«لا تلمني فما ضيعت الآمال وحدي.. ولكن عصفت بها ريح عاتية استوقفتني وأنا السائر أخطو». لا أدري لماذا تذكرت هذه الأبيات ضمن أشعار حزينة كنت قد كتبتها عقب نكسة 1967، وكنت وقتها محبطاً للغاية مثل كل الشعب المصري آنذاك والذي أفاق من طموحاته وأحلامه الكبرى على الكارثة التي أوقفت حركته الثورية القائمة وأنشطته الوطنية العملاقة خاصة بعد بناء السد العالي وما يترتب عليه من زيادة الرقعة الزراعية وغيرها ومع النهضة الصناعية التي كانت سائدة ممثلة في مصانع عملاقة مثل مصانع الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم وغيرها. كانت صفعة قاسية من العدو الخارجي المعروف لنا جميعا أوقفت مسيرة مصر السائرة نحو التقدم المنشود. وكان الهدف كسر مصر وقائد مصر ومسيرة المصريين نحو التقدم والازدهار والتي لو استمرت لصارت بلدنا ضمن الدول التي ينظر إليها العالم اليوم بإكبار، ويعيش أهلها المعيشة الكريمة التي تليق بهم وبتقدمهم مثل دول جنوب شرق آسيا وغيرها، وقد كنا سبقناهم لركوب قطار النهضة الحقيقي الذي توقف للأسف بعد النكسة. وحتى الآن.. اليوم يعود بي اليأس والإحباط الذي عشته عقب نكسة يونيو. وربما الآن أشد ضراوة لأن النكسة الآن ليست من العدو الخارجي ولكن للأسف من داخل الوطن. من فصيل من الشعب المصري المنكوب. اليوم النكسة أشد وطأة من نكسة الأمس. نراها في خراب مصر. في ضياع الحلم والأمل. في الفقر والجوع والمرض الذي استشرى بين الناس. في الغلاء البشع الذي يتطاول في بجاحة منقطعة النظير ويخرج لنا لسانه دون رادع أو استحياء. في الأمن والأمان اللذين صارا أسماء تكتب ولا يُعمل بها ولا لها. في الشباب الضائع المصدوم في حلمه وأمله المهيضين على يد الجماعة التي استولت على الحكم في مصر في نهار مشئوم وليل ليس له بدر يُضاء. البلد يسير إلى الهاوية بأسرع مما يتوقعه أي عاقل أو حتى أهبل. صارت مصر العظيمة بتاريخها وأهلها متاعاً ومشاعاً لمن شاء الهبوط عليها من كل صوب وحدب. تجرأت الجرذان كما تجرأ من قبلهم اللصوص والمجرمون والسوابق والهاربون من السجون بفعل فاعل وبعضهم يعيش الآن آمناً مزهواً يرتدي عباءة الفرسان وهو في الأصل قاتل تلطخت يداه بدماء الشرفاء. لقد صارت مصر أم الدنيا بلا أمل أو حلم وتصرخ فينا بلا صوت مسموع وهي مقهورة منكوبة تنادي. متى الخلاص؟ ولا أدري إن كان ينطبق علينا نحن شعبها وأبناؤها مقولة السيدة نفسية رضوان الله عليها حين ألح عليها شعب مصر أن تتوسط لهم لدى الحاكم الجائر في عهدها. وبعد أن فشلت الوساطة وعادت من القلعة قالت لهم مقولتها الشهيرة (سألته لم هذا الظلم؟ فقال كما تكونون يولى عليكم). فهل نحن صرنا ظلمة لأنفسنا نستحق ما وليّ علينا من هذه الجماعة التي كانت محظورة وتعيش تحت الأرض لسنوات طوال حتى نذوق على يديها كل هذا المرار ويضيع بلدنا أمام أعيننا وتتكالب علينا الأمم كبيرها وحقيرها لتنهش ما بقى من لحمنا وأرضنا وتراثنا وثرواتنا الطبيعية كما تتكالب الأكلة على قصعتها كما هو وارد في الحديث الشريف المعروف. الأمر جدّ خطير يا مصريين ولا أمل في الخلاص إلا بالإخلاص لله والوطن وعليكم أن تتوحدوا على هذا الهدف النبيل وهو خلاص بلدكم من قبضة العدو الداخلي الذي هو منكم وأن تقهروا نكستكم فيهم كما قهرتم نكستكم في 1967 بالنصر عام 1973. استمدوا روح النضال وأعيدوا الثورة التي سُلبت منكم لأحضانكم من جديد وارفعوا في قلوبكم رايات الحلم والأمل اللذين افتقدتموهما. ضمدوا جراحكم واستردوا حلمكم الغالي في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية الحقة فليس أمامكم إلا هذا والله معكم وعاشت مصر حرة أبية.