لسنوات طوال، ظل تعاطى المخدرات أسفل الكبارى صُداعاً فى رأس المواطنين والحكومة، فكم من حوادث قتل واغتصاب وحرائق كان مسرحها « تحت الكوبرى».. ولعل تكرار حوادث الحريق فى سوق التونسى بالسيدة عائشة أكبر مثلاً لذلك فكان السبب الرئيسى هو استغلال بعض المواطنين بشكل عشوائى لمساحات أسفل الكبارى وإقامة مشروعات تعتمد فى المقام الأول على أسطوانات البوتاجاز، ومع الإهمال أصبحت هذه المساحات بمثابة بركان نار متكرر الانفجار، يلتهم «شَقا عُمر» كثير من المواطنين ويكبد الحكومة الكثير من الخسائر. الأمر لن يتوقف على ذلك فحسب بل كانت مساحات أسفل الكبارى يحتلها البلطجية فى ممارسة نشاط السايس بعيدًا عن أعين الحكومة، فيفرض الأموال على أصحاب السيارات نظير «ركنها» اسفل الكوبرى ومن يعترض سيكون أمامه أحد خيارين إما أن يخسر سيارته فيجدها مهشمة أو يتعرض لهم جسديًا ويصاب بعاهة مستديمة. وكانت واقعة «الأخطبوط» هى الأشهر خلال هذا العام حينما أقدم على هتك عرض الأطفال أسفل كوبرى الخليفة، بمنطقة الخلفاوى، وقال أمام النيابة إنه كان يتحصل على 100 جنيه من كل طفل فى سبيل تركه المبيت أسفل الكوبرى. كل هذه المشاهد دفعت الحكومة إلى إعادة النظر فى استغلال مساحات أسفل الكبارى، ومؤخرًا شدد الفريق كامل الوزير، ووزير النقل، على ضرورة استغلال هذه المساحات وطرحها للمستثمرين لإقامة المشروعات المختلفة. وكان الشباب هو الهدف من هذه المبادرة الحكومية، بما يحقق للدولة موردًا ماليًا شهرياً عن طريق مشروعات ربحية وفى الوقت ذاته توفير فرص العمل لهم ومحاربة العشوائية وتعاطى المخدرات، ومع مساعى الحكومة فى إقامة العديد من المشروعات الخاصة بالكبارى كان الخوف من إعادة أحياء دولة «تحت الكبارى» يكون فيها البلطجية والخارجون على القانون متصدرين للصورة أمام المواطنين. وتعد هيئة الطرق والكبارى هى المسئولة الأولى عن تنفيذ هذا المخطط الحكومى بالتنسيق مع المحليات، وأهم ملامح هذا المخطط هو عدم السماح بإنشاء مطعم أسفل الكوبرى خوفًا من المخلفات الناجمة عنه كذلك استخدامه لأسطوانات الغاز، بينما يفضل التشجيع على إقامة محال المينى ماركت وبيع الورود. وكانت قد أعلنت هيئة الطرق والكبارى عن طرح قرابة 34 قطعة بمساحة 140 ألف متر مربع لهذه المشروعات أسفل الكبارى، مع السماح بتقسيط مقابل تلك الأراضى على 3 سنوات، وكان للطريق الدولى الساحلى النصيب الأكبر من تلك المزايدات. وبحسب آخر بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن إجمالى عدد كبارى المركبات فى مصر بلغ 33 ألفاً و388 كوبرى، بينما إجمالى أعداد الكبارى على مستوى الجمهورية بنحو 39 ألفاً و619 كوبرى، موزعة بواقع 35 ألفاً و577 كوبرى تابعة لوزارة الموارد المائية والرى بنسبة 89.8%، كما بلغ عدد الكبارى التابعة للهيئة العامة للطرق والكبارى 1848 كوبرى بنسبة 4.7% من الإجمالى. جولة «الوفد» الميدانية تكشف مشاهد مثيرة فى عالم أسفل الكبارى المشهد الأول أسفل كوبرى شارع السودان بالقرب من جامعة الدول العربية، يجلس 3 شباب فى أعمار مختلفة جميعهم يرتدون ملابس ممزقة، ووجوههم غير واضحة المعالم بسبب تراكم الأتربة عليهم، كلما اقتربت منهم تهاجمك رائحة تشمئز منها الأنوف. بعض من شرائط البرشام والسرنجات تجدها أسفلهم، ومع حلول الأوقات المتأخرة من الليل يجتمعون بعد شراء المواد المخدرة من الاستروكس والشادو وغيرهما بعد تحصيل قيمتها من التسول نهارًا. هكذا هو حال الكثير من الشباب الذين اتخذوا من أسفل الكبارى مساحات للهرب من أعين رجال الشرطة والمواطنين للبيات وممارسة أفعالهم غير الأخلاقية. حاول محرر «الوفد» الحديث معهم، ففى البداية توقف جميعهم بشكل مفاجئ اعتقادًا منهم أننا أحد أفراد الشرطة، وبعد الحديث معهم اطمأنوا جميعهم. كلمات غير مفهومة تخرج من أفواههم حينما كانوا يشرحون تفاصيل يومهم، ولكن حاولنا الاجتهاد فى تفسير كلماتهم بعد مناوشات عدة، حتى اندفع أحدهم وحاول تهديد المحرر بالقتل حال عدم الانصراف. المشهد الثانى: مين يشترى الورد؟ شباب رفضوا الخضوع لطابور البطالة، بحثوا عن فرصة العمل حتى سنحت لهم الفرصة فى مشروع محل الورد بعدما عرضت الحكومة مساحة أسفل الكبارى. «ج. خ» أحد الشباب الذين يعملون فى محل ورد، أسفل كوبرى الدقى، قال إن فكرة الحكومة بطرح مساحات أسفل الكبارى يفتح الفرصة لتشغيل مئات من الشباب الباحثين عن فرصة عمل. وأشار إلى إنه خريج كلية التجارة 2017 ولم يجد أى فرصة عمل داخل أى شركة ولكن لن يستسلم حتى علم بطرح مساحة أسفل كوبرى الدقى للبيع كمحلات وقام باستئجار أحدها من المحليات. من جانبه، قال بائع آخر يدعى «ك. ق»، إنه فور علمه بوجود محل ورد للإيجار وذلك فى مزاد علنى أقبل عليه وتمكن من شرائه على أن يكون حق الاستغلال لمدة ثلاث سنوات فقط، بزيادة 10% سنويًا، وحول إجراءات المشاركة فى المزاد، قال الشاب إنه فى البداية عاين المحل ومكان تواجده ثم سحب كراسة الشروط والمواصفات من أقرب حى تابع له المحل، ثم قام بدفع تأمين مؤقت قبل دخوله المزاد. خبير إدارة محلية: عدم توافر دورات المياه.. أكبر الأزمات قال الدكتور محمود ربيع، خبير الإدارة المحلية، إن إنشاء الكبارى فى القاهرة والجيزة والمحافظات تعد نهضة تحسب للرئيس عبدالفتاح السيسى، مشيراً إلى أن عدد الكبارى فى القاهرة والجيزة والمحافظات تجاوزت ال33 ألف كوبرى. وأشار خبير الإدارة المحلية إلى أن إنشاء الكبارى حلت أزمة كبيرة فى المرور خاصة فى مصر الجديدة ومدينة نصر، ومن هنا كان لا بد من استغلال المساحات أسفل كل هذه الكبارى بما يعود النفع على الدولة، وتابع: «الدعوة لاستثمار أسفل الكبارى يعطى صورة حضارية أفضل للشوارع ويخلق فرص عمل للشباب». ونوه خبير الإدارة المحلية إلى أن أكبر الأزمات التى قد تواجه الفكرة هى عدم توافر دورات مياه فى الشوارع خاصة أن مصر تعد الدولة الوحيدة الفقيرة بتواجد الحمامات فى الشوارع ما يسبب أزمة كبيرة لمرضى السكر خاصة إذا كان من مترددى هذه المحلات. وعن أزمة المرور التى قد تحدث بسبب وقوف الكثير من السيارات أمام محلات أسفل الكبارى رد الخبير قائلاً إن ذلك مسئولية المحليات وإدارة المرور فى توفير جراجات بالقرب من الكبارى بما يتيح لأصحاب السيارات الوقوف بعيدًا عن الشوارع الرئيسية. خبير اقتصادى: توفر الملايين من فرص العمل قال الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، إن ما دعا له الفريق كامل الوزير، وزير النقل، لاستغلال مساحات أسفل الكبارى توفر الملايين من فرص العمل للشباب فضلاً عن محاربة البطالة والتعاطى بينهم. وأضاف «الشافعى» أن فكرة الفريق كامل الوزير تحارب الصورة الثابتة فى أذهن المواطنين بشأن أسفل الكبارى، وتابع: «فكرة الاستثمار فى أى منطقة تعد تحولاً للصورة الحضارية لها كما حدث فى سيناء حينما تم تحويل الكثير من مناطقها لمشروعات قومية ومنها تمكنت الدولة من محاربة الإرهاب وكذلك ما سنجده فى فكرة استغلال مساحات الكبارى فى محاربة العاطلين ودفعهم للبحث عن العمل والحد من التعاطى». وشدد الخبير الاقتصادى على ضرورة الابتعاد عن المشروعات الخاصة باستخدام المواد سريعة الاشتعال حتى لا تكون عرضه للاحتراق ما يتسبب فى الكثير من الخسائر منها المطاعم. وأشار «الشافعى» إلى أن فكرة تحويل المساحات أسفل الكبارى لمشروعات تجاربة أثبتت نجاحها على مدار السنوات الماضية كما شاهدنا فى منطقة رمسيس والدقى والزمالك وغيرها من المناطق. خبير أمنى: تخلق حالة من الاختناق المرورى قال اللواء فؤاد علام، وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق، إن فكرة استثمار المساحات أسفل الكبارى سيسبب أزمة كبيرة للمرور حال تطبيقه على أرض الواقع. وأضاف اللواء علام أن جميع الكبارى متواجدة فى وسط الشوارع وحينما يتم إنشاء المحال تتوقف الكثير من السيارات الخاصة بالمواطنين فى الشوارع دون نظام ما يسبب اختناقاً كبيراً للمرور. وأشار وكيل مباحث أمن الدولة الأسبق إلى أن حالة الاختناق المرورى من توقف السيارات لأصحابها الذين يقومون بشراء متطلباتهم من هذه المحال ستسبب حالة من الخناقات اليومية بين المواطنين وتعرقل مسيرة الأمن فى الشوارع، مؤكدًا أن فكرة استثمار أسفل الكبارى فكرة اقتصادية فى المقام الأول وليست أمنية. وتابع: «ما كان يحدث أسفل الكبارى من تعاطى المخدرات وغيرها من الممارسات المنافية ليست ظاهرة بل سلوكيات فردية».