اليوم، انطلاق تصويت المصريين بالخارج في 30 دائرة الملغاة بحكم قضائي    انكماش اقتصاد اليابان في الفترة من يوليو إلى سبتمبر    باكستان ترحب بمقترح ربط ميناء جوادر بقناة السويس لإنشاء ممر اقتصادي استراتيجي    ترحيل عشرات الإيرانيين والعرب على متن رحلة واحدة    تايلاند تشن غارات جوية على طول الحدود مع كمبوديا مع تجدد التوترات    تجدد القصف المدفعي على خانيونس.. والعفو الدولية : الإبادة الجماعية في غزة مستمرة    وزير الحرب الأمريكي يدافع عن العمليات العسكرية في الكاريبي    2026 عام الانطلاقة الجديدة لحديقة الحيوان.. والعودة لاتفاقية سايتس    نهال عنبر تنعى صديقة عمرها: قلبي موجوع ومش مصدقة إنك مشيتي    اسعار الخضروات اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى أسواق المنيا    شاب يقتل والدته بتهشيم رأسها لخلافات أسرية في مدينة الشيخ زايد    جامعة الفيوم تنظم ندوة توعوية عن جرائم تقنية المعلومات الأربعاء المقبل    أفضل الطرق الطبيعية لملء الفراغات في الحواجب الخفيفة    نتنياهو: مفاوضات جنوب سوريا تتواصل مع الحفاظ على المصالح الإسرائيلية    ملفات ساخنة وأحداث مُشتعلة فى تغطية خاصة لليوم السابع.. فيديو    ماسك يشبّه الاتحاد الأوروبي بألمانيا النازية    حبس عاطل لقيامه بسرقة وحدة تكييف خارجية لأحد الأشخاص بالبساتين    ميلوني تؤكد لزيلينسكي استمرار الدعم قبيل محادثات لندن    "من يريد تصفية حسابات معي فليقبض عليّ أنا" ..لماذا تعتقل "مليشيا السيسى "شقيق مذيعة في قناة تابعة للمخابرات !؟    شئون البيئة: سوف نقدم دعمًا ماديًا لمصانع التبريد والتكييف في مصر خلال السنوات القادمة    الرئيس التشيكي: قد يضطر الناتو لإسقاط الطائرات والمسيرات الروسية    "قطرة ندى" للشاعر محمد زناتي يفوز بجائزة أفضل عرض في مهرجان مصر الدولي لمسرح العرائس    لميس الحديدي: قصة اللاعب يوسف لا يجب أن تنتهي بعقاب الصغار فقط.. هناك مسئولية إدارية كبرى    أشرف صبحي: قرارات الوزارة النهائية بشأن حالة اللاعب يوسف ستكون مرتبطة بتحقيقات النيابة    لاعب الزمالك السابق: خوان بيزيرا «بتاع لقطة»    هل تقدم أحد المستثمرين بطلب لشراء أرض الزمالك بأكتوبر؟ وزير الإسكان يجيب    ياهو اليابانية.. والحكومة المصرية    مجموعة التنمية الصناعية IDG تطلق مجمع صناعي جديد e2 New October بمدينة أكتوبر الجديدة    بدون محصل.. 9 طرق لسداد فاتورة كهرباء شهر ديسمبر 2025    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 في القاهرة والمحافظات    كأس العرب - بن رمضان: لعبنا المباراة كأنها نهائي.. ونعتذر للشعب التونسي    أوندا ثيرو: ميليتاو قد يغيب 3 أشهر بعد الإصابة ضد سيلتا فيجو    غرفة عقل العويط    «القومية للتوزيع» الشاحن الحصري لمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2026    رئيس "قصور الثقافة": السوشيال ميديا قلّلت الإقبال.. وأطلقنا 4 منصات وتطبيقًا لاكتشاف المواهب    إبراهيم حسن: محمد صلاح سيعود أقوى وسيصنع التاريخ بحصد كأس أمم إفريقيا    كم عدد المصابين بالإنفلونزا الموسمية؟ مستشار الرئيس يجيب (فيديو)    كيف يؤثر النوم المتقطع على صحتك يوميًا؟    اليوم.. المصريون بالخارج يصوتون فى ال 30 دائرة المُلغاة    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة ومضاعفة الحوكمة    أحمد موسى يكشف أزمة 350 أستاذا جامعيا لم يتسلموا وحداتهم السكنية منذ 2018    وائل القبانى ينتقد تصريحات أيمن الرمادى بشأن فيريرا    أمن مطروح يفك لغز العثور على سيارة متفحمة بمنطقة الأندلسية    حاتم صلاح ل صاحبة السعادة: شهر العسل كان أداء عمرة.. وشفنا قرود حرامية فى بالى    الموسيقار حسن شرارة: ثروت عكاشة ووالدي وراء تكويني الموسيقي    أحمد موسى: "مينفعش واحد بتلاتة صاغ يبوظ اقتصاد مصر"    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    تعرف على شروط إعادة تدوير واستخدام العبوات الفارغة وفقاً للقانون    عاشر جثتها.. حبس عاطل أنهى حياة فتاة دافعت عن شرفها بحدائق القبة    تجديد حبس شاب لاتهامه بمعاشرة نجلة زوجته بحلوان    حياة كريمة.. قافلة طبية مجانية لخدمة أهالى قرية السيد خليل بكفر الشيخ    3 أكلات يجب تجنبها لتحسين مقاومة الأنسولين    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    كشف ملابسات فيديو عن إجبار سائقين على المشاركة في حملة أمنية بكفر الدوار    الجامعة البريطانية بمصر تشارك في مؤتمر الطاقة الخضراء والاستدامة بأذربيجان    اختبار 87 متسابقًا بمسابقة بورسعيد الدولية لحفظ القرآن بحضور الطاروطي.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 7-12-2025 في محافظة الأقصر    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطبيعة تصب غضبها على البشر
عدد اللاجئين بسبب البيئة تعدى 20 مليون شخص
نشر في الوفد يوم 08 - 09 - 2022

مصر تلعب مع الكبار فى ملفات «الطاقة والغذاء والمياه» بإفريقيا
يعيش العالم أوقاتاً فارقة وعصيبة فى تاريخه الإنسانى المعاصر، فقد اشتدت التغيرات المناخية منذ 2017 لدرجة أغضبت الطبيعة على البشر وانقلبت حتى أصبحت خصما لدودا ووحشا يستلزم ترويضه والتحكم فيه من ناحية وتهيئة البشر للتكيف والتغيير للتعايش مع المستجدات الصعبة من ناحية أخرى، وانعكست التغيرات العنيفة وخاصة .
المستجدة خلال الصيف الحالى على حياة الإنسان اليومية، فعلى سبيل المثال هطول الأمطار غير العادى الذى نتجت عنه الفيضانات كما حدث فى السودان، الصين، الهند، بعض دول أمريكا اللاتينية لم تقوَ الدول بإمكاناتها على التصدى لآثارها المدمرة وتعويض ما فقده الأفراد من بيوتهم وأرزاقهم ومتعلقاتهم وكافة أنشطة حياتهم وتحولوا إلى سكان للخيام أو مشردين مما زاد من أزمة اللاجئين الجدد ونشوء ما يسمى بظاهرة «اللجوء البيئى» التى وصل معها مجموع اللاجئين فى العالم إلى أكثر من 20 مليون شخص طبقا للمفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة.
مشروعات كسر النفوذ المصرى ممتدة منذ تاريخ إنشاء السد العالى
وواجهت الدول الأوروبية والولايات المتحدة وأخرى فى شمال إفريقيا زيادة فى حرارة الجو إلى ما يفوق الأربعين درجة قادت إلى اندلاع الحرائق المدمرة والهالكة للغابات فى فرنسا، بريطانيا، البرتغال، إسبانيا، اليونان والجزائر، ولم تستطع إمكانات هذه الدول الهائلة السيطرة عليها فى وقت قصير حتى امتدت لتأكل 660 ألف هكتار منذ يناير حتى الآن، مخلفة وراءها ضحايا من الأموات والمصابين والخسارات الاقتصادية والاجتماعية التى تقدر بالمليارات، وصاحب هذه الظواهر جفاف آلاف الأفدنة من التربة الزراعية فى بلدان كانت من أكثر الدول خصوبة، إما بسبب قلة المياه فى أنهارها ووديانها بفعل الإنسان مثل بناء السدود المنيعة على طولها، وسحب كميات هائلة من المياه لإطفاء حرائق الغابات مع استمرار معدلات الاستهلاك اليومى، مما أثر على حركة التجارة وتبادل البضائع بين دول الاتحاد الأوروبى وهددها بفقدان ما يزيد عن 180 مليون يورو من عائدات حركة التجارة الداخلية عبر الأنهار، كما أثرت موجات الجفاف بدورها على نقص الغذاء الذى تتطور فى بعض مناطق العالم ليصل إلى حد «الجوع» الذى عاد إلى إفريقيا فى إثيوبيا، كينيا، الصومال، دول الساحل واليمن وغيرها أودت بحياة الملايين.
يطرح هذا الملف أسئلة هامة حول أسباب هذه الظواهر والحلول المقترحة للتعايش والتكيف معها فى المستقبل والتدابير الواجب اتخاذها من الدول والمؤسسات الدولية، كما يطرح تساؤلات جديدة حول نظرية المؤامرة بمعنى أدق هل هذه الظواهر التى إكتسحت العديد من الدول بعينها فى نفس الوقت وبنفس الأعراض والظواهر ناتجة عن غضب الطبيعة أم بفعل فاعل؟ بمعنى هل هى أحد أسلحة الحرب الدائرة بين القوى الكبرى من أجل إنهاكها؟.
كما يعرض الملف بين أيديكم ماذا فعل الكبار فى إفريقيا وأعدوا لها منذ سنوات ماضية من أجل جنى ثمار ما زرعوه الآن وكأنهم على موعد مع الأحداث التى صنعوها بأيديهم؟!، والجانب المصرى المضىء الذى وضع «الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050» مصحوبا بالاستعدادات لاستضافة مؤتمر الاتفاقية الإطارية لأطراف المناخ للأمم المتحدة فى شرم الشيخ نوفمبر 2022.
المستقبل القريب يشهد سفيراً للمياه وبورصة عالمية يتحكم فيها العرب بمواردهم المائية
سجلت حرارة الجو ارتفاعا منذ 1860 وصل إلى 1٫2 درجة مئوية، إلا أن وقوع الحرائق التى اجتاحت مساحات واسعة من الغابات فى أوروبا سجلت زيادة فى حرارة الجو تعدت الأربعين درجة مما أثار مخاوف الأوروبيين من وصولهم فعلياً إلى زيادة حرارة كوكب الأرض إلى درجتين مئويتين حسب صحيفة «مودرن ديبلوماسى» منذ أسبوع.
شيطان السياسة يكمن فى التفاصيل
أثبتت دراسة «تحديات وفرص الاتحاد الأوروبى للتحول نحو الطاقة النظيفة» للباحث أليساندرو جيلى فى مركز الدراسات الدولية والسياسية الإيطالى أن الحرب الأوكرانية لعبت دورا خطيرا فى تحقيق «تحركات جيوسياسية» لتغيير موازين وتمركزات القوى الكبرى فى العالم وخلق منافذ جديدة للنفوذ، موضحا فى دراسته أن الهدف وراء حزمة الاتفاقات الأوروبية من أجل الوصول إلى التحول للاقتصاد الأخضر هو فى حقيقته طريق للوصول إلى أماكن تمركز مقومات «الاقتصاد النظيف مع ضمان التمويل المستدام» متمثلا فى البحث عن ممولين جدد مثل القطاع الخاص وليس مؤسسات الدول الرسمية من أجل ضخ استثمارتهم فيما يسمى ب«الاقتصاد الدوار» الذى يعتمد على إعادة تدوير وصناعة المخلفات والذى أثبتت الأبحاث أنه سوف يدر عائدات مهولة على خزائن الدول الأوروبية، كما ذكرت أورسولا فون دير لاين رئيس المفوضية الأوروبية بعد وضع «الخطة البيئية» للاتحاد الأوروبى وعرضتها على مجموعة العشرين فى 2019، والتى تقرر أن تصبح أوروبا «قائدا لخطة التحول نحو الاقتصاد الأخضر داخل وخارج حدودها».
ولكن تقول دراسات المركز الإيطالى للدراسات الدولية والسياسية إن مجموعة الشروط التى يمليها الاتحاد الأوروبى ولجانه المتخصصة على رجال الصناعة تحتم عليهم نقل صناعاتهم التى ينبعث منها الكربون ويزيد نسبته داخل حدود أوروبا إلى الخارج أى فى دول أخرى، كما تستفيد خزائن أوروبا من عائدات الضرائب المفروضة على تصدير منتجاتها بالمواصفات البيئية الجديدة إلى العالم وفتح أسواق جديدة فى دول الاقتصادات الناشئة، مع منعها استقبال أية منتجات من الخارج لا تحمل نفس المواصفات مما يعيدنا إلى سياسات احتكار الأسواق والتوزيع التى اتبعتها نفس الدول فى فترات الاستعمار القديم.
جفاف أهم أنهار أوروبا وحرائق الغابات حولت أنظار معظم الحكومات إلى إفريقيا
كما وضعت المفوضية الأوروبية خطة متلازمة مع «الخطة الخضراء» من أجل أن تستقل أوروبا فى مصادر الطاقة عن الغاز الروسى بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لتجنب ما أسماه الأوروبيون ب«الابتزاز الروسى» من خلال خطوط الغاز «نورد ستريم 1 و2» اللذين عطلتهما روسيا، وتسمى هذه الخطة «إعادة شحن طاقة أوروبا»، وتحقق هذه الخطة الوصول إلى إنتاج 1236 جيجا وات من الطاقة المتجددة بحلول 2030، متمثلة فى الطاقة الشمسية 600 جيجا وات، الرياح 480، مع خفض استخدام الوقود الأحفورى المتمثل فى البترول ومشتقاته والذى يمنح الدول المنتجة له كروتاً للضغط على اوروبا والولايات المتحدة.
ولكن يستوجب الوصول إلى هذه النتائج أن يتم جذب الاستثمارات الخاصة لتحمل تكاليف البنية التحتية داخل وخارج حدود القارة الأوروبية لضمان إنتاج بطاريات الشحن والذى عقدت فيه المفوضية اتفاقاً مع دول حوض المتوسط 2017 ومن بينهم مصر لبناء المصانع التى تنتج مثل هذه البطاريات، توفير التكنولوجيا اللازمة لابتكار أساليب توسيع سعة التخزين وإعادة استخدام شبكات أنابيب الغاز الطبيعى وتجهيزها للطاقة الجديدة.
وصاحب الاتفاقات السابقة خطة أوروبية أخرى تسمى «استراتيجية الهيدروجين 2020» وتهدف إلى إنتاج 10 ملايين طن بنهاية 2023، عن طريق مسارين أولهما يبدأ فى ممر عبر البحر المتوسط يؤهل دول شمال إفريقيا إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر، وثانيهما يسير عبر منطقة بحر الشمال وأوكرانيا والذى حطمت الحرب الروسية آمال الأوروبيين فى تحقيقه، ويحتاج هذان المساران إلى ما يقرب من 28 إلى 36 مليار دولار من أجل إقامة شبكة من المواسير والأنابيب لحمل كميات الهيدروجين بين مناطق الإنتاج والاستهلاك، بالإضافة إلى تكاليف إعداد مناطق ومراكز التخزين التى تصل إلى 11 مليار دولار.
وتعتبر دراسة بعنوان من الاتفاقية الخضراء لإعادة شحن طاقة أوروبا فى مركز الدراسات الدولية والسياسية الإيطالى أن المحاولات الأوروبية فى قيادة العالم نحو الاقتصاد الأخضر هدف نبيل ويحقق التعافى من أزمات التغيرات المناخية، إلا أنه فى الحقيقة ما هو إلا محاولات مستترة للوقوف فى وجه مسارات المشروع الصينى العملاق مبادرة الحزام والطريق الذى التهم بدوره الاستثمارات فى مجالات التنمية والبيئة على طول مساراته حول العالم، وهو ما أثر سلباً على اقتصادات أوروبا والولايات المتحدة مجتمعين.
نظرية المؤامرة
قال موقع «ناشونال جيوجرافيك» إن ارتفاع حرارة الجو ليس كافياً فى حقيقته لاندلاع مثل هذه الحرائق الشديدة جدا والتى تمتد لتشمل عشرات الكيلومترات وتخرج عن سيطرة إمكانات الدول الكبرى، وأضاف الموقع أنه لا بد من إشعال أى شخص أو أداة للنيران إما فى كومة كبيرة من أوراق الأشجار المركونة منذ فترة طويلة، أو استخدام مواد قابلة للاشتعال وإضرام النيران فى الأشجار القديمة أو غيرها من الشجيرات الكثيفة. وتناولت إحدى الدراسات لجامعة كامبريدج وغيرها ما يسمى بحرب الحرارة التى وجهت أصابع الاتهام إلى ما يسمى بالحرب الخفية بين القوى الكبرى حول ملف التغيرات المناخية والتى كان وصفها الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بالمؤامرة التى تستخدم لتحقيق أهداف سياسية، على حد قوله موجهاً اتهامه للرئيس الحالى جو بايدن أثناء مناظراتهما الانتخابية فى سبتمبر 2020.
ماذا فعل الكبار فى إفريقيا أثناء غفلتنا؟
انعكست موجات ارتفاع الحرارة مصحوبة بالجفاف فى الأراضى الزراعية الخصبة ونقص شديد فى مياه الأنهار إلى حدوث «اختلال فى التوازن البيئى» الربانى الذى حافظ على استمرار الحياة على كوكب الأرض منذ بدء الخليقة، إلا أن هذا الاختلال نتج عن تلاعب الإنسان بالمكونات الطبيعية للبيئة بأشكالها، جسدت قارة إفريقيا واحدة من أبدع صور الطبيعة المتنوعة والتى كانت وما زالت مطمعاً لكل القوى الكبرى وخاصة فى الفترة الحالية بعد أن دبت الحرارة والجفاف أراضى أوروبا، إلا أنه مع البحث وراء ألاعيب الكبار وشركاتهم وعلمائهم فى المكونات الطبيعية للقارة السمراء لخلق ملاذ آمن لهم على مستوى الثلاثى المرعب كما يسمونه «نقص الطاقة، الغذاء والمياه» خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، تبين لنا أن المحاولات لم تستجد بعد التغيرات المناخية الأخيرة وإنما بدأت منذ عقود طويلة كالتالى:
(سيناريو الطاقة)
لدينا فى إفريقيا عدة مصادر لتوليد الطاقة وهى الشمسية، الكهرومائية عن طريق السدود، الرياح وكذلك الطاقة الهيدروجينية المستمدة من أشعة الشمس والمياه، بالإضافة إلى الغاز والبترول، كانت الولايات المتحدة من أولى الدول التى قامت بعمل أبحاث واسعة النطاق بالتعاون مع علماء إسرائيليين انتهوا جميعا تحت رعاية الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب إلى إنشاء كيان مستقل عام 2017 تحت مسمى «باور إفريقيا» يهدف إلى إنارة القارة الإفريقية جميعها بمختلف مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة، وهو هدف لم يكن وليد العشر سنوات الماضية ووجود نتنياهو فى السلطة من أجل تفعيله، ولكنه يعود إلى 1958 كمشروع بديل لمشروع السد العالى الذى كانت مصر بصدد إنشائه آنذاك، واستخدام إثيوبيا كسلاح فى وجه ومقاومة امتداد القوى والنفوذ المصرى فى القارة وعمقها.
بناء على ما تم نشره فى صحيفة «إفريقيا كوارتز» الاقتصادية وتحت عنوان «شالوم إفريقيا» فى عام 2017:
تتلخص الاتفاقية الأمريكية الإسرائيلية التى تم توقيعها فى ديسمبر 2017 مع الدول الإفريقية وبالتحديد فى منطقة «الايكواس» الاتحاد الاقتصادى لدول غرب إفريقيا، ثم امتدت لتشمل شرق إفريقيا للوصول إلى الدول المطلة على حوض النيل، قبل أن تنضم إسرائيل كمراقب فى الاتحاد الإفريقى والايكواس وتلتها الاتفاقية الإبراهيمية مع السودان المخطط لها قبل هذا التاريخ، حيث لم تكن مصادفة أن يقوم ديفيد فريدمان السفير الأمريكى فى إسرائيل بدور الوسيط فى نقل السفارة إلى القدس والتعاون مع وزير الطاقة الأمريكى من أجل إبرام اتفاق «باور إفريقيا» بين كل هذه الاطراف بقيمة 7 مليارات دولار امتد العمل بها منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق أوباما من أجل توصيل الكهرباء ل60 مليون منزل فى أنحاء إفريقيا بحلول 2030، يتم تنفيذ هذه المشروعات تحت رعاية الوكالة الأمريكية للتنمية ومن بين هذه المشروعات:
توليد الطاقة الشمسية فى رواندا بسعة 8٫5 ميجاوات وقامت بتنفيذها شركة إنرجيا جلوبال التى تهدف إلى استقلالية مشروعات الطاقة فى الدول الإفريقية عن القرار الرسمى لهذه الدول وتمكين المرأة الإفريقية من العمل فى هذه القطاعات وتحقيق التنمية الاقتصادية، وإقامة «الوكالة الأمريكية للتجارة والتنمية» لمشروع توليد الطاقة فى مدينة مستقلة للشباب فى رواندا تحت مسمى إسرائيلى «أجهوزو شالوم» بسعة 6% والتى سوف تتطور فى المستقبل لتصل إلى 1000 ميجاوات من مصادر الطاقة الشمسية، الرياح، الكهرومائية مصحوبة بمجموعة من السدود الصغيرة التى وصلنا إليها الآن، ومن الملفت أن اسم المدينة الشبابية فى رواندا يحمل اسماً يهودياً على غرار تهويد المدن الفلسطينية.
كما تتضمن الاتفاقية إقامة 82 مشروعاً فى دول الساحل والصحراء تحت الرعاية الأمريكية لتوليد 7٫351 ألف ميجاوات من بينها 2٫043 تم توليدها بالفعل فى دول رواندا وغانا وكينيا وإثيوبيا وأوغندا، سوف
تقوم شركة أمريكية أخرى تسمى «سو إنرجى» بتوليد 2٫2 ميجاوات عن طريق الطاقة الكهرومائية، تقيم الوكالة الأمريكية للتنمية 800 مشروع لتوصيل الطاقة بسعة 75 ألف ميجاوات، كما أعلن وزير الطاقة الأمريكى بيرى فى عهد إدارة ترامب أن بلاده بصدد استخراج البترول والغاز الطبيعى من دلتا النيجر وتبادل الغاز السائل بين النيجر والولايات المتحدة التى سوف تعيد تصديره للدول الإفريقية بعد إسالته يعنى «تفيد وتستفيد».
كما تلعب وكالة «باور إفريقيا» التى قامت بإنشائها الولايات المتحدة وإسرائيل دورا خطيرا من أجل تحويل إثيوبيا إلى وحش للطاقة وتصديرها للطاقة عن طريق بطاريات الطاقة، وتبيع الكيلو وات بأرخص سعر عالمى لا يتعدى 0٫10 سنت وداخل الأراضى الأمريكية والذى يبلغ أعلى من 4٫5 سنت حاليا، بالإضافة إلى تعريفة خاصة بدول الساحل والصحراء تصل إلى 0٫58 ويمنح هذا المشروع الحكومات الإفريقية حصصاً ولو ضئيلة من هذه التعريفات لتكون مصدرا للخزينة العامة فى كل دولة.
سيناريو المياه:
كان مجلس دول الأطلنطى ومركز سانديا للأبحاث البيئية والثروات الطبيعية أصدر تقريرا فى 2017 بعنوان: «مشروع الأمن المائى من الخليج إلى النيل»، وضع هذا التقرير سيناريو مستقبل استغلال المياه العذبة فى الدول العربية والإفريقية تتحقق بعض ملامحه الآن كالآتى:
يشمل المشروع دول مجلس التعاون الخليجى الست ومعها مصر، سوريا، العراق، الأردن، إثيوبيا، السودان، جنوب السودان وتركيا، وتم اختيار هذه الدول لأنها تطل على أطول وأعذب الأنهار فى العالم وبالتالى فهى تمتلك تحقيق الأمن المائى بنسبة 80%، بالإضافة إلى آبار المياه الجوفية التى توجد حتى فى الجزيرة العربية مع أكبر مخزون من النفط والغاز الطبيعى مما يضمن أيضاً أمن الطاقة للعالم، وذكر التقرير أن أصل الحروب الدائرة فى العراق، سوريا واليمن هى فى الأصل حول المياه والتى كانت أحد أهم أهداف تنظيم داعش الاستراتيجية والسيطرة على منابع المياه العذبة كأحد الأسلحة الفتاكة والتهديد بنسف السدود إذا لزم الأمر وبيع المياه مثل بيعهم للآثار والنفط.
وبناء عليه وضع الباحثان بيتر أنجليكى وهيوارد باسل تصوراً وتوزيعاً للأدوار التى سوف تلعبها كل هذه الدول المذكورة، على سبيل المثال سوف تقوم دول التعاون الخليجى بالإنفاق على نقل تكنولوجيا تحلية المياه التى تتصدره إسرائيل وتعرض خدماتها فيه على الدول الإفريقية من بينها السودان وجنوب السودان وإثيوبيا وباقى دول حوض النيل وكذلك الدول العربية بعد الاتفاق الإبراهيمى كما يحدث فى الأردن والإمارات طبقا لمركز دراسات «اليوروميسكو» التابع للاتحاد الأوروبى، بما فيها تطوير تكنولوجيا وأدوات الرى، إعادة تدوير مياه الصرف (تحققها مصر بالتعاون مع بنك التنمية الإفريقى حاليا)، استخدام مادة الميثان التى تتولد من رى النباتات من مياه الرى المعالجة من أجل توليد الطاقة، واستخدام مخلفات الزراعة فى تخصيب التربة الزراعية بدلاً من انتظار الطمى الذى يتولد من فيضانات الأنهار والمتوقع انخفاضه مع زيادة السدود على ضفتى الأنهار، إنشاء نظام رى مشترك لكافة الدول كما هو الحال بين دول الخليج الست يركزعلى الرى المغطى تجنباً لتبخر المياه من شدة الحرارة (مصر قامت بتنفيذ هذا النظام فى بعض الأماكن) والتوجه لزرع اسطح المنازل بالمحاصيل المنتجة لتحقيق الاكتفاء الذاتى.
كما يضع التقرير السيناريو المتوقع تحقيقه فى المستقبل وهو «خصخصة المياه» أو رفع الدعم عن المياه لتشجيع الغالبية على ترشيد استهلاك المياه نظرا لتكلفتها العالية، أما فيما يتعلق بحوكمة المياه خلق ما يسمى بالدبلوماسية المائية وإقامة مفوضية للمياه وسفير للمياه فى كل بلد من هذه البلدان والمنظمات الدولية، من أجل عقد الاتفاقات وتبادل المياه فيما بينهم، كما تتضمن عمليات حوكمة منابع المياه وأحواض الأنهار والمصبات عن طريق الاتفاقات ووجود لجان تتولى إدارة وتقسيم حصص المياه فيما بين هذه الدول وباقى الأطراف، بل وإقامة بورصة عالمية للمياه تقوم الدول العربية وإثيوبيا وغيرها ممن تمتلك أكبر احتياطى مائى عذب فى العالم بوضع تسعيرة للمياه وتسعير أسهمها وهو ما يعتبره التقرير أحد مصادر الدخل القوية للحكومات.
سيناريو الغذاء:
هناك إعادة توزيع لخريطة مراكز لثروات والقوى وتغيير توازن القوى العالمية وتغيير حالة استقرار الأوضاع التى تعيش فيها بناء على وجهة نظر البروفيسور مايكل تشيدوفيسكى فى مركز دراسات «جلوبال ريسيرش» الكندى، هو ما يترتب عليه إعادة مفهوم الأمن القومى والعالمى الذى جاء أمن الطاقة والغذاء والتكيف مع التغيرات المناخية على رأس أجندته، وتوضح دراسة «الأزمة الاقتصادية العالمية الجديدة» فى نفس المركز التى توقعت الأوضاع التى نعيشها الآن منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، أن خريطة إنتاج الدول الغربية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، كندا، الاتحاد الاوروبى، نيوزلاندا، روسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية للغذاء على مستوى العالم سوف تتغير، حيث كانت تمتلك هذه الدول أكبر مساحات صالحة لزراعة المحاصيل مع توافر مياه كافية للرى، إلا أن التغيرات المناخية التى وقعت مؤخرا وارتفاع تكاليف هذه الزراعات بعد أن أفسدت محاصيلها الحرارة العالية، ونتج عنها جفاف فى أهم أنهار أوروبا «السين، الماين، وبو»، مع حرائق الغابات وارتفاع نسبة الكربون فى الجو الذى تكافحه المفوضية الأوروبية من خلال حزمة الاتفاقات منذ 2019، جعلت الخبراء والحكومات تتجه أنظارهم إلى قارة إفريقيا وهو المشهد الذى نعيشه مع القوى الكبرى التى جاب مندوبوها ومسئولوها أنحاءها خلال الشهرين الماضيين.
ودخل الملياردير المشهور بيل جيتس وجمعياته المشتركة مع زوجته السابقة مليندا على الخط، فقد ذكر موقع «جلوبال ريسيرش» أنه منذ 2003 حتى 2020 قامت جمعية جيتس بإنفاق 6 مليارات دولار على أبحاث ومشاريع الزراعة وتطويرها فى أنحاء العالم من بينها 5 مليارات دولار لقارة إفريقيا وحدها، ويكشف التقريرعن الشركات والكيانات الخيرية التى تعمل مع نظيرتها جيتس فى خدمة المجتمع من بينها «مؤسسة روكفلر» التى تمتلكها العائلة اليهودية الشهيرة، واللتان خصصتا 638 مليون دولار منذ عام 2006 حتى الآن من أجل استحداث اساليب جديدة فى الزراعة وتعليمها للفلاحين فى إفريقيا، إلا أن التقرير يكشف أن المنظمتين تقومان على تشجيعهم على استخدام المزيد من المبيدات الحشرية والبذور الهجينة والتكنولوجيا الحيوية وبدائل المكونات الغذائية لصالح شركات القطاع الخاص التى تحقق مكاسب تبلغ مليارات الدولارات، مما يعتبره التقرير أنه تدخل سافر من جيتس وروكفلر فى تغيير قائمة طعام وغذاء العالم، مصحوبا بفكرة استبدالهم للحوم بألياف مماثلة لتجنب استهلاك المواشى لكميات هائلة من المياه، وهو ما يقودنا فى المستقبل إلى الاستغناء عن اللحوم الحقيقية وتحويل معظم البشر إلى نباتيين مع مرور السنين!، وهو كما نطلق عليه الآن سياسات «التكيف والتغييرمع التغيرات المناخية»، أعلن عنها جيتس فى منتدى الحوار رفيع المستوى من أجل إطعام إفريقيا الذى عقد فى أبريل 2021 والذى قام فيه جيتس بالتأثيرعلى متخذى القرار فى 18 دولة إفريقية.
الإعجاز المصرى:
أطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050 منذ شهرين والتى تهدف إلى تحقيق نمو اقتصادى مستدام وخفض الانبعاثات فى مختلف القطاعات، مع بناء مرونة وتكيف مع تغير المناخ وآثاره السلبية، تحسين حوكمة وإدارة العمل فى ظل هذه التغيرات وتحسين البنية التحتية لتمويل الأنشطة التى تتواءم مع التغيرات المناخية مع رفع الوعى المجتمعى وتعزيز البحث العلمى ونقل التكنولوجيا اللازمة، وعلى الرغم أن مصر تساهم ب0٫6% من مجموع الانبعاثات الكربونية فى العالم إلا أن الحكومة المصرية قطعت شوطا كبيرا فى تحقيق هذه الأهداف.
جاءت على رأسها مشروع «بنبان» للطاقة الشمسية فى أسوان بالتعاون مع بنك التنمية الإفريقى، مشروع توليد طاقة الرياح فى جبل الزيت، توليد الطاقة بالهيدروجين الأخضر والأمونيا الذى يتم عن طريق التعاون مع الاتحاد الأوروبى فى المنطقة الصناعية بقناة السويس، التحول إلى النقل المستدام والأخضر متمثلاً فى القطارات والمونوريل الذى يدار بالكهرباء، استخراج السندات الخضراء ب750 مليون دولار وطرحها فى البورصات العالمية من أجل تمويل 40% من المشاريع الخضراء خلال العشر سنوات القادمة، تبطين الترع لخفض الفاقد من مياه النيل، إقامة أكبر محطة لمعالجة مياه الصرف الصحى وإعادة رى الزراعات فى بحر البقر، زراعة 100 مليون شجرة، وإقامة 15 محطة لتحلية مياه البحر على طول سواحل مصر فى شرق وشمال البلاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.