- عايز مصر دولة مدنية ولا دينية؟ حين ألقينا هذا السؤال على عدد من الشباب المصري، تيقنا من أن النظام البائد جعل أبسط المفاهيم السياسية بمثابة الطلاسم!. فهناك خلط في المفاهيم السياسية، ومن أهمها الخلط بين الدولة الدينية والإسلامية، وعدم تحديد المفهوم الصحيح للدولة المدنية. الدولة المدنية أبسط تعريفات الدولة المدنية تعني أن السيادة للشعب وأن يكون هو مصدر السلطات، اتحاد أفراد يعيشون فى مجتمع يخضع لنظام من القوانين كآداة تقف فوق جميع أفراد الشعب، مع وجود قضاء يطبق هذه القوانين بإرساء مبادئ العدل. كما توجد شروط أساسية لقيام الدولة المدنية، أولها ألا تنتهك حقوق أي فرد من أفراد الشعب من جانب فرد آخر، بحيث توجد دائما سلطة عليا وهى سلطة الدولة التي تطبق القانون ويلجأ إليها الأفراد عندما تنتهك حقوقهم أو بمجرد التهديد بالإنتهاك. ومن شروط تحقق الدولة المدنية تحقيق الديمقراطية، وينبغي التأكيد على أن الدولة المدنية لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة، فهو ليس أداة للسياسة وتحقيق المصالح، لأن ذلك يبعده عن عالم القداسة ويدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة، كما يتنافى مع مبدأ التعدد الذى تقوم عليه الدولة المدنية، وبذلك فمن الخطأ تصور أن الدولة المدنية تعادى الدين أو ترفضه، فالدين يظل فى الدولة المدنية جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة وهو الباعث على الأخلاق والاستقامة والالتزام. ومن خصائص الدولة المدنية أنها تتأسس على نظام مدني من العلاقات، أو ما يعرف بالثقافة المدنية وتقوم على قبول الآخر، والمساواة فى الحقوق والواجبات، التسامح، السلام، الثقة فى عمليات التعاقد والتبادل المختلفة. والمواطن على أرض هذه الدولة، لا يُعرف بمهنته أو بدينه أو بإقليمه أو بماله أو بسلطته، وإنما يُعرف تعريفا قانونيا اجتماعيا بأنه مواطن، أى أنه عضو فى المجتمع له حقوق وعليه واجبات، يتساوى فيها مع جميع المواطنين. الدولة الدينية أما الدولة الدينية فليس المقصود بها الدولة الإسلامية، وإنما يقصد بها نوعية الحكم الذي كان سائدا في القرون الوسطى في أوروبا، حينما كان الحكام كانوا يحكمون باسم الله، وكان الحاكم بمثابة ظل الله على الأرض، فهو مقدس ولا يُخطيء. وإذا كانت المسيحية قد بدأت في قلب الإمبراطورية الرومانية، فإن الإسلام بدأ في بيئة صحراوية بدوية لا تعرف معني الدولة، وقد بدأت الدولة الإسلامية الأولي في المدينةالمنورة، وكان الرسول صلوات اللّه عليه هو مُبلغ الرسالة من ناحية وهو الذي يمارس سلطة الحكم من جهة أخري، ومن هنا نجد عمق الارتباط بين ظهور الدولة ونشأتها وبين الرسالة الجديدة، من هنا جاء الخلط بين "الدينية – والإسلامية". وإذا كان الرسول قال للمسلمين أنتم أعلم بشؤون دينكم، وأمرهم بالتشاور فقد رجح المفكرين الإسلاميين أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، ولكن واحدة من الفرق الشيعية هم الشيعة الإمامية يقولون بولاية الفقيه وبذلك يقتربون من فكرة الدولة الدينية. ومع العصر الحديث لم يعد هناك وجود للدولة الدينية، إلا من جانب بعض غلاة اليهود وبعض غلاة ما يعرف باسم المسيحية الصهيونية وبعض غلاة الشيعة، أما غير هؤلاء فلا يعرفون إلا الدولة المدنية. أما "الدولة الإسلامية" فمعناها أن تُحكم بالشريعة الإسلامية، ويُطبَّق الشرع على الحاكم والمحكوم معًا.