وإنما محض عمليات تقتل وتصيب المدنيين الأجانب من الرجال والنساء والأطفال لكنها بقصد الرد علي مؤامراتهم فقط! حقا نحن لا نحبك المؤامرات ضد أمريكا ودول الغرب وإسرائيل وغيرها.. فلم يحدث أن دبرنا الانقلابات العسكرية عندهم أو فرضنا عليهم الحصار الاقتصادي أو حاولنا إيقاف التنمية في بلادهم وحرمانهم من إمدادهم بما يحتاجونه منا من سلع أو مخترعات أو تكنولوجيا متقدمة أو دبرنا لخلق الفتن الدينية والسياسية في بلادهم! ورغم كل هذا الأدب من ناحيتنا لا تتركنا هذه الدول الكبري في حالنا، فهم يزعمون أن حكام البلاد العربية يتآمرون علي شعوبهم، سبحان الله شعوبهم وهما أحرار فيهم. مال الأجانب بقي يتدخلون ليه؟.. هي كانت شعوبهم؟ وتارة يقولون إن الحكام العرب لا يكتفون بالتآمر علي شعوبهم فقط بل يدبرون الدسائس والمؤامرات والانقلابات ضد أشقائهم الذين يجاورونهم ويشتركون معهم في دين واحد وعروبة واحدة وتاريخ مشترك ويتطلعون إلي وحدة عربية تضمهم جميعاً أو خلافة إسلامية أيهما أقرب بإذن الله. لكن المستعمرين الصليبيين الملحدين في الدول الكبري القوية لا يستطيعون صبراً أن يتفرجوا علي حكامنا وهم يأكلون لحم شعوبهم ويمصون عظامهم, بينما هم يتلمظون ويسيل لعابهم علي صدروهم.. كل منهم يسأل نفسه: أليس هو أولي بلحم هذه الشعوب من حكامهم المجرمين الأغبياء الجهلاء؟.. ويتعهد المستعمرون لشعوبهم بل وشعوبنا أيضاً إنهم سيكونون أرفق علينا من أهلنا، علي الأقل سيتركون لنا العظم. ألم يقف المستعمر الإنجليزي في مجلس العموم يرد علي الحزب المعارض مبرراً احتلاله لمصر بأنه يعمر هذه البلاد, لا يستعمرها.. يكفي أنه بني فيها ثاني سكة حديد في العالم بعد إنجلترا وأقام فيها كل مظاهر الحضارة.. وطوال 72 سنة من الاحتلال لم يوافق مجلس العموم أن يرحل جيشهم عن مصر إلا عندما خرج من الحرب العالمية مفلساً ولم يعد يمكنه الإنفاق علي جنوده.. وأزعم أن هؤلاء المستعمرين لم يوجعهم ضميرهم أو يحاسبهم علي احتلالهم ومؤامرتهم، فهم يرون أن هذه الشعوب رغم أي شوشرة قد يحدثونها, ليس بيدهم الحل والعقد, وأي جاهل من بينهم يستولي عليهم بالقوة يحكمهم, وبالتالي هم أولي. راجع محاكمة الإنجليز عام 1907 لمن قتلوا اثنين من جنودهم في دنشواي وبين محاكمة ثورة 23 يوليو ل «خميس» و«البقري» العاملين اللذين لم يكملا العشرين لأنهما قادا مظاهرة في المحلة وحكم عليهما بالإعدام بمحاكمة شكلية ونفذ الحكم بسرعة، وكان ذلك بعد نصف قرن من حادث دنشواي، وكان الإنجليز ما زالوا يحتلون مصر, وكانت المحاكمة الأولي بالقضاة والثانية من الضباط الأحرار الذين لا يعرفهم الشعب بعد.. لكنها أحرار بالطبع! مؤامرات الدنيا علينا طبيعية ولهذا نهاجر إليها، ومؤامرات الدول العربية علي بعضها سفالة، ومؤامرات المصريين علي بعضهم البعض أكثر من سفالة، خاصة عندما تستعين بالأجانب. ملحوظة: هذا المقال لا علاقة له باتهام الإخوان المسلمين بالاستيلاء علي الحكم بمؤامرة مع حماس وحزب الله وإيران وقطر، فكل هؤلاء لم يستخدموا المؤامرة قط، كما أنها المرة الأولي التي لم تحاول أمريكا أو إسرائيل أن تستغل فرصة الربيع العربي لتتدخل في شئوننا الداخلية. والمسئول عما يحدث الآن من فوضي وخراب يسأل عنه الشبان الأبرياء الذين خرجوا لتحرير مصر دون أن يكون عندهم أدني معرفة بالتاريخ المصري.