الدولة الدينية في الإسلام - إذا جازت تلك التسمية - تختلف عن الدولة »الثيوقراطية - الدينية - في عصور الظلام الوسطي في أوروبا والتي كانت دولة كريهة ظالمة لا احترام لكرامة ولا حرمة الرعية.. لا حرمة فيها لمال أو عرض أو نفس. فقامت الثورات وأمها كانت الثورة الفرنسية العظيمة.. أما دولة الإسلام - التي أسموها دينياً، أيضا؟! فهي تلك الدولة التي تحترم حقوق الانسان وتطبق شريعة الله وسنة محمد عليه الصلاة والسلام.. الدولة التي لا تفرق بين مواطنيها علي أي أساس من الدين أو العرف أو الجنس - دولة المواطنة - الدولة التي تحترم فيها أخاك في الإسلام وتحترم فيها أخاك من أي دين آخر. وفي 28 يناير 2007، كنت قد كتبت في »الوفد« ما يلي: في مقالين متتاليين كتبنا تحت عنوان: »الإسلام دين ودولة« وتحت عنوان: »نعم للإسلام.. لا للدولة الدينية« .. وكان الغرض، الرد علي الرأي القائل بأنه لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، وكذلك عن مفهوم المرجعية الدينية.. ذلك وقد تساءل بعض القراء الأفاضل.. مرة تقول:»الإسلام دين ودولة«.. وأخري »لا للدولة الدينية«؟! كيف يستقيم الأمر!! الواقع أن هذا التناقد يرجع إلي تعريف أو مفهوم »الدولة الدينية« لدينا جميعا!! وعن هذا المفهوم يدور موضوع هذا المقال.. كلنا نعلم أن »اللفظ« ما هو إلا ماعون - إناء - يحمل المعني - أي يدل علي معني محسوس أو مدرك من المدركات - فعندما استخدمت لفظ »لا للدولة الدينية« كنت أعني ذلك المعني المقصود والشائع والمتعارف عليه بين القراء وكتاب المقال السياسي.. فهو يعني تلك الدولة »الثيوقراطية« كما يطلق عليها في القاموس اللغوي - أو السياسي - للغرب الأوروبي.. وهي تلك الدولة التي كان يحكمها رجال الدين - الكنيسة - بالاشتراك مع الملوك والأباطرة والإقطاعيين إبان عصور الظلام الوسطي في أوروبا وإنجلترا، حيث تجبرت فيها الكنيسة ورجال الدين وفسد نظام الحكم واستبد بالرعية وكان ذلك تحت غطاء أو نظرية الحق الإلهي« في الحكم - أي المفوضين من قبل الرب في حكم البلاد - والله سبحانه وتعالي منهم براء!! بريء من تلك الجرائم والفظائع التي كانت ترتكب باسمه الكريم!! وكما نعلم نحن المسلمين في كتابنا الكريم بأن الله سبحانه وتعالي حرم علي نفسه الظلم.. فكيف يحكم هؤلاء باسم الله!! فنشأت تلك الدولة »الدينية«!! أو »الثيوقراطية« حسب التعبير اللغوي الأجنبي وهي تساوي.. دولة كريهة.. ظالمة!! دولة لا احترام فيها لحق الإنسان في حياة كريمة.. دولة تدوس علي الرقاب فلا حرمة فيها لمال.. أو عرض.. أو نفس!! نعوذ بالله العلي العظيم أن يفرط علينا، أو أن نفرط علي آخرين، وخاصة في أمتنا العربية والإسلامية التي ترفع لواء شريعة الله الغراء وتعمل بسنة حبيبه »المصطفي« عليه الصلاة والسلام المبعوث رحمة للعاملين.. ونحن في »مصر« والعالم العربي والإسلامي نعلم علم اليقين أنه ليس الله تعالي بأمر بمثل تلك الدولة وهذا النظام »الثيوقراطي« وتلك الدولة التي يحكمها رجال لم يفهموا الدين - أي دين - أو حرفوه خطأ أو عن قصد، ففسدت أنظمة الحكم، ومن سخرية القدر أن يحكموا باسم الله!! ذلك .. فعندما نستخدم عبارة: »الإسلام دين ودولة«.. يتبادر للذهن فوراً أن المقصود هو الوصول عن طريق هذا الشعار مستخدماً الإسلام كما سبق واستخدم الدين المسيحي - الكنيسة - من قبل هذا الاستخدام السيئ خلال تلك التجربة المريرة التي عاشتها أوروبا في عصور الظلام حيث »تمحكت« الكنيسة الأوروبية بالدين.. وكان منها براء!! ومن هنا نشأ سوء التفاهم ومشكلة الحوار!! حيث أدي ذلك الحكم إلي كراهية الغرب ونفورهم من خلط السياسة بالدين، بل من الدين أصلاً ظالمين لأنفسهم في ذلك!!. فعندما يرفع شعار: »الإسلام دين ودولة« أو شعار الإخوان المسلمين في مصر:»الإسلام هو الحل«، أو أي شعار آخر مشابه.. ينتاب الناس علي مختلف عقائدهم - مسلمين ومسيحيين - علي السواء، شعور بالخوف من ظهور »الدولة الدينية« بصورتها الأوروبية الكريهة!!. ذلك .. فيجب علي الكاتب منا، أن يكون حريصاً عندما يستخدم نفس المعني المتداول والمتعارف عليه لمدلولات الكلمات والألفاظ.. ولكن.. ما العمل إذا كان هذا المعني المتداول .. خطأ من أساسه!! هنا فقط يتعقد الأمر!! لأن تغيير مدلول الكلمات، عملية غاية في الصعوبة والتعقيد!! فما الحل!! سنبدأ بهذا المثال لنتفق علي »تعريف جديد« بدلاً من لفظ »الدولة الدينية«.. ليدل علي تلك الدولة الكريهة!! الدولة الإرهابية.. الظالمة..والدين منها براء!. فأي دين هذا الذي تسمي به مثل هذه الدولة؟! إذن فالتسمية نفسها.. خطأ.. وللأسف جاء هذا الخطأ لأننا في بلادنا نقلنا المعني نقلاً حرفياً خاطئاً إلي مفهومنا - مع أنه صحيح في التجربة الأوروبية - إبان عصور الظلام، ذلك لأن من حكمهم باسم »الدين« كان ظالماً، جاهلاً، ومخادعاً .. فقامت الثورات وسالت الدماء.. وكانت »الثورة الفرنسية« العظيمة علي الظلم هي شعاع النور والأمل الذي أطلت به أوروبا علي العالم كله لترفع راية أجمل الشعارات وأغلاها وأعظمها.. الحرية .. المساواة .. العدل والرخاء.. ولتضع أهم مبادئ الحكم والحريات العامة في العصر الحديث.. مبادئ »النظام الديمقراطي« .. تلك المبادئ التي جاء بها الإسلام منذ أكثر من »1427« عاماً، عندما صدع رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام بكلمة: »لا إله إلا الله محمد رسول الله«.. وأمره الله تعالي بالحكم بما نزل بالقرآن الكريم، وأن يكون الأمر »شوري« في سياسة المسلمين.. أفبعد كل هذا.. هل يصح أن نسمي دولة مجرمة ب »الدولة الدينية«!! فالدين لا يصح ولا يليق أن تكني به دولة كريهة!! إذن.. فالتسمية خطأ من أساسها!! ولابد للبحث عن تسمية جديدة لنطلقها علي تلك الدولة التي يعبث بها مجرمون متطرفون لا علاقة لهم بدين ولا ملة!! بل إن الله سبحانه وتعالي سماها لنا في قرآن يتلي حتي آخر الزمان: »دولة عتت عن أمر ربها«.. فلماذا لا نسميها »الدولة العاتية«!! لابد من البحث عن تسمية جديدة لنطلقها علي تلك الدولة »العاتية«.. وأنا أقترح أن يجلس علماؤنا الأفاضل لاختيار لفظ جديد ليعبر عن تلك الدولة.. وليكن مثلاً »الدولة الثيوقراطية« وهو اللفظ الأعجمي - الاجنبي - الذي استخدمه الغرب للدلالة علي تلك الدولة.. وكان استخدامهم صحيحاً ، في حين كان نقلها للغتنا ظالماً خاطئاً، ذلك لأن »الدولة الدينية« في مفهوم الشريعة الإسلامية الغراء يجب أن تكون هي تلك الدولة التي لا تفرق بين مواطنيها علي أي أساس من الدين أو العرق أو الجنس - دولة المواطنة - الدولة التي تحترم فيها أخاك في الإسلام وتحترم فيها أخاك في البشرية من أي دين آخر.. هذا هو الإسلام كما علمنا سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.. تلك الدولة التي يحق لنا أن نجعل شعارها:»الإسلام دين ودولة« ولا يخاف أحد من هذا الشعار!! تلك الدولة يقول الله تعالي عنها: بسم الله الرحمن الرحيم: »كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر«.. »صدق الله العظيم« وتلك هي الدولة التي يمكن أن تسمي »دولة دينية«، وليست بالمعني المتداول ظلماً!! والله أعلم.. وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالي لنتكلم عن مفهوم المرجعية الدينية للدستور المصري.