يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.. وكان من أعلم فقهاء الإسلام من حيث علاقته بأمور السياسة وتنظيم حياة المجتمع الإسلامي كما ارتضاه الله ورسوله الكريم لأمته: »إن الديمقراطية الغربية إجمالاً وضعت ضوابط محترمة للحياة السياسية الصحيحة.. ونبغي أن ننقل الكثير من هذه الأقطار لنسد النقص الناشئ عن جمودنا الفقهي قروناً طويلة« »فإذا حُصنت الشوري هناك وهي التي تقابل الديمقراطية لديهم وهي ملزمة لدينا في نظم الحكم بضمانات شتي لمنع الطغيان وإقدار المحقين علي النصح والنقد أو المعارضة في أمان، فلحساب من ترفض تلك الضمانات؟!! لله ورسوله أم للفساد السياسي المتوطن في أكثر من قطر؟!«. رحم الله شيخنا الجليل.. وللمزيد نرجو من قرائنا الكرام الإطلاع علي كتاب فضيلة الشيخ: »أزمة الشوري في المجتمعات العربية والإسلامية«. رحم الله شيخنا وأسكنه فسيح جناته.. تعالوا نقرأ معاً ما كنت قد كتبته في »الوفد« بهذا الشأن يوم 2007/2/11 حين قلت ما يلي: دكتور محمد كمال، أمين التدريب والتثقيف بالحزب الوطني والمتحدث باسم أمانة السياسات، في مقال ب»أهرام« الأحد 4 فبراير 2007 تصريحات ل»الأهرام« لا اتجاه للعلمانية عند تنظيم العلاقة بين الدين والسياسة.. نفي الدكتور محمد كمال، عضو هيئة مكتب أمانة السياسات بالحزب الوطني أن الاتجاه لتنظيم العلاقة بين الدين والسياسة في مصر يعني تبني »العلمانية« أو الفصل بين الدين والدولة. أو إفراغ المادة الثانية من الدستور من مضمونها، كما يريد البعض وهي المادة المتعلقة بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. ثم أكد سيادته علي ضرورة وضع قواعد تفصيلية لتنظيم العلاقة بين الدين والسياسة في مصر، وأن الدستور هو المرجعية الأساسية لجميع القوي السياسية، ويعني بذلك الدستور بكل مواده وليس المادة الثانية فقط منه. ونكتفي بهذا القدر من التصريح المنشور لسيادته.. لنستكمل الموضوع كما جاء في مقالات سابقة لنا بجريدة »الوفد«. في مقالات ثلاث سابقة تكلمنا عن »الإسلام كدين ودولة«.. ثم في المقال الثاني »نعم للإسلام.. لا للدولة الدينية«، وأثبتنا أن هذا لا يعني ولا يؤدي إلي أن تكون مصر دولة دينية بل أكدنا أنها دولة مدنية تنص المادة الأولي من دستورها الجاري تعديله الآن، علي مبدأ المواطنة وأكدنا أن الراسخ في حياتنا السياسية منذ نشأة الأحزاب وحتي اليوم هو عدم الموافقة علي قيام أحزاب سياسية علي أساس من الدين أو الجنس أو الأصل، ذلك حتي يطمئن الناس، كل الناس، بأن وإعلاء وإظهار مبدأ الإسلام دين ودولة لا يتعارض مع الحقائق والمسلمات في تاريخ حياتنا السياسية بمصر منذ ثورة 19 وقبلها وحتي اليوم، فقد كانت تلك السياسة الوفدية هي الركن الحصين والأساس المتين الذي قام عليه حزب الوفد العريق منذ نشأته وحتي اليوم، فهو بيت الأمة المصرية، بيت كل الناس، فعندما رفع الوفد سنة 1919 شعار »الدين لله والوطن للجميع« كان المقصود منه هو اتحاد عنصري الأمة المصرية الواعية في ذلك الوقت لمفهوم الجهاد ضد المستعمر لنيل الحرية والمطالبة بالدستور رداً علي مؤامرة الاستعمار البريطاني ومحاولاته الدائبة لتمزيق الوحدة الوطنية والمواطنة في مصر.. فكان معني الشعار الذي رفعه الوفد أن مصر هي الوطن الأم لكل من فيه من مسلمين وأقباط بصرف النظر عن الدين والعقيدة ولم يكن أبداً معناه الذي يحاول البعض الآن ترديده كما ذكرنا من قبل في دعوة الشيخ علي عبدالرازق سنة 1925 لفصل الدين عن الدولة ما علينا. وأخيراً وفي مقال ثالث تحت عنوان »الدولة الدينية.. مفهوم جديد« أثبتنا أن تسمية الدولة »الثيوقراطية« بالدولة الدينية تسمية خاطئة!! إذ كيف تكوني دولة ظالمة من تاريخ العصور الوسطي للظلام في أوروبا ويطلق عليها لفظ دينية؟! مع أن هذا اللفظ يوحي بالعدل وبالحرية والمساواة فذلك من يحض الدين عليه فلا يصح أن يقرن به الظلم!! وخاصة في عقيدتنا الإسلامية. واليوم.. استكمالاً للتعريف »الجديد« للدولة الدينية والذي جاء فيه: »إنها تلك الدولة التي تحترم حقوق الإنسان وتطبق شريعة الله الغراء.. وأنها لا تفرق بين مواطنيها علي أي أساس من الدين أو العرق أو الجنس دولة المواطنة الدولة التي تحترم فيها أخاك في الإسلام وتحترم فيها أخاك في البشرية من أي دين آخر.. دولة المساواة.. دولة القانون الأعلي فيها هو الدستور« ويحضرنا في هذا الصدد أن نتذكر قول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله وكان من أعلم فقهاء الدين وعلاقته بالسياسة في الإسلام، فقرة من كتابه: »أزمة الشوري في المجتمعات العربية والإسلامية« »إن الديمقراطية الغربية إجمالاً وضعت ضوابط محترمة للحياة للحياة السياسية الصحيحة.. وينبغي أن ننقل الكثير من هذه الأقطار لنسد النقص الناشئ عن جمودنا الفقهي قرونا طويلة«، ثم يذكر رحمه الله، فإذا حصنت الشوري هناك وهي ما يقابل الديمقراطية لديهم وهي ملزمة لدينا في نظم الحكم بضمانات شتي لمنع الطغيان وإقدار المحقين علي النصح والنقد والمعارضة في أمان، فلحساب من ترفض هذه الضمانات؟!! لله ورسوله.. أم للفساد السياسي المتوطن في أكثر من قطر؟! رحم الله شيخنا الجليل الشيخ محمد الغزالي وأسكنه فسيح جناته.. والشيخ هنا يفرق بين أمرين في الدستور الأول شكل نظام الحكم والثاني قوانين الحكم.. فنظام الحكم وتحقيق الشوري من خلاله هو الذي يقصده في هذا المقال، أما القانون الحاكم في الدستور ككل التشريع فمرجعيته دينية وهي الشريعة الإسلامية الغراء وأحكامها في كل مجالات الحياة في أمة إسلامية، وهذا معلوم من الدين بالضرورة والحمد لله فالشيخ يتكلم عن الشوري كمبدأ ملزم ولكنه جاء عاماً من ناحية التطبيق في القرآن الكريم، والرسول عليه الصلاة والسلام أمر به »فشاورهم في الأمر« ولذلك نقول بإلزامها وهنا ما أيده حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام، »كيفما تكونوا يولي عليكم« أي إذا تمسكتم بدينكم واتبعتم ما أمر الله به ولي عليكم الحاكم العادل الذي يأخذ بالشوري ويطبق شرع الله، فإذا كان نظام الحكم بالديمقراطية الغربية بالقوانين الوضعية يؤتي ثماره خيراً لأصحابه فما بالكم بنظام الحكم بالديمقراطية الغربية أيضاً، ولكن بالقوانين الشرعية الإسلامية ماذا سيأتي به من خير.. الله أعلم.. ذلك وسيكون موضوع الدستور هو الحلقة الأخيرة في سلسلة المقالات السابقة والتالية حيث يكتمل شرح معني الدولة الدينية ومعني المرجعية الدينية للدولة في مصر والمرجعية الدينية للدستور نفسه وعموماً يشرح ويبين لماذا »الإسلام دين ودولة«.. ذلك فمقالنا اليوم يتناول المرجعية الدينية للدستور المصري (مادة 2). تنص المادة الثانية من الدستور المصري »الإسلام دين الدولة« واللغة العربية لغتها الرسمية ،ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، دستور 1971 المعدل 1980 والمعمول به حتي الآن.. وقلنا من قبل وتؤكد دائماً أن ما سيأتي ذكره في هذا المقال وما نشر في مقالات سابقة لا يتعارض مع هذا المبدأ الدستوري، كما لا يتعارض وأن مصر نظام الحكم فيها »جمهوري رئاسي برلماني«، وأن مصر دولة مواطنة، كما يتم تعديل دستورها اليوم، دولة مدنية حيث نعلم كلنا أن مصر دولة لها حساسيتها الخاصة جداً بالنسبة لموضوع الدين والعقيدة فيما يتعلق بالوحدة الوطنية. عن المرجعية الدينية للدستور المصري يقول أستاذنا العلامة الكبير الدكتور عبدالحميد متولي أستاذ القانون الدستوري والأنظمة السياسية في كتابه المبدأ الشوري في الإسلام ثمة فرق كبير بين الكلام عن الدستور الإسلامي« فإن هذا يعني أن الإسلام قد جاء بدستور معين أي بنظام معين للحكم، وهنا غير صحيح والصحيح أن الإسلام قد جاء بمبادئ عامة لنظام الحكم وموضوعها كله بالالتزام بالشوري، ويمكن أن تتخذ فيها دساتير عدة بالنسبة لشكل الحكم، لذلك لا يصح الكلام عن الدستور الإسلامي. هذا فيما يتعلق بنظام الحكم أما فيما يتعلق بأن الإسلام عقيدة وشريعة فهذا هو أساس ديننا الإسلامي الحنيف وهذا هو ما يمثل المرجعية الدينية للتشريع في بلادنا، فقد وجب التنويه لأن الدكتور متولي هنا يتكلم عن نظام الحكم وليس القوانين الحاكمة، ويقول سيادته فعندما نطالب بنظام برلماني لا نطالب بالدستور البرلماني ولكن نطالب بدستور برلماني؟؟ وهذا ما ينطبق علي دستورنا المصري الذي فهم واضعوه تماماً أساس المرجعية الدينية فيه، يقول الله سبحانه وتعالي في كتابه الكريم بسم الله الرحمن الرحيم »كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر« صدق الله العظيم. وقد نظمت الشريعة الغراء وعمل فقهاء الإسلام علي تفعيل هذا الغرض الأسمي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلم يترك هكذا في يد أفراد أو جماعات أو مرجعيات ولكن كان القائم به في بلادنا المصرية مؤسستين، أما الأولي الأزهر الشريف ودار الإفتاء فمن ناحية رعاية شئون المسلمين كانت هذه المؤسسة هي الحصن الحصين والركن المنيع لدعائم ديننا الحنيف في مصر والعالم العربي والإسلامي كله راعياً لشئون الدين ومن هنا كان الأزهر الشريف هو المرجعية الدينية الوحيدة لأنه ليست المرجعية هنا لأي شخص كما في دول أخري.. ثم في مرحلة لاحقة اقتضت الظروف في الدولة المدنية وتطور الأنظمة السياسية في العالم كله أن تنتقل هذه المرجعية للدستور المصري المادة الثانية منه، والذي يحدد ملامح تلك الدولة المدنية، فالمرجعية الدينية موجودة دائماً ولا يمكن المساس بها ولكن مكانها التنفيذي هو الدستور المصري الذي يحدد ملامحها بالمفهوم الغربي حيث يسميها دولة مدنية ونحن هنا نسميها دولة دينية بمفهومها الجديد الذي شرحناه في مقالات سابقة وليست هي الدولة الدينية المكروهة في المفهوم الغربي!! فهي الدولة التي مرجعية دستورها الإسلام ومرة أخري نؤكد أن الأزهر لا يحكم لأن مصر دولة مدنية جمهورية رئاسية برلمانية.. أما المؤسسة الثانية لإدارة شئون الدولة رئيس الدولة الوزارة والوزراء السلطات التشريعية ممثلة في مجلس الشعب، وأخيراً السلطة القضائية تلك هي سلطات الحكم المدني في مصر وهذا هو النظام الديمقراطي، كما هو معروف في كتب القانون الدستوري والأنظمة السياسية في العالم كله. دستور مصر من أعظم الدساتير في العالم كله، ولكن التفعيل لذلك الدستور يبقي هو الشاغل الأكبر لنا جميعاً!! فالتطبيق وآليات التطبيق هذا ما يجب أن يتسع حوله الحوار وأن يكون هو الهدف لكل الجدل الذي يتحرك في اتجاهات عكس عقارب الساعة! مرة أخري كما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله »إذا حصنت الشوري بضمانات شتي لمنع الطغيان في أنظمة الحكم الغربية والقدرة علي النقد والمعارضة في أمان فلحساب من ترفض هذه الضمانات الديمقراطية لله ورسوله أم للفساد السياسي المتوطن في أكثر أقطارنا، وإلي لقاء في الأسبوع المقبل، إن شاء الله تعالي لنتكلم عن الشريعة الإسلامية والدستور وعلاقة الدين بالأخلاق، وعلاقة الأخلاق بنظام الحكم، وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم في حديثه: »كيفما تكونوا يولي عليكم فاتقوا الله.. يا أولي الألباب«.. وإلي لقاء.