الأغنية العربية تحتفظ بحضورها عربياً وعالمياً رغم أنف أعداء الفن «السهرة صباحى» مزج بين الشرقى والغربى.. وسعد لمجرد منح الأغنية بُعداً عالمياً أعيش تحدياً دائماً مع نفسى للحفاظ على مكانتى أرفض النمطية وأذهب إلى عوالم جديدة فى أعمالى الغنائية حققت المعادلة الصعبة بين تقديم فن راق بحضور جماهيرى مكتمل العدد عرف كيف يكون علامة للغناء الجاد والأعمال الراقية، ساعده فى ذلك صوته الذى يضع المستمع فى حالة من الهيام والسلطنة، عرف أن الفنان يبقى حين يغنى ألوانا مختلفة ومشارب متعددة، فشدا بكل اللهجات العربية متنقلاً بين نغمات الموسيقى المنوعة من ثقافات موسيقية مختلفة. إنه صابر الرباعى أصالة الغناء وجمال اللحن وتراتيل النغم، الذى استطاع أن يبحر فى بحر الأغنية الطربية التى تتلاطم أمواجها يميناً ويساراً وكم عصفت بسفن غنائية سقطت فى بحر النسيان. ما أن شدّ الرحال نحو القاهرة، عاصمة الفن والقرار، التى شهدت على بزوغ نجمه، إلا وكانت الأغنية التونسية حاضرة فى وعيه ووجدانه، حتى أصبح سفيراً لها بالخارج. بين الأصالة والحداثة.. يسطر الرباعى تاريخه الفنى المرصع بالنجاح والنجومية، ليكون نموذجاً للأجيال المتعاقبة وامتداداً للأجيال السابقة. فى صوته ترانيم وأجراس ومآذن.. فى صوته إيقاعات شرقية وملاحم موسيقية، انساقت وراءه الآلات الموسيقية.. «الرباعى» الذى برع فى أداء مختلف القوالب الغنائية، يواصل هذا العام المشوار بشغف، بأغانيه التى يتحرر فيها من النمطية ويخرج فيها عن السائد مع الحفاظ على النسق الجمالى فى الكلمة واللحن. يفتح قلبه ل«الوفد» يطالعنا على مشاريعه الغنائية الجديدة ويسجل ملحوظاته وانطباعاته عن المشهد الغنائى الحالى، ونحاول أن نبحث معه عن حلول للحفاظ على وهج الأغنية العربية.. وإلى نص الحوار: بعد كل المتغيرات التى طرأت على الساحة الموسيقية كيف ترى وضع السوق الغنائى الآن؟ - مُبشر جداً، من الصعب دفع عجلة الزمن للخلف، لذلك علينا تقبل كافة الأنماط الموسيقية، مع الحفاظ على الأصالة والهوية الشرقية، لست فناناً ضعيفاً كى أجلس مكتوف الأيدى باكياً على الأطلال وزمن لن يعود، الفنان يجب أن يطور من نفسه دائماً ومن موسيقاه ويراهن على وجوده فى ظل هذه المتغيرات التى طرأت على الساحة الفنية. هل ترى أن الأغنية العربية ما زالت محتفظة بحضورها وسط الموجات الغنائية الجديدة؟ - بالتأكيد، الأغنية العربية الأصيلة مازالت محتفظة برونقها ولها حضور واسع على المسارح العربية والعالمية، هناك جيل ما زال متأثراً بالطرب القديم والنغمة الجميلة التى تخاطب الروح والوجدان، وهناك مطربون مازلوا يحتفظون بالهوية والأصالة فى أغانيهم. إذن كيف صعدت ظاهرة «أغانى المهرجانات» من القاع للقمة وحققت هذا الانتشار الكبير؟ - أغانى المهرجانات ظاهرة طبيعية، فهى إفراز طبيعى نتيجة للاختلال الذى أصاب المجتمعات العربية بسبب الثورات، وذلك طبيعى لأن الثورات يكون لها عواقب على كل المستويات والمناحى، مثل الاجتماعية والاقتصادية، والفن انعكاس لما يمر به المجتمع، لكن أعتقد أن هذه الظواهر ستختفى مع إعلان الجمهورية الجديدة التى تعلو من شأن الفن المصرى الجاد من خلال تأسيس أوبرا العاصمة الإدارية بجانب أوبرا القاهرة، لاشك أن هذه المجهودات ستنعكس بالإيجاب على صحة الفن، مصر استطاعت فى غضون سنوات قليلة أن تتجاوز الصعاب وتبنى نفسها من جديد بفضل القيادة السياسية والرئيس عبدالفتاح السيسى المُحب لبلده. أما فيما يخص انتشارها السريع فهذا يرجع للإعلام المرئى والسمعى الذى أعطاهم أكثر ما يستحقون، فالنقد الموجه لهم على الفضائيات فى حد ذاته شهرة لهم، بجانب السوشيال ميديا التى ساعدت على ظهور هذه المستوى من الأغانى، نحن نعيش فترة صعبة فى حياتنا سياسياً وثقافياً، هناك حالة من التخبط نوعاً ما فى بعض المجالات، لهذا أسعى جاهداً فى الحفاظ على مكانتى وأسلوبى الغنائى والموسيقى. فى ظل عدم تبنى الإعلام الإبداعات الموسيقية والغنائية الرصينة بالترويج لها على غرار الظواهر الغنائية الأخرى الأقل احترافية.. ما خطة الرباعى فى هذا السياق لتصحيح فساد الذوق العام؟ - أن أكون حاضرا بشكل شبه يومى على منصاتى على مواقع التواصل الاجتماعى، وظاهرة السينجل تساعدنا على التواجد مع الجمهور بشكل دائم. هل معنى ذلك أن الرباعى فى تحدٍ دائم مع نفسه بين تقديم محتوى جيد وجماهيرى فى الوقت نفسه؟ - نعم، أنا فى تحدٍ دائم مع نفسى لإثبات تواجدى، وتدعيم مكانتى الفنية لدى الجمهور، لذلك أحافظ قدر الإمكان على مستوى معين من الكلمة، والتعاون مع شعراء متميزين يمتلكون طريقة جديدة فى الأشعار والسرد. على ذكر الشعراء.. تعاونت مع فطاحل الكلمة هل يوجد اسم ترغب فى التعاون معه؟ - أيمن بهجت قمر، تعجبنى طريقته كثيراً وكتاباته الشعرية ولم تسنح لى الفرصة حتى الآن الغناء من كلماته، أتمنى أن يكون هناك تعاون بيننا فى القريب العاجل. زاوجت بين اللون الشرقى والغربى فى «السهرة صباحى» بمشاركة الفنان المغربى سعد لمجرد والموزع الموسيقى ريدوان.. هل أردت من خلال هذه الأغنية أن تذهب إلى عوالم جديدة؟ - بمجرد سماعى للموسيقى شعرت أن ثمة شيئاً ما جديداً ومختلفاً، وبعد إنصاتى للأغنية مكتملة، شعرت أنه يمكن أن يقدم عنصر آخر الأغنية معى لكن بلون غنائى آخر يختلف عما أؤديه، فجاءت فكرة سعد لمجرد الذى يتطور من موسيقاه بشكل دائم، ودخلت عنصر ثالث الموزع الموسيقى ريدوان لأننى أريد أن أمنح الأغنية بُعداً مختلفاً يصل للعالمية. وطالما صوتى موجود فسأذهب إلى أمكنة مختلفة وعديدة وتجربة أشياء جديدة للتحرر من النمطية. وماذا عن الأصداء التى جاءتك عن الأغنية؟ - الأصداء كانت أكثر من رائعة، حيثُ لاقت الأغنية نجاحاً جماهيرياً، وسعيد بالتعاون مع سعد لمجرد الذى منح الأغنية بُعداً عالمياً بأسلوبه الخاص المتفرد. شغفك بالكلمة اللماحة قادك لأداء القصائد من خلال «جريدة الرجل الثانى» و«المعطف».. هل ثمة قصائد جديدة تراودك لغنائها؟ - أتمنى تكرار التجربة، غناء القصائد يستهوينى لأننى أحب الكلمات الموزونة التى تحمل فى دلالاتها معانى عميقة. ثمة قصائد تراودنى تحمل توقيع شعراء كبار أحتفظ بها، ولم أشتغل بعد عليها. قلت إن الفن مرآة عاكسة للمجتمعات.. ألم تقدك يوماً الأوضاع المؤلمة للشعوب العربية للانخراط بأعمال فنية تعبر عن حال لسانهم؟ - الهموم لا تنتهِ، إذا ركزنا على هذا الوضع بكافة تفاصيله ستجتاحنا الطاقة السلبية ونزداد كآبة، نحاول بالفن والثقافة تخفيف هموم المواطن العربى، وتحرره من جو الكآبة الذى يسكنه والإبحار به لعالم الفرح حتى ولو برهة من الزمن، يفرغ فيها طاقاته المكبوتة ويعبر فيها عن مكنوناته، وهذا لا يعنى أن يعيش الفن بمعزل عن أوضاع المجتمعات العربية، أحاول على قدر الإمكان أن أكون قريباً من الناس ومن همومهم ومشاكلهم، وفى نفس الوقت أحاول تحريره من أجواء الكآبة التى تسيطر على حياته.. هدفنا كمطربين إسعاد الناس. نجح صابر الرباعى فى تحقيق المعادلة الصعبة عبر تقديم فن يرتقى بالذائقة الفنية بحضور جماهيرى مكتمل العدد.. هل كلفك ذلك مجهوداً مضاعفاً فى ظل الأوضاع الصعبة التى تمر بها الأغنية العربية؟ - بالفعل هذا الأمر لم يعد سهلاً، رغم أن هذه المعادلة قديماً كانت هى الأساس، أسعى لإرضاء جميع الأذواق الفنية، لكننى فى الوقت نفسه لا أقدم شيئاً غير راضٍ عنه أو أن ألجأ لكلمات معينة فى أغنياتى لكى أرضى الجيل الجديد، وأنقص من نفسى، فهذا أمر مرفوض بالنسبة لى، لذا أحاول أن أحقق المعادلة الصعبة، ومدرك أنه من الصعب إرضاء أذواق كل الجمهور أو استقطابهم. أن يتحول الاهتمام أكثر إلى الصورة فى كل جديد يقدمه المطرب.. ألا يزعجك ذلك؟ - يزعجنى بالتأكيد، المطرب صوت يُسمع ويطرب، وليس سلعة تباع فى سوق العرض والطلب، الاهتمام بالشكل والمظهر الخارجى للفنان نفسه، وليس للجمهور، بمعنى أن الإنسان بشكل عام أياً كانت مهنته سواء طبيب أو مطرب أو مهندس وخلافه يفترض أن يهتم بمظهره وصحته الجسدية والبدنية من خلال ممارسة الرياضة واتباع نظام غذائى صحى، كما أن الإنسان الذى يهتم بمظهره وأناقته يعكس شخصيته، فكما كان مرتباً ومهندماً يعنى أنه إنسان منظم فى حياته وفى عمله. باتت الإبداعات منفتحة على بعضها البعض فى ظل وجود مواقع التواصل الاجتماعى.. كيف انعكس ذلك على الفن؟ - نعيش زمن الإبداعات منفتحة على بعضها البعض، وهذا بالتأكيد يصب فى صالح الفن، لأن الكثرة والاختلاف والاطلاع على كل ما هو جديد يمكننا من تجربة أغانِ جديدة وأنماط موسيقية مختلفة، وعمل نقلات موسيقية مبتكرة، ومن هنا تأتى فكرة التزاوج بين أغنية أفريقية مع موسيقى عربية، التزاوج بين النغمات المختلفة مع الحفاظ على هويتنا يعطى للأغنية نكهة عصرية مختلفة. سبق وأعلنت عن رغبتك فى تقديم لون شعبى.. إذن متى نرى الرباعى فى عباءة الشعبى؟ - فى القريب العاجل، أبحث عن أغنية تعبر عن نبض الشارع المصرى، الأغنية الشعبية منذ قديم الأزل تحتل مكانة مميزة من الجماهيرية والانتشار بسبب بساطة كلماتها التى يرددها الموطنون فى وسائل النقل العامة وفى الحارات والأزقة، فهى تمس الواقع والطبقات البسيطة بشكل كبيرة وبالتالى تحقق صدى كبيرا لدى الجمهور. عودة مهرجان الأغنية التونسية بعد انقطاع دام ثلاثة عشر عاماً.. كيف رأيته؟ - فرصة كبيرة لإحياء الأغنية التونسية وتصحيح مسارها، فى ظل ما عانته من انتكاسة على مدى سنوات طويلة بسبب تراجع الإنتاج. هل الأغنية التونسية تعيش صراع مع الأغانى الفلكورية والراب فى الحفاظ على مكانتها؟ - بالتأكيد، وهذا دورنا كمطربين أن نحافظ على الأغنية التونسية من الطمس والاندثار، بمعنى أن نحافظ على المقامات الشرقية والطبوع التونسية فى أعمالنا الغنائية، لاستعادة وهج الأغنية التونسية التى لم تعد تلقى رواجاً وإقبالاً جماهيرياً فى ظل هيمنة الأغانى الفلكلورية والراب على المشهد الفنى. من المسئول عن تراجع الأغنية التونسية؟ - كما قلت سلفاً، الفن مرآة عاكسة للمجتمعات، والأغنية التونسية حالها حال الأغنية المصرية كلتاهما ينازعان على البقاء فى ظل المتغيرات التى طرأت على الحياة الفنية، وتتحمل الدولة والإعلام المسئولية فى ذلك، من خلال دعم الفن الراقى وإنتاج أغانِ هادفة ترتقى بالذوق العام لدى الجمهور التونسى. وما دور صابر الرباعى كفنان فى الحفاظ على الأغنية التونسية؟ - أن أكون سفيراً لها بالخارج، وهذا ما يحدث بالفعل دائماً الأغانى التونسية حاضرة فى برنامجى الغنائى فى كل محفل أو تظاهرة أشارك فيها، وتلقى صدى كبيرا من الجمهور الذى يرحب بسماعها ويرقص على نغماتها وإيقاعاتها ويطرب بكلماتها. رغم اتجاه البعض لظاهرة «السينجل» لكن الرباعى يحرص على التواجد بألبومات غنائية.. لماذا؟ - أطرح بالفعل أغانى سينجل من أجل مواكبة التطور، وحتى نكون دائماً متواجدين مع الجمهور بفننا، من الصحى أن يطلق الفنان كل شهرين أغنية حتى يحافظ على مكانته وتواجده لدى الجمهور، أما بخصوص الألبوم فهو أرشيف الفنان، لابد من جمع هذه الأغنيات على «سى دى» للحفاظ عليها من الضياع فهو إرث فنى. وما جديدك الفنى؟ - أحضر لألبوم جديد، أتعاون فيه مع كبار الشعراء والملحنين، مثل وليد سعد، محمد مدين، فضل سليمان من لبنان، وموزعين مثل محمد مصطفى، وبعض الموزعين الشباب الجدد، كما أقدم فى الألبوم أغنية من ألحانى، وأسعى جاهداً إلى التنوع فيه من حيث الأفكار والموسيقى المستخدمة لإرضاء جميع أذواق الجمهور التواق للفن الحقيقى، حيث يضم أغانى باللهجات الخليجية والتونسية والمصرية واللبنانية، سوف أطرح قريباً أغنية سينجل، ثم يتبعها الألبوم الذى سأطرح بعض أغانيه بطريقة السينجل تباعاً.