أعتقد أن الرئيس محمد مرسى قد اقترب جدا من حالة انفصال كامل عن الواقع الفعلى ليس عن الشارع المصرى فقط ولكن عن واقع نفوس وعقول ملايين المصريين الذين يمثلون عصب هذه الأمة وقوتها الفاعلة والحاسمة التى تظهر عند استحكام ضرورات الغضب والثورة العارمة، وفيما أتصوره وأفهمه أن مشكلة الرئيس محمد مرسى أنه يعلم يقينا أنه قد أتى للسلطة عبر صندوقين.. الأول صندوق أسرار المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذى اضطر لاستبدال الشاطر بمرسي، والصندوق الثانى هو صندوق غباوة وفشل منافسى مرسى سواء من المرشحين أو من النخب المؤيدة لهم، خاصة جماعة إعلان «فيرمونت» الذين يحتاجون ألف عمر على أعمارهم ليتطهروا من ذنب تاريخى ارتكبوه بحق المصريين الذين وثقوا بهم وبنخبويتهم وإذا بأهل النخبة يستدرجهم ثعالب جماعة الإخوان ويحولونهم فى مشهد هزلى لأهل نكسة ونكبة وبدلا من أن تسوق النخب الخرفان ساقت الخرفان النخب إلى كل حظائر الفشل.. ما علينا.. الفشل ليس نهاية كل شيء وهناك أكثر من بارقة أمل فى اصطفاف وطنى حقيقى يقطع الطريق على هذا الحكم الإخوانى الفاشستى البليد الذى يسعى باستماتة وهوس ومن خلفه جماعات ظلامية تسمى نفسها بالإسلامية والسلفية والجهادية وكلها من سقط متاع التخلف والجهل – يحاولون جميعا اقتلاع عيون مصر الحضارة والتاريخ لصالح مصرهم المظلمة القابلة للاستئجار من نجساء الأمراء الحاكمين لجزر الخديعة والمؤامرات الرخيصة.. الرئيس المصرى فقد بوصلة السياسة وواقعيتها وضروراتها واستسلم لبوصلة مكتب الإرشاد التى توجهه وتتحكم به من المقطم بريموت مثبت على قنوات الوهم وبرامج الخداع ومسلسل الكذب والإقصاء وأفلام الرعب الإخوانى التى يقتل فيها فتوة الحارة المصرية أبناء الغلابة ويقطع أطرافهم ويفقأ عيونهم ويخنقهم بالغاز والدخان بحجة الحفاظ على استقرار الحارة وتخليصها من البلطجية والصبية الأشقياء وينسى الفتوة أو يتناسى أنه ابن مخلص تعلم فى كل كتاتيب الدم والاغتيالات والمؤامرات، واستوعب كل دروس شيوخ الطريقة الإخوانية خاصة الإمام المؤسس لخلافة الوهم والقطب المرسخ لقيم العنف وثقافة التكفير وكلاهما يهيم بهما فتوة حارتنا الذى نزل إلى شوارعنا فى عصر مختلف لن يبقيه على عرش الفتونة كثيرا وقد تكون نهايته أسوأ ألف مرة من نهاية الفتوة المخلوع لأن سابقه ظلم وفجر أما فتوتنا اليوم فإنه يروج لبضاعة كاذبة ممهورة بختم الدين والشريعة وأهل السنة والجماعة ويعلم قبل غيره أن الاسلام الذى يدعى أنه الحافظ له أبعد ما يكون عن مكر جماعته وأن فقهاء الأمة المستنيرين يستنكرون المتاجرة بالدين واستغلال بساطة أحوال العامة وأفكارهم وعواطفهم لكسب ولاءاتهم السياسية والمتاجرة بتأييدهم للجماعة وفتوتها المصنوع. يا سيدى الرئيس الفتوة أو الفتوة الرئيس، احمل عصاك وارحل ولا تستميت بما تسميه شرعية الصندوق فأنت تعلم قبل غيرك أن الصندوق الذى أتى بك أتى من قبلك بهتلر وموسيلينى وستالين وفرانكو وكل ظلمة ومصاصى دماء الشعوب.. ارحل فلن يفيدك بديع أو شاطر أو عريان.. ولن يحميك فتوات الحارات الضيقة كعبد الماجد وأبو إسماعيل.. قل كلمتك وامض أيها الرئيس.. قل للمصريين وصارحهم بأنك لم تكن تحلم يوما بكرسى الرئيس ولم تكن يوما أهلا له ولا تملك مقومات هذه الوظيفة العامة وإن امتلكتها فلا قيمة لها أمام قسمك بالسمع والطاعة للمرشد وقرآن الجماعة المختلف عن قرآن المسلمين وأن من يقسم على الطاعة العمياء لمخلوق مثله فى المنشط والمكره فإنه قد استغنى عن عقله واقتلعه من رأسه وأعطى ظهره لخالقه ووجهه لمرشده الأرضى.. نحن أمام مسرحية تاريخية عبثية كان من الممكن استيعابها والاستمتاع بها على مسرح الفن والإبداع للجميل جلال الشرقاوى مثلا ولكن أن تتحول حياتنا لمسرحية بهذا العبث والجنون وأن تتحول مصر كلها لخشبة مسرح أسود بديكورات سوداء وأبطال قادمين من أزمان ساقطة فاشلة وحملة مباخر تفوح من دخان مباخرهم روائح الدم والتخلف والعصبية والتطرف وفى واجهة المسرح الأسود رجل نحيف يتضاءل وجهه خلف نظارة سميكة ولحية مبعثرة وتعلو رأسه طاقية لا هى مصرية أزهرية ولا هى الطاقية الصوف بتاعة ولاد بحرى ولا هى عمة صعيدية.. هى أقرب ما تكون لو صغرت قليلا لطواقى حاخامات اليهود، وإلى جوار هذا السيد يقف رجل متجهم الوجه متوسط الطول ممتلى البدن كثيف اللحية زائغ النظرات كأن حلما تاريخيا قد تسرب من بين يديه ليذهب إلى من لا يستحقه ويحوله إلى بطل يتصدر المسرح وليبقى هو فى «الكمبوشة» ملقنا وموجها وناقلا لهمهمات وعنات السيد الكبير.. يعرف هذا الرجل بالشاطر – والشاطر فى اللغة العربية الخبيث الماكر الذى خرج عن طاعة أهله وذويه.. أما الجمهور يا سادة فنحن ولا غير وأمامنا سكتان.. سكة ندامة أن نبقى متفرجين الى أن نموت فوق مقاعد الصمت والخيبة وقلة الحيلة أو ننتفض ونعتلى المسرح ونستعيد زمننا وعصرنا ونفتح كل النوافذ لتأخذ مصر نفسا عميقا وتملأ صدرها بهواء المحبة والتسامح والرقى من جديد وليذهب أبطال مسرح الظلام والكراهية والتطرف إلى حيث يستحقون من زمن ومكان ليعرضوا بضاعتهم الراكدة والفاسدة بأسواق البلادة والفشل والكراهية.