مجلس الشيوخ يوصى بإنشاء مراكز حقوقية فى مراكز الشباب والجامعات لتثقيف المجتمع بمخاطر الظاهرة خبراء: زيادة الجرائم والطلاق والانتحار والقتل أهم النتائج.. والحل فى تقويم سلوك الأسر تعانى المجتمعات بمختلف دياناتها وثقافاتها من أزمة العنف الأسرى الذى يغزو الكثير من البيوت، فهو صورة من صور الاستخدام غير الشرعى للقوة التى انتشرت فى الآونة الأخيرة انتشاراً كبيراً، حتى إنه أصبح يهدد استقرار الأسرة التى هى نواة المجتمع، إن صلحت صلح المجتمع كله. وتجاوزت خطورة هذه الظاهرة جميع الخطوط الحمراء، إذ وصلت فى بعض الأحيان إلى القتل والانتحار وظهور جديد لفئة أطفال الشوارع، والأبناء المهددين فى مستقبلهم وحياتهم نتيجة التزعزع وعدم الاستقرار، بما جعلها أمراً لافتاً للانتباه، ويحظى باهتمام كبير من قبل الجهات المسئولة سواء أكانت من الدولة أو الجهات الرسمية أو المنظمات والجهات غير الرسمية، بالإضافة إلى المراكز الحقوقية والمجتمع المدنى بأسره، باعتبار ملف العنف الأسرى ملفاً حقوقياً من الدرجة الأولى يتعلق بحقوق الإنسان ليس على المستوى المحلى فقط، وإنما على المستوى العالمى بشكل عام. وتؤثر ظاهرة العنف الأسرى بشكل كبير فى أسلوب تربية الأبناء التى أصبحت مشكلة عالمية لا تقتصر على مجتمع واحد وإنما تعانى منها كل المجتمعات، فهى واحدة من أكثر الظواهر والقضايا الاجتماعية التى دعت الباحثين لإجراء العديد من البحوث بهدف تعميق الفهم لهذه الظاهرة من خلال الدراسة والتحليل للوصول إلى حلول تحد من خطورتها وتعمل على وقف انتشارها والعمل على وضع أسس تليق بمفهوم بناء الإنسان من أجل مجتمع آمن ومستقر. وفى هذا الإطار وضمن الإجراءات والمحاولات للسيطرة على هذه الظاهرة، ظهر عدد من الدراسات العلمية التى كان آخرها دراسة بعنوان «العنف فى الحياة اليومية فى المجتمع المصرى» لعام 2022 عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، وأوضحت الدراسة زيادة نسبة الخلافات لأسباب مادية بين الزوجين إلى 26,8% مقارنة ب10,2% فى عام 2002، بسبب الظروف الاقتصادية وانتشار المخدرات ما أدى إلى زيادة نسب الجرائم فى مجتمعنا بطريقة غير مسبوقة. وأشارت الدراسة إلى أن تزايد الخلافات كان نتيجة التطورات التى شهدها المجتمع نتيجة التطور التكنولوجى والانفتاح على مجتمعات أخرى عبر الدراما التليفزيونية، الأمر الذى تسبب فى انتشار الإدمان وتردى الحالة الاقتصادية وتفشى حالات الإجرام والهجرة غير الشرعية التى تصل إلى حد تهديد الأمن والسلام العام للبلاد إثر زيادة هذا العنف. من جانبه أوصى مجلس الشيوخ بإقرار تشريعين لمواجهة العنف الأسرى ومن خلال التقرير المقدم للمجلس من اللجنة المشتركة للجنتى حقوق الإنسان والتضامن الاجتماعى ومكاتب لجان الشئون الدستورية والتشريعية، والثقافة والسياحة والآثار والإعلام، والشئون الدينية والأوقاف بشأن ظاهرة العنف الأسرى– الأسباب والآثار وسبل المواجهة. الدراسة التى أعدتها هذه اللجان بأسلوب علمى من خلال الاستعانة بالجهات والمجالس ذات الصلة، فضلاً عن الاستعانة باستقصاء شمل ألف شخص، ركزت على أسباب انتشار ظاهرة العنف الأسرى، ودعت لإنشاء منظمة تهدف إلى تعزيز تماسك الأسرة المصرية، ونبذ العنف الأسرى والعمل على دعم الثقافة المجتمعية ودفعها نحو توطيد السلوك القويم داخل الأسر المصرية، للوقاية من ظاهرة العنف، على أن تسمى هذه المنظمة ب«المجلس الاستشارى لمناهضة العنف الأسرى» ويضم فى تشكيله ممثلين عن المجالس القومية: لحقوق الإنسان، والمرأة، والطفولة والأمومة فى مراكز الشباب والجامعات. وتبدأ تلك المنظمة عملها كما جاء فى الدراسة بوضع استراتيجية وطنية لمناهضة العنف الأسرى على غرار الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة 2015/2020 وتهدف إلى وضع إجراءات وقائية لمقاومة العنف الأسرى، ومنع انتشاره فى المجتمع، والحفاظ على تماسك الأسرة والسماح لها بالعيش فى سلام واستقرار. ترحيب ورحب خبراء بفكرة إنشاء منظمات ومراكز فى الجامعات لمواجهة العنف الأسرى، مؤكدين أنها فرصة لتعزيز التماسك بين الأفراد ومناهضة أوجه العنف التى باتت تهدد المستقبل بسبب التوتر النفسى الذى يزرع فى الأجيال بسبب هذا العنف. وأشار الخبراء إلى أن هذه الإجراءات ستسهم بشكل كبير فى مواجهة ظواهر أخرى كالإدمان وانتشار الجرائم وتفشى حالات الطلاق والقتل والانتحار، بالإضافة للعمل على تخريج جيل سوى نفسياً قادر على المشاركة فى عملية البناء والتنمية التى تعكف عليها الدولة والقيادة السياسية حالياً. وفى هذا السياق قال الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، أن هناك عدة عوامل أدت إلى زيادة معدلات الجرائم الأسرية التى تحدث هذه الأيام والتى غالباً ما تكون جرائم بشعة، وأهمها نمط التنشئة الاجتماعية والتربية على مبدأ العنف والتشبع به والنبذ الاجتماعى، كل هذه الأمور جعلت التربية تعذيب، وتربية الأبناء فى جو أباح ضرب الزوج لزوجته وتظل آثار هذا العنف ممتدة على الأطفال طول العمر، وهو ما يتسبب فى إعادة إنتاج سلوك العنف الذى تمت ممارسته على الزوجة والأولاد. وأشار «هندى» إلى أن العوامل الاقتصادية لها دور أساسى فى انتشار الجرائم الأسرية، فالفقر والبطالة كلها عوامل ضاغطة على الأم والأب، حيث يمارسون العنف فى محيط الأسرة، وقد يصل الأمر للقتل، وهناك أيضاً أسباب بيئية تؤدى للعنف مثل الزحام والعشوائيات، والتى تسبب ضغط عصبى، وهناك عوامل مستحدثة أهمها تعاطى المخدرات التى لها أثار نفسية أهمها الغيبوبة الحسية وتبلد الإحساس والانفصال عن الواقع فلا يدرك الشخص ما يفعله. وأضاف الدكتور وليد هندى، خلال حديثه ل«الوفد» أن الأطفال هم أبرز ضحايا العنف الأسرى والحوادث الغريبة كالقتل أو الانتحار أو الذبح أو الضرب، فهى تسبب لهم آثاراً نفسية، مثل «الخرس الاختيارى»، وهو أحد أشكال الاكتئاب، أو أكل الأظافر والتبول اللا إرادى والكوابيس المزعجة وفقدان الشهية، وهناك دراسة لعام 2015 أثبتت أن 60% من الأطفال يتعرضون إلى العنف الجسدى، وفى عام 2019 أصدر خط نجدة الطفل الدولى إحصائية، أكد فيها أنه تلقى من مصر فى ذلك العالم ما يقرب من 648 ألف مكالمة، 37% منها تخص العنف ضد الأطفال، مع وجود أكثر من مليار طفل سنوياً حول العالم يتأثرون بالعنف الجسدى، وهذه الإحصائية كبيرة للغاية، وتؤكد أن 3 من كل 4 أطفال على مستوى العالم يتعرضون إلى العنف الأسرى. فكرة جيدة ومن جانبه أعرب المحامى وليد عبدالمقصود، رئيس مبادرة إنقاذ الأسرة، عن تأييده لفكرة إنشاء مراكز لحماية الأسر من العنف التى أصبحت فى تزايد غير مسبوق فى مجتمعنا ففى خلال عام 2022 أصبحت النسبة 26,8% مقارنة بعام 2002 كان 10,2%. وأشار «عبدالمقصود» إلى أن الأسرة منظومة غاية فى الأهمية، فهى التى تنتج لنا أجيال المستقبل، لذا لابد أن يتمتع أفراد الأسرة بصحة وسلامة نفسية واستقرار، ليكونوا أشخاصاً منتجين ونافعين للوطن. وأوضح رئيس مبادرة إنقاذ الأسرة أن الحل الأمثل هو ما تحدث عنه مجلس الشيوخ من خلال إنشاء مراكز لتعزيز التماسك بين أفراد الأسرة، والحد من العنف الأسرى، وبالفعل تم تقديم مسودة للبرلمان عام 2016 لإنشاء المراكز خارج المحاكم للحفاظ على السلامة النفسية والعقلية للطفل من دخول المحاكم. وأكد أن إدمان المخدرات أصبح من الأسباب الرئيسية فى ارتفاع نسب العنف والطلاق وجرائم القتل فى الأسرة، فنجد زوجة تقتل زوجها، وزوج يقتل زوجته، وأخرى تتخلص من أبنائها، وزوج يتخلص من أسرته، ثم يتخلص من حياته، ولو بحثنا عن الأسباب فسنجد أن تعاطى المخدرات مثل الأيس والشابو تتسبب فى مشكلات نفسية تؤدى بالطبع إلى حدوث جرائم قتل بصورة بشعة، لذا أطالب بسرعة الموافقة على المقترح الذى حتماً سيتوافق مع رؤية الرئيس حول بناء الإنسان، فلا يصح أن يكون أحد الزوجين مدمن مخدرات لا يستطيع بناء أسرة وإنتاج جيل نافع فى المجتمع. وطالب المحامى ورئيس مبادرة إنقاذ الأسرة، وليد عبدالمقصود، باستحداث مادة دراسية إجبارية تسمى «التربية الأسرية» لتدرس فى التعليم الأساسى. وقال إن هذه المادة تعلم النشء معنى الأسرة، وكيفية اختيار شريك الحياة، وفن إدارة الأزمة وكيفية تربية الأبناء، وتعليمهم وفق القرآن الكريم بدلاً من الحصول على المعلومات من المواقع المنتشرة فى ضوء التكنولوجيا والتغير فى المجتمع. ظاهرة خطيرة وأوضحت صابرين جابر، استشارى العلاقات الأسرية، أن العنف الأسرى ظاهرة خطيرة، والعنف أصبح حالة عامة فى سلوكيات المواطن المصرى فى وقتنا الراهن، فلا يخلو حى أو مدينة فى مجتمعنا من سلوك سيئ يؤدى إلى العنف، مثلاً فى وسائل المواصلات العامة أو الخاصة، وغالباً ما يكون مصحوباً بألفاظ نابية وأصبحت لغة رسمية فى التعامل اليومى. وأكدت جابر خلال حديثها لجريدة «الوفد» أن إنشاء مراكز لحماية الأسر من العنف سيكون لها أهمية كبيرة فى مواجهة الأزمة حتى تساعد على توطيد السلوك داخل الأسر المصرية، وللوقاية من العنف الأسرى يجب مراجعة دور الأسرة نفسها، فهذا أمر ضرورى لمواجهة الظاهرة، كما يجب أن تتكاتف جميع الجهات للقضاء عليها فيجب الاهتمام بحق الطفل والحقوق المتبادلة بين الزوجين وحقوق الأبناء والآباء، فظاهرة العنف الأسرى تحتاج إلى الاهتمام بمعالجة أسبابها. ولفتت استشارى العلاقات الأسرية إلى أنه طبقاً لمفهوم «سيغموند فرويد» الإنسان كائن عنيف وعدوانى بطبعه، على اعتبار أنه يتوافر على أهواء وغرائز فطرية تحتم عليه القيام بسلوكيات ذات نزعة تدميرية، إلا أنه يتحتم علينا بكل الوسائل الحد من الظاهرة. وأشارت إلى أن ضعف الوعى وتدنى المستوى الثقافى لهما تأثير كبير على مدى انتشار ظاهرة العنف فى المجتمع المصرى، حيث إنه كلما قل الوعى زاد معدل العنف، فضلاً عن تفشى ظاهرة العشوائيات، والاختناقات المرورية، والزحام والأسباب الاقتصادية التى تعد من الأسباب الرئيسية التى أدت إلى زيادة نسب العنف الأسرى، فالفقر والبطالة وفقدان فرص العمل وزيادة الأسعار، كلها أسباب تدفع بالضرورة إلى القيام بأعمال عنف منها البلطجة مقابل الحصول على الأموال، كما أن الاقتصاد بتقلباته له تأثير على المجتمعات الفقيرة، بل يعد من الأسباب الخطيرة المحركة لأعمال العنف. وطالبت صابرين جميع الجهات بالبحث عن حل وليست جهة معينة للحد من هذه الظاهرة، على أن يكون للمراكز البحثية دور فعال فى ذلك، ولا يكون دورها قاصراً على التوعية فقط. تنفيذ القانون وتحدثت الأستاذة حميدة عبدالمنعم، مقرر المجلس القومى للمرأة ل«الوفد» مؤكداً أهمية إنشاء هذه المراكز وألا ينحصر دورها فى منع العنف فقط، بل العمل على تهيئة المعنف نفسياً ولابد من وجود إرادة سياسية تساند هذه المراكز، مع ضمان تنفيذ القوانين المصرية المتعلقة بحقوق كل إنسان مهما قل شأنه أو ضعفت إرادته فى المجتمع. وأكدت أن القضاء على ظاهرة العنف الأسرى يكمن فى القضاء على أسبابها وأهمها: الحالة الاقتصادية التى تمر بها البلاد والتنشئة الاجتماعية للأسرة المصرية والتفرقة بين الأبناء، فالأسرة هى المؤسسة النفسية والاجتماعية الأولى للأبناء، ففيها تتشكل شخصياتهم، كما يؤثر الوالدان على الأبناء بما يسلكان معهم من أساليب معاملة وتنشئة، وبما يغرسان فيهم من معايير، وقواعد سلوكية، وقيم دينية وأخلاقية، وفقدان الأبناء للبيئة الأسرية السوية لأى سبب كممارسة العنف فى التعامل معهم تجعلهم يفتقدون الكثير من المميزات النفسية، والاجتماعية، التى كان من المفروض تلقيها من الوالدين.