صدر منذ عدة أيام، حكم محكمة الاستئناف (شئون الأعضاء) بإلغاء الإعلان الدستوري، الصادر بتعيين النائب العام «المستشار طلعت عبدالله»، مع ما يترتب علي ذلك من آثار، وقد تضمنت حيثيات الحكم النص علي إن انعدام قرار تعيينه، يرتب عودة المستشار د. عبدالمجيد محمود النائب العام السابق إلي شغل منصبه بقوة القانون!!!، وقد أثار الحكم ضجة هائلة حول عدد من المسائل الجوهرية التي نعرض لها. وأول هذه المسائل مسألة الزعم بعدم جواز تعرض الحكم بالإلغاء للإعلان الدستوري الذي صدر من الرئيس مرسي، بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما، بدلا من المستشار د. عبدالمجيد محمود الذي عزله من منصبه وقرر تعيينه في وظيفة سفير مصر في دولة الفاتيكان، ولكن اختار عودته إلي القضاء! والصحيح في هذا الشأن أن القضاء وحده صاحب الولاية والاختصاص في تكييف موضوع ولحل الدعوي، وكشف صحة اختصاصه برقابته والفصل في النزاع بشأنه، وبناء علي ذلك لا يكون للسلطة التنفيذية وحدها «سلطة مطلقة» في وصف ما يصدر عنها، من قرارات وتصرفات بأنها «إعلانات دستورية» دون معقب عليها من القضاء، الذي من حقه دستوريا وقانونا تكييف هذه القرارات بحسب طبيعتها الحقيقية، وذلك بمراعاة محلها والدافع لإصدارها، والغاية من هذا الإصدار، ومدي اختصاص ولاية مصدر هذه القرارات، من الناحية الدستورية، والقانونية. والثابت من أحكام الدستور المؤقت الصادر في 30/3/2013 والنافذ وقت إصدار الإعلان الدستوري المزعوم، أنه ليس به أي نص يمنح الرئيس مرسي سلطة إصدار إعلانات دستورية، أو التعديل في أحكام الدستور وليس من شأن كونه رئيسا منتخبا - وبصرف النظر عن الطعن في صحة انتخابه - أن يمنحه سلطة دستورية، بإصدار هذا الإعلان الدستوري، كما ان هذا الإعلان المزعوم محله مجرد «قرار فردي» من الرئيس بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما، بدلا من المستشار د. عبدالمجيد محمود، ولا صلة لذلك بالدستور، فالدساتير تنظم سلطات الدولة الثلاث، وكذلك تنظم وتحدد الحقوق والواجبات العامة للمواطنين.. إلخ، بينما هذا الإعلان قرار فردي إداري باطل ومنعدم أيضا لأنه يخالف صريح نص المادتين «67» ، «119» من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 واللتين تقضيان بأن النيابة العامة جزء من السلطة القضائية، وأن «النائب العام» لا يجوز عزله ولا نقله إداريا، كما ان القرار معيب بالتعسف والانحراف وإساءة استخدام السلطة!!! ومن ثم ووفقا للطبيعة الحقيقية لهذا الإعلان الدستوري، بأنه مجرد «قرار إداري» يخضع للرقابة والطعن عليه قضائيا ولا ولاية أو اختصاص لرئيس الجمهورية في إصداره فإنه يكون للمحكمة التي أصدرت الحكم المذكور، وحدها، الولاية في نظر الدعوي بالطعن علي هذا القرار والحكم ببطلانه وانعدامه، كما قضت المحكمة بالفعل!! والمسألة الثانية هي مدي نفاذ الحكم المذكور، وهل يحدث ذلك منذ صدوره رغم قابليته للطعن أمام دائرة شئون الأعضاء بمحكمة النقض، والرأي الصحيح في هذا الشأن ان الحكم نافذ بمجرد صدوره، وأساس ذلك ان الطعن أمام محكمة النقض يعد طريقاً غير عادي للطعن في الأحكام القضائية، وليس درجة عادية من هذه الدرجات، أي لا تعد محكمة النقض محكمة استئناف لما يصدر من أحكام من محاكم الاستئناف في شئون الأعضاء، ولكنها محكمة رقابية قانونية علي هذه الأحكام، ولا سند للقول بأن محكمة النقض درجة ثانية من درجات التقاضي إذ لا دليل علي ذلك بقانون السلطة القضائية، كما ان هذا الرأي يفترض ان طبيعة محكمة النقض أنها محكمة درجة ثانية استئنافية للمحاكم، وهو ما لا سند له في قانون السلطة القضائية سالف الذكر!!، والمسألة التالية تتعلق بماهية الآثار المترتبة قانونا علي الحكم سالف البيان، وهذه الآثار تتمثل في قسمين، القسم الأول مباشر وهو المتعلقة بإعادة الحالة إلي ما كانت عليه قبل صدور الإعلان الدستوري المزعوم، بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما نتيجة الحكم ببطلانه وإلغائه!!! والأصل ان الأحكام كاشفة عن الحقيقة وبذلك تنصرف بمنطوقها وأسبابها المرتبطة إلي تاريخ حدوث الوقائع محل النزاع، ما لم ينص في منظومة الحكم وأسبابه علي خلاف ذلك، ومن ثم يتصرف منطوق الحكم المذكور إلي تاريخ تعيين المستشار طلعت عبدالله، بدلا من المستشار د. عبدالمجيد محمود ويؤكد ذلك ان أسباب الحكم المرتبطة بمنطوقه قد نصت علي بطلان تعيين المستشار طلعت عبدالله، يعني حتما عودة الدكتور عبدالمجيد محمود إلي ممنصبه فور تنفيذ الحكم!!!، والقسم الثاني من آثار نفاذه إنه طبقا لنظرية الموظف الفعلي فإن المستشار طلعت يكون نائبا عاما فعليا بحسب ظاهر الأمور فقط في المرحلة السابقة علي صدور الحكم ببطلان تعيينه وبالتالي فإن قراراته القضائية لا تبطل بشرط ألا يكون فيها عوار دستوري أو قانوني سوي صدورها منه بينما تعيينه باطل وللحديث بقية.