منى ثابت كان رد الفعل البريطاني سريعا ووحشيا وقتها .. السلطة احتجزت 052 متهما في جامع القرية ، وأدين 25 بجريمة القتل العمد لعسكري إنجليزي واحد !! في محاكم أنشأها الإنجليز لمحاكمة من يعتدي عليهم من المصريين!!.. (من أنتم) .. هذه الجملة البليغة التي سحلت القذافي سخرية ، هي الأنسب الآن للمشهد في وطني .. كلما تابعت تصريحات وأحلام أغلب نوابنا تحت القبة وفي الفضائيات يزداد إحساسي بالاغتراب .. وكلما رأيت كل رجال نظام مبارك من محافظين وعصابات أحياء ومحليات في مواقعهم تطول المسافة ما بين الثورة ومستحقيها وأهدافها من كرامة وعيش وعدالة اجتماعية .. وأتذكر عبارة بليغة تقول »هل يستطيع أعمي أن يقود أعمي ولا يسقط الاثنان في حفرة«!.. فأغلبية الشعب تم تغييبه بتعليم فاسد فتحول إلي بغبغان مزعج لايصمت إلا وهو يأكل، ولا يصيح إلا إذا تأخر الطعام، ويعشق قزقزة اللب ومحاكاة الأعلي صوتا.. أما كل المسئولين الذين يحكموننا فلم يعرفوا حتي الآن من الذي قتل الثوار من التحرير لماسبيرو لمشجعي كرة القدم في بورسعيد؟.. ومن الذي يدفع أجور البلطجية والملثمين ويؤمنهم؟.. فتساوي بذلك الحاكم والمحكوم واتسعت الحفرة وضربت في العمق لأن " أعمي يقود أعمي"! . من يوم موقعة الجمل التاريخية في همجيتها منذ عام ويزيد 11/2/1102 ونحن أغلبية الشعب.. الذين لايلعبون دينا ولا سياسة، نتساءل ونتبادل الأسئلة بلا إجابات.. حتي تراكمت الأسئلة علي النفوس جبلا من القلق والغضب.. لكن الأسوأ والأخطر في المشهد أننا أصبحنا كل واحد يدافع عن دينه ليبرئه من تهمة التعصب والترصد والكراهية للآخر.. وما رأينا ذلك في تاريخنا إلا أيام الاستعمار. من كام يوم ، وبعد شهر من مذبحة بورسعيد الوحشية، خرج مجموعة من نوابنا من تحت قبة مجلس الشعب بكل حماس وثقة لزيارة مقر أمن الدولة، بعدما غير اليافطة إلي الأمن الوطني.. زيارة تاريخية ليس لأنها بدون استدعاء أو ضبط فقط ، وإنما لأن النواب - الذين أغلبيتهم إخوان وسلفيون رايحين يسألوا ويستجوبوا ويفتشوا ويطلبوا تقرير عن أداء الجهاز اللي ياما شافوا منه !!.. فاستقبلوا بحفاوة .. واتصوروا وهم يتفقدوا مقار الاحتجاز اللي ياما استضافتهم ، فوجدوها اتغيرت خالص.. الدهاليز اختفت ، والبدروم الضلمة نور وتحول إلي مخازن للمهمات ..لا سلاسل ولا خراطيم مياه ، ولا ذكري لأفلام الكرنك وكشف المستور.. يعني الثورة ماشاء الله نجحت في أمن الدولة .. ماعلينا .. إحنا يهمنا النتائج ، وهي إجابات أسئلتنا الكثيرة.. لكن وفد لجنة الدفاع والأمن القومي مش بس رجع زينا بلا إجابات.. لكن اشتكي له جهاز الأمن الوطني من استمرار النقد والهجوم الإعلامي الذي يعوقه عن الانطلاق في العمل.. وهي نفس شكوي مدير أمن القاهرة والتي جعلت البلطجية أكثر شراسة وأجبرته علي الإفراج عن حوالي ألفي معتقل جنائي!!. يارب اجعل كلامي خفيف عليهم لأني أضعف منهم جدا، ولو وقعت في إيديهم ، جمعيات حقوق الإنسان مش هاتلحقني لأنها ملخومة في الدفاع عن نفسها من تهمة التمويل الأجنبي. فاكرين حادثة دنشواي في يونيو 6091.. كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي ، وخرج خمسة من الخيالة للاستمتاع بصيد الحمام في قرية دنشواي بمحافظة المنوفية.. ولحسن حظ مصر أن الحمام كان لسة بياكل من الغلة في الأجران الملاصقة للبيوت ولم يخرج للخلاء ، لكن العساكر الإنجليز بدأوا الصيد ولم يستمعوا لتحذيرات ميكروفون مؤذن القرية بأن النار ستمسك في القش والتبن وتحرق البيوت.. رصاصة طايشة قتلت زوجة المؤذن ، ثم اشتعلت النار في البيوت والحناجر بصيحة " الخواجة قتلها وحرق الجرن".. أسرع الخفراء لإنقاذ الإنجليز من غضب الأهالي بسحب بنادقهم ، لكن لخوفهم تصوروا أنهم يهاجمونهم فقتلوا خفيرا ، وانفلت الأمن وهرب اثنان من الجنود علي الأقدام في اتجاه معسكرهم بكمشيش علي بعد 8 كيلومترات في عز الحر .. سقط أحدهما محموما بضربة شمس فأسرع فلاح طيب لإنقاذه ، فقتله الجنود متصورين أنه يعتدي عليه !!.. كان رد الفعل البريطاني سريعا ووحشيا وقتها.. السلطة احتجزت 052 متهما في جامع القرية، وأدين 25 بجريمة القتل العمد لعسكري إنجليزي واحد!! في محاكم أنشأها الإنجليز لمحاكمة من يعتدي عليهم من المصريين!!.. وعلقت المشانق بالقرية قبل إعلان الحكم علي 21 بالجلد و 63 أشغالا شاقة وأربعة بالإعدام منهم شيخ القرية، ونفذ الإعدام في الساحة علنا بعد ثلاثة أسابيع فقط من الحادثة !!. فكيف انتفض المصريون وكيف اغتصبوا حقهم ؟!.. بالإعلام أهاج مصطفي كامل ضمير العالم كله ، بمقالات في الصحف المصرية والإنجليزية والفرنسية والألمانية .. واستغل الجريمة في التنديد بالمستعمر وتأجيج الثوار وأنشأ الحزب الوطني .. فنجح في قمع إرهاب الانجليز للحركة الوطنية الصاعدة ، وتم عزل اللورد كرومر بعد 52 سنة من حكم مصر. وأسقط حكومة مصطفي فهمي الموالية للإنجليز بعد 31 سنة.. وخففت أحكام السجن. ونالت هيئة المحكمة أيضا عقابها .. رئيس المحكمة بطرس باشا غالي ، بعد 4 سنوات اغتاله إبراهيم الورداني طالب الطب وعضو الحزب ، والمستشار احمد فتحي زغلول (شقيق سعد زغلول) توفي محتقرا من الشعب ومثله محامي الشهداء إبراهيم الهلباوي الذي لقب إذلالا بجلاد دنشواي لأنه أسهب في وصف مافعله المتهمون بالإنجليز !! . لأن الاحتقار كان عقوبة قاسية زمان !! مذبحة دنشواي حدثت من 601 سنوات، وهزت ضمير الوطن والعالم كله لأنها جريمة مستعمر أرهبت قرية تعدادها 22 ألفا، وضحاياها ستة شهداء فقط .. ياتري ماذا سيكتب التاريخ عن شهدائنا الذين قنصهم وقتلهم وسحقهم وأذلهم وفقأ عيونهم وكشف عذرية بناتهم حكامهم المصريون.!.