نعرف جميعا قصة حادثة دنشواى التى تعد من أشهر حوادث التاريخ المصرى الحديث، وأكثرها تأثيرا فى وجدان المصريين، فبسبب قيام الجنود الإنجليز بصيد الحمام فى قرية دنشواى بالمنوفية، اشتعلت النيران فى جرن بالقرية، وأصيبت فلاحة وأصيب شيخ الغفر الذى حاول أن يحمى الإنجليز من غضب الأهالى، فثار الأهالى وفر الإنجليز ومات واحد منهم بضربة شمس. يومها عقد الإنجليز محكمة مخصوصة قضت بإعدام أربعة من أهالى القرية شنقا، وبالأشغال الشاقة على تسعة وبالحبس مع الشغل على أربعة آخرين، وحكمت بجلد تسعة، على أن تنفذ عقوبات الإعدام والجلد بالقرية. إنها الحادثة التى قال عنها المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «مصطفى كامل باعث الحركة الوطنية»: «لا مراء فى أن حادثة دنشواى هى من حوادث مصر التاريخية التى لا تُنسى على مر السنين، لما كان لها من الأثر البليغ فى تطور الحركة الوطنية، وفى مركز الاحتلال الإنجليزى، فهى نهاية عهد كان الاحتلال يتمتع فيه بالاستقرار والطمأنينة، وبداية مرحلة جديدة من مراحل الجهاد القومى عم فيها الشعور الوطنى بعد أن كان الظن أن سواد الأمة راض عن الاحتلال». وقد كان الرافعى مؤرخ الحركة الوطنية محقا فيما قال، فالحادث بالفعل من الأيام التى لا تُنسى فى تاريخنا، لقد حولت رعونة سلطات الاحتلال البريطانى وجبروتها ومبالغتها فى استخدام القوة الغاشمة، وخنوع ذيولها من المصريين، حادث بسيط مرتبط بصيد الحمام فى الريف إلى قضية كبرى فجرت طاقات الحركة الوطنية المصرية وأطلقت الغضب الشعبى فى مصر، وهزت الرأى العام العالمى، وأعادت القضية المصرية بقوة إلى الساحة الدولية بعد أن انزوت بالوفاق الودى بين بريطانيا وفرنسا سنة 1904، وبلغت أهمية الحادثة درجة دفعت محافظة المنوفية إلى اتخاذ ذكراها عيدا قوميا وبرج الحمام شعارا لها. لكن ما حدث فى دنشواى لم يكن الحادث الأول من نوعه، أقصد هنا بما حدث المشاكل التى تترتب على صيد الأجانب للطيور فى الريف المصرى، فالريف كان يغرى الأوروبيين من هواة الصيد بصيد الطيور التى تعيش فيه، وبسبب غياب اللغة المشتركة بين الأوروبيين والمصريين كانت المشاكل تقع دائما، منها ما يرويه المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى فى تاريخه «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» فى حوادث شهر ربيع الثانى سنة 1235 ه، الموافق لسنة 1820 م، أى فى عصر محمد على باشا. يقول الجبرتى تحت عنوان «ذكر حادثة»: «واتفق وقوع حادثة فى هذا الشهر وهو أن شخصا من الإفرنج الإنجليز ورد من الإسكندرية وطلع إلى بلدة تسمى كفر حشاد، فمشى بالغيط ليصطاد الطير، فضرب طيرا ببندقيته، فأصابت بعض الفلاحين فى رجله، وصادف هناك شخصا من الأرنؤد بيده هراوة أو مسوقة، فجاء إلى ذلك الأفرنجى وقال له: أما تخشى أن يأتى إليك بعض الفلاحين ويضربك على رأسك هكذا، وأشار بما فى يده على رأس الإفرنجى لكونه لا يفهم لغته، فاغتاظ من ذلك الإفرنجى وضربه ببندقيته فسقط ميتا، فاجتمع عليه الفلاحون وقبضوا على الإفرنجى ورفعوا الأرنؤدى المقتول وحضروا إلى مصر، وطلعوا بمجلس كتخدا بيك (وكيل الباشا) واجتمع الكثير من الأرنؤد وقالوا لابد من الإفرنجى، فاستعظم الكتخدا ذلك لأنهم يراعون جانب الأفرنج إلى الغاية. فقال: حتى نرسل إلى القناصل ونحضرهم ليروا حكمهم فى ذلك، وأرسل بإحضارهم، وقد تكاثر الأرنؤد وأخذتهم الحمية، وقالوا: لأى شيئ نؤخر قتله إلى مشورة القناصل؟ وإن لم يقتل فى هذا الوقت نزلنا إلى حارة الأفرنج ونهبناها وقتلنا كل من بها من الإفرنج، فلم يسع الكتخدا إلا الأمر بقتله، فنزلوا به إلى الرميلة وقطعوا رأسه، وطلع أيضا القناصل فى كبكبتهم وقد نفذ الأمر، وكان ذلك فى غيبة الباشا».