«مصطفى» شاب لم يتم عامه الثانى والعشرين ولكنه عانى فى حياته ما لم يعانه من بلغ ال60 من عمره. ماتت أمه وما أدارك ما موت الأم. وتركته وشقيقتيه هاجر وسارة ووالده العجوز. صاحب الورشة الذى يواصل الليل بالنهار من اجل توفير العيش الكريم لأولاده. ولكن «مصطفى» لم يرض على نفسه ذلك فرغم أنه فى عامه الأخير من دراسته بمعهد هندسى لكنه استطاع الحصول على فرصة عمل ليساعد والده فى نفقات المنزل وتجهيز شقيقته التى كانت ستزف الى عريسها بعد شهرين. الحياة تمضى مستقرة بالأسرة الصغيرة التى فقدت أهم أركانها وهى الأم ورغم ذلك استطاع الأب أن يعوض أولاده الثلاثة بعضا من غيابها. وفى يوم مشئوم لا يُنسى ولن يمحى من ذاكرة هذه الاسرة المكلومة، طلبت سارة وشقيقتها هاجر من والدهما الإذن بالذهاب الى فرح صديقتهما بصحبة ابنة عمهما. وبعد تردد وافق الاب على مضض من أجل ادخال بعض السعادة على قلبى ابنتيه اللتين تشعران بالحزن واليتم منذ موت أمهما. مع التشديد بالعودة مبكرة ووصايا أخرى. وذهبتا بعد وعد لوالدهما بتنفيذ كل وصاياه وطلبا منه عدم القلق عليهما. عاد «مصطفى» من عمله فى الورشة منهكا. جائعا. سأل والده عن شقيقتيه فأبلغه انه سمح لهما بحضور زفاف صديقتهما. وطلب منه بعد الانتهاء من تناول طعامه والراحة لبعض الوقت الذهاب والعودة مع شقيقتيه من حفل الزفاف خوفا عليهما من العودة بمفردهما فى ساعة متأخرة من الليل. انتهى «مصطفى» من تناول لقيمات قليلة ولم يكن يعلم أنها آخر لقيمات له فى حياته القصيرة. وقام بتبديل ملابسه وخرج كى يعود بشقيقتيه من حفل الزفاف. وصل الى مكان الفرح ووقف ينتظر خروج شقيقتيه، كان يبدو على وجهه الارهاق والتعب الشديدين فهو منذ أذان الفجر وهو خارج المنزل. ولسان حاله يقول لماذا يا أبى سمحت لهما بالذهاب، وأثناء وقوفه يقاوم التعب والنوم معا شاهد شقيقتيه وابنة عمه يخرجن من حفل الزفاف ويبدوا عليهن الارتباك وتحاولن الهروب من شىء ماء فهرول اليهن ليعرف ماذا يحدث وفوجئ بخمسة من الشباب يقومون بمطاردتهن وإمطارهن بسيل من الكلمات الخادشة للحياء وشقيقتاه وابنة عمه تحاولن الهروب ولكن دون جدوى لولا ظهور «مصطفى» أمامهم. طلب «مصطفى» من شقيقتيه وابنة عمه العودة الى المنزل ووقف هو يوجه اللوم والعتاب للمتهمين ويحاول أن يبين لهم أن ما فعلوه لا يصح ولا يجوز وخاصة من منطقة شعبية والكل يعرفون بعضهم البعض. لم يعجب كلام «مصطفى» الشباب المتحرشين. فانهالوا عليه باللكلمات والركل والضرب ولم يتركوه إلا وهو ساقط على الأرض ينزف الدم الغزير. لحظات ووصل الخبر الى والد «مصطفى» أثناء جلوسه مع جيرانه يتبادلون أطراف الحديث الحق ابنك اعتدى عليه مجموعة من الشباب عاتبهم على قيامهم بمعاكسة شقيقتيه وحاولوا التحرش بهما. لم يدر الرجل بنفسه، طاردته الأفكار والهواجس ووصل ليجد ابنه غائبًا عن الوعى. وكان البعض قد استدعى سيارة الاسعاف ونقل «مصطفى» الى أقرب مستشفى. وطلب الطبيب من والده عمل اشعات على المخ لمعرفة حالة ابنه. وكان الاب يصارع الزمن والموت والحياة وهو يحاول ان ينقذ فلذة كبده. انتهى من عمل الأشعات المطلوبة. وعاد مسرعا الى المستشفى واستلمها الطبيب ودخل مع «مصطفى» الى غرفة مغلقة وخارجها يقف الأب وابنتاه فى حالة انهيار ودعاء ورجاء بأن يخرج الطبيب اليهم كى يطيب خاطرهم ويقول إن «مصطفى» بخير، وانه سوف يعالج بعض الجروح والكدمات التى أصيب بها جراء الاعتداء الذى تعرض له أثناء دفاعه عن عرض شقيقتيه. خرج الطبيب متجهم الوجه ووشوش الأب: ابنك مصاب بنزيف داخلى بالمخ نتيجة ضربة قوية بالوجه وإنهم لا يستطيعون السيطرة على النزيف. وإن امكانيات المستشفى لا تسمح. وطلب من الأب الذهاب بابنه الى مستشفى خاص ربما يستطيع انقاذ حياته. لم يتوان الأب وطلب عربة اسعاف على حسابه الخاص وأخذ ابنه الفاقد للوعى. وطلب من السيارة الاسراع به الى المستشفى الخاص لانقاذ ابنه. أسرعت السيارة بكل قوتها يسبقها صوتها المميز لافساح الطريق والتى تدل على أن الحالة التى تحملها بين الحياة والموت. وصلت سيارة الاسعاف الى المستشفى الخاص وجاء العاملون بالترولى على الفور وخطفوا «مصطفى» وأسرعوا به الى الداخل. وجاء الطبيب ليوقع الكشف المبدئى على «مصطفى» وطلب من مساعديه تجهيز غرفة العمليات. ولكن كانت المفاجأة المدوية، نظر الطبيب الى والد «مصطفى» وشقيقتيه، وعيناه امتلأتا بالدموع. كيف يبلغهم بالخبر الحزين، كيف وهو يرى حالتهم وبصيص الأمل الذى يحاولون التمسك به بأن «مصطفى» سيعيش. كيف له أن يفعل ذلك. دون أن يتكلم الطبيب تسرب الاحساس القاتل لوالد «مصطفى» وشقيقتيه، ابنى هيعيش يا دكتور؟ رد عليا أرجوك. حاول تنقذه أرجوك هو سندى فى الحياة هو حامى شقيقتيه، هو بسمتى، أنقذه أرجوك يا دكتور، لماذا تقف هكذا بسرعة اعمل له العملية ووقف النزيف، أرجوك يا دكتور.. كلمات والد «مصطفى» أنزلت دموع الطبيب التى حاول منعها. ونطق بكلماته التى أسقطت والد «مصطفى» مغشيا عليه: ابنك مات ياعم الحاج. صراخ شقيقتى «مصطفى» دوى فى أركان المشفى، لطمتا خديهما على شقيقهما الذى ضحى بحياته من أجلهما على يد شباب لا يعرفون الرحمة ولا الأخلاق ولا الدين. عاد الأب الى وعيه وعاد بجثة ابنه ليواريها التراب بجوار قبر أمه والذى كان لا يتأخر عن زيارتها والحديث عن أحواله وأخبار شقيقتيه. لقد ذهب الى جوارها وترك الألم والحسرة والعذاب لوالده وشقيقتيه. صورته على الحائط تشهد حوارا يوميا مع والده يطمئنه بأن من فعلوا به ذلك وحرموه الحياة سوف ينالون عقابهم ينتظر عم محمود وابنتاه القصاص لفلذة كبده من هؤلاء الذين يعيثون فى الأرض فسادا.