نصت المادة الخامسة من مشروع قانون «تنظيم التظاهر» الذي أعدته وزارة العدل على «عدم جواز تنظيم أية مظاهرة الا بعد تقديم إخطار بذلك الي قسم أو مركز الشرطة المزمع بدء المظاهرة في دائرته وذلك قبل موعدها بخمسة أيام على الأقل»!! والمفروض بداهة أن تنظيم المظاهرات يكون رد فعل لأحداث أو تصرفات أو قرارات أو سياسات معينة... الخ، وأن تكون في موعد قريب من وقوعها لكي يكون للمظاهرة تأثير جدي في الرأي العام، وسلطات الحكم، وموعد الخمسة أيام المذكور يرجئ تحقيق المظاهرة ويوقفها لهذه المرة بدون مبرر سوى تعويق ممارسة حق التظاهر، وقد كان القانون القديم للتجمهر يجعل هذه المدة «48» ساعة فقط، ورغم تقدم وسائل المواصلات والاتصالات وسرعة دراسة الجوانب الأمنية والتنظيمية للمظاهرة نتيجة لذلك فقد كان يكفي الاخطار قبل الموعد المحدد لاجرائها ب 48 ساعة فقط!! وكان يجب أن يحدد للرد من الجهة الأمنية بالموافقة أو الرفض حد أقصى معقول لا يتجاوز ال 24 ساعة، وأن يكون الرفض أو القبول مسبباً!!، ومن الجائز التظلم منه، والاعتراض عليه الى مدير الأمن المختص أو الى وزير الداخلية خلال 24 ساعة من وصول قرار الرفض للمنظمين للمظاهرة أو لمن يوكل رسمياً عنهم!! وقد حددت المادة السادسة من مشروع الوزير مكي البيانات التي يجب أن يتضمنها الإخطار بالمظاهرة، وبينها وجوب تحديد الاعداد المتوقع مشاركتها فيها وهذا أمر شديد الصعوبة، اذا روعي حق افراد الشعب في الانضمام للمظاهرات السلمية بعد تحركها في الطرقات، ويمكن بالطبع للسلطة الأمنية رفض المظاهرة لهذا السبب التعسفي وحده، وقد أُقحم في النص أن لوزير الداخلية سلطة اخطار الجهة المعنية بمطالب المتظاهرين، للنظر في ايجاد حلول لها، بما في ذلك الاجتماع مع المتظاهرين قبل موعد بدء المظاهرة، فالأصل أنه ليس لوزير الداخلية اختصاص بالتفاوض في شأن مطالب المتظاهرين. وهو ما يعطل استخدام حق التظاهر رغم أن المعتاد أن يكون قد استنفد منظمو المظاهرة وسائل التفاوض مع الادارة او الجهة المختصة على اجابة مطالبهم دون جدوى مما دعاهم الى التظاهر. كما أنه في مجال المظاهرات الاحتجاجية الرافضة لبقاء وزير أو وزارة مثلاً فانه لا يتصور أن يتم التفاوض بواسطة وزير الداخلية على حلول سياسية لما يحتج عليه المتظاهرون من جهة محددة ومعينة!! مما يفقد الاحتجاج الموجه علنا للجمهور غايته من تكوين رأي عام للعمل سلمياً وسياسياً وانتخابياً بين المواطنين، على تأييد أو رفض موضوع الاحتجاج وللضغط على السلطة العامة المختصة!! وقد نصت المادة الثامنة على تشكيل وزير الداخلية لجنة تراجع مع منظمي المظاهرة «الضوابط والضمانات الكفيلة بتأمينها، وحماية الارواح والممتلكات العامة والخاصة ويجوز لهذه اللجنة تغيير مسار المظاهرة بالاتفاق مع المتظاهرين!!» والمفروض أن تتولى الجهة الأمنية وضع الخطط الخاصة بتأمين المظاهرة وكفالة عدم اندساس أو اعتداء آخرين عليها، مع توفير افراد الأمن والوسائل اللازمة لذلك، ولم يرد بالنص معيار لتحديد الضوابط والضمانات المشار اليها، بما يكفل عدم التعسف من اللجنة الأمنية المذكورة لرفض المظاهرة!!، ورغم مانصت عليه المادة التاسعة من حق وزير الداخلية أو مدير الأمن الاعتراض على المظاهرة، وطلب الغائها أو نقلها تعبيراً عن «السلطة المطلقة» لهذه الجهة الأمنية في الإذن للمظاهرة أو رفضها، فإن هذا الطلب المعوق للمظاهرة بالنسبة لمضمونه يدخل حتما في نطاق القرارات الادارية الأمنية، التي يختص وحده بنظر الطعن عليها قضاء مجلس الدولة طبقاً لاحكام المادة 174 من دستور «مرسي والغرياني» الباطل التي نصت على أن «يختص مجلس الدولة دون غيره بالفصل في كافة المنازعات الادارية.. الخ» ومن ثم فانه يخالف الدستور المذكور جعل هذا الاختصاص لقاضي الأمور الوقتية بالقضاء العادي!! ومن الأحكام الغريبة في مشروع القانون المذكور ما نصت عليه المادة العاشرة منه على أنه «يحدد المحافظ المختص بالتنسيق مع وزير الداخلية حرماً معيناً لا يزيد على خمسمائة متر لاقامة أي مظاهرة امام أي من المواقع المذكورة في هذه المادة، التي تشمل في بنودها القصور الرئاسية والمباني العامة، والمناطق العسكرية.. الخ بل قد اجازت المادة الحادية عشرة ان يضيف مجلس الوزراء الى هذه الجهات العامة العديدة جهات اخرى تكون حمايتها لازمة لتحقيق اعتبارات الأمن والنظام العام!! وهذان النصان يفقدان حق التظاهر اهدافه وهى التوصيل العلني لرفض أو تأييد المتظاهرين لتصرفات أو قرارات أو شغل اشخاص محددين لمناصب سياسية أو ادارية معينة ويفقد التظاهر حتما، كل غاياته في التعبير العلني، والجماهيري عن احتجاجات أو تأييد أو رفض المتظاهرين لأمور محددة، ما تضمنه نص المادة الحادية عشرة من المشروع من حظر إقامة المتظاهرين منصات للخطابة أو الإذاعة أو نصب خيام للاعتصام والمبيت بالاضافة الى النص على أنه يجوز لوزير الداخلية الحصول على أمر من النيابة العامة بمنع البدء في اقامة أي عمل من هذه الأعمال المحظورة، أو انهائها حال بدايتها بالقوة!! ويتضح مما سبق ان المشروع يحظر في الحقيقة التظاهر العلني والجماهيري ويفقد التظاهر طبيعته ووسائله المعروفة والطبيعية، كما يعوق الغايات والمقاصد للتظاهر ويجعل للسلطة الأمنية ووزير الداخلية السلطة المطلقة في الإذن بالتظاهر.. وللحديث بقية. رئيس مجلس الدولة الأسبق