بموجبه من حق الشرطة أن تطلق الخرطوش فى الهواء "للثورة شعب يحميها..وللمظاهرات قانون ينظمها".. تلك ببساطة هي المعادلة التي يسعي مشروع هذا القانون لتحقيقها، ورغم أن الثورة أي ثورة، هي في الأساس نتاج مظاهرات متمردة ورافضة للقانون، إلا أن وزارة العدل في مشروع قانونها الجديد، توصلت إلي خلطة سحرية تجعل للمظاهرات قانونا خاصا لا يمكن التمرد عليه في أشد أوقات الثورة اشتعالاً. مشروع قانون تنظيم الحق في التظاهر بالأماكن العامة، الذي أعدته وزارة العدل، وطرحته للنقاش والحوار المجتمعي، جاء في 62 مادة حاملاً بين طياته عشرات المطبات الوعرة التي أبداً لن ترضي أيا من الثائرين، وكأنه جاء خصيصاً ليجعل للثورة حدودا. نص مشروع القانون، يتضمن عدداً من المواد الإيجابية أبرزها حظر استخدام الرصاص الحي في غير حالة الاعتداءات علي المنشآت، وبقرار من قاضي الأمور الوقتية، بالإضافة إلي منع تعطيل مصالح المواطنين وقطع الطريق بأي وسيلة، والابتعاد عن المؤسسات الحيوية والسفارات والوزارات والهيئات بمسافة لا تقل عن 005 متر. ويمنح المشروع لوزير الداخلية الحق في إخطار الجهة المعنية بمطالب المتظاهرين للنظر في إيجاد حلول لها بما في ذلك الاجتماع مع المتظاهرين قبل موعد بدء المظاهرة، كما يحظر ارتداء الأقنعة، أو الرسم بالجرافيتي، ونصب الخيام، وتشغيل الأغاني، ويمنع اللافتات المسيئة. وفي تصريحات خاصة ل"آخر ساعة"، تحدث وزير العدل، المستشار أحمد مكي، عن مشروع القانون الجديد للمظاهرات، مؤكداً أنه جاء مناقضاً تماماً لما تم نشره في الصحف، وأنه كان حريصاً علي صياغته لأن الشعب أساء فهم التظاهر وأسرف في استخدامه، مؤكداً أن كل حق يجب وضع ضوابط له حتي لا يساء استخدامه. وأكد مكي أن هناك حالة من سوء الظن باتت تحكم الحياة المصرية، وأن هناك العشرات انتقدوا هذا القانون دون أن يطلعوا عليه من الأساس، موضحاً أن القانون جعل التظاهر مباحاً في جميع أماكن الجمهورية، ولكن بعيداً عن مؤسسات الدولة الحيوية، وذلك بهدف حماية الدولة ومؤسساتها بجانب حماية المتظاهرين. تنظيم وليس تجريما وأوضح أن الثورة هي خروج علي القانون، ولكن كان الهدف منها في 52 يناير، تحقيق مصالح عليا، وأنه لابد من ثورة تشريعية لتعديل القوانين التي أنشأها النظام السابق مثل قانون تدفق المعلومات وحق التظاهر والتعبير والطوارئ، وأن قانون التظاهر جاء لتنظيم المظاهرات وليس تجريمها. وقال وزير العدل، إن قانون التظاهر الذي طرحه لا يهدف إلي خدمة الإخوان المسلمين، وإنما يهدف إلي مصلحة الشعب المصري الذي يتضرر من قطع المواصلات وهدم مؤسسات الدولة، لدرجة أننا وصلنا لمستوي الدولة الفاشلة التي يستطيع فيها أي تجمع قليل أن يفعل ما يريد. أضاف، القانون يمنع تغطية الوجه خلال التظاهرات سواء للرجل أو المرأة قائلاً: "الست المنتقبة تقعد في بيتها، إزاي أنا هقدر أفرق بينها وبين أعضاء من البلاك بلوك؟". وأثار مشروع القانون الجديد للمظاهرات، حفيظة الحقوقيين والسياسيين، فاستنكره بشدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، حافظ أبوسعدة، مؤكداً أنه يخالف الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وأن نص القانون الجديد في المادة الثامنة عشرة تعطي لقوات الأمن الحق في إطلاق طلقات الخرطوش في الهواء، الأمر الذي قد يؤدي لوقوع الكثير من الإصابات وربما حالات القتل ولذلك وجب عدم إطلاق الخرطوش حتي لو كانت في الهواء مما يجب معه حذف هذا البند من هذه المادة احتراماً لحقوق المواطنين وحقهم في الحياة. قيود متعددة وأشار أبوسعدة، إلي أن القانون نص في مادته الخامسة علي أنه لا يجوز تنظيم مظاهرة إلا بعد تقديم إخطار بذلك إلي قسم أو مركز الشرطة المزمع بدء المظاهرة في دائرته، وذلك قبل موعدها بخمسة أيام علي الأقل، وهو أمر يتعارض بشدة مع رغبة بعض القوي السياسية في بعض الأحوال في تنظيم مظاهرات كرد فعل لبعض الأحداث الطارئة. وتحدث عن المادة السادسة، مؤكداً أنها تضع هي الأخري عدد من الشروط الإدارية من قبيل أن يتضمن الإخطار مكان المظاهرة، وميعاد بدايتها ونهايتها، والأسباب التي دعت لتنظيم المظاهرة، والمطالب التي ترفعها، وخط سير المظاهرة المقترح، والأعداد المتوقع مشاركتها فيها، وهذه عبارة عن مجموعة من القيود التي تحد من فعالية المظاهرات التي هي قامت في الأساس للضغط علي الحكومات للانصياع إلي مطالبها. أضاف، كما تضمن المشروع المقترح قيداً آخر وهو ما جاء في المادة التاسعة بالنص علي أن يجوز لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص أن يعترض علي المظاهرة بطلب يقدم إلي قاضي الأمور الوقتية بإلغائها أو إرجائها أو نقلها لمكان أو خط سير آخر، متي وجدت أسباب جوهرية لذلك، ويصدر قاضي الأمور الوقتية قراراً مسبباً بذلك علي وجه السرعة، وهو ما يعطي لوزير الداخلية أو مدير الأمن الحق في الاعتراض علي المظاهرات ولم يحدد علي وجه أساسي الأسباب المحددة التي تجعله يعترض علي المظاهرات. وطالب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، الحكومة بالعدول عن هذا القانون وسن قانون جديد للتظاهر السلمي يأتي متسقاً مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي كفلت الحق في التظاهر السلمي بما يبرز أن الثورة قامت وحققت أهدافها في تحقيق الديمقراطية وليس بالرجوع للخلف إلي عصور القمع والاستبداد. ورفض عضو المكتب السياسي لحزب غد الثورة، شادي طه، مشروع القانون الجديد، وقال: "بنود مشروع هذا القانون تصل إلي حد حظر التظاهر وليس تنظيمه"، مشيراً إلي أن هناك مشكلة حقيقية تواجه رجال القانون بشكل عام، وهي عدم وجود نصوص رسمية بشأن الإخطار بمشروعات القوانين، مؤكداً أنهم دائماً ما يحصلون علي تلك النصوص من وسائل، مشيراً إلي أننا نعاني جميعاً من غياب الشفافية. وقال: "هذا المشروع يجور علي حق التظاهر والحرية في التعبير، ويضع من القيود والقواعد والإجراءات التي تحد من هذه الحقوق والحريات، وينحاز إلي جانب السلطة بوضع إجراءات من شأنها إعاقة حرية التعبير والرأي والتظاهر". أضاف، إقرار هذا القانون سيكون مدعاة للتظاهر بسبب قيوده، مشيراً إلي أن المواطن أصبح الآن لا يقيم وزناً للقرار الحكومي الأمر الذي قد يسير بنا إلي مزيد من الفوضي، مشيراً إلي أن مثل هذه المشروعات غير مدروسة جيداً واتخاذها ناتج عن لحظات انفعالية تدل علي حجم الارتباك الذي نعيشه وهو ما يهدد فكرة الدولة نفسها. في المقابل، أكد الفقيه الدستوري، الدكتور ثروت بدوي، أن هناك خطأ شائعا لدي الكثيرين ومنهم رجال القانون حول شريعة الاعتصام والتظاهر، مشيراً إلي ضرورة التفريق بينهما جيداً لأن الاعتصام يعد جريمة جنائية يقع القائم عليها تحت طائلة قانون العقوبات، أما التظاهر فهو حق للتعبير أو الاعتراض علي شيء ما. حماية للمتظاهرين وأشار إلي أن المواد الخاصة بالمشروع تنص علي ضرورة إخطار الداخلية بخصوص التظاهر قبل الموعد المحدد ب5 أيام كاملة، وهي فترة طويلة ومن الممكن الاكتفاء بالإخطار قبل ذلك بمدة ثلاثة أيام علي أقصي تقدير، موضحاً أن بعض المواد ضمت عددا من الضمانات التي تكفل سلمية التظاهر، والتي من شأنها تجريم حمل المتظاهرين لأي أدوات قد تستخدم للعنف وهو أمر جيد لوقف نزيف الدماء، مشيراً إلي أن التظاهرات كانت سبب أحداث العنف المتكررة والتي تتسبب في وقوع قتلي ومصابين من أبناء الوطن. وقال بدوي: "من الممكن تجريم التظاهر في ساعات معينة خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل حفاظاً علي السكينة العامة والهدوء اللازم للسكان في منازلهم"، مشيراً إلي ضرورة التعبير عن الرأي دون إحداث أي مشكلات للمارة أو السيولة المرورية في الشوارع كأن يتم تحديد مكان معين في أحد الطرق علي جانب واحد وترك الآخر". وانتقد الفقيه الدستوري دور الإعلام، مشيراً إلي أنه يجب أن يلعب دوراً في تثقيف الناس بضرورة التظاهر السلمي فقط، إلا أن الآونة الأخيرة شهدت تحريض بعض الإعلاميين علي التظاهرات العنيفة من خلال عبارات مسيئة أخلت بهيبة الدولة والسلطة. وأعلن الأمين العام السابق للمجلس الأعلي للقضاء، المستشار محمد عيد سالم، تأييده الكامل لهذا المشروع، مشيراً إلي ضرورة أن يتعلم المواطنون معني التظاهر السلمي الذي لا يخرب أو يتلف أو يتعدي علي حقوق الآخرين. أضاف، البعض من عامة الناس فهموا هذا الحق علي أنه يتيح لهم قطع الطرق والتعدي علي الأشخاص والمنشآت العامة والخاصة، مما يتعين معه ضرورة أن تكون هناك توعية شديدة للمواطنين بحق التظاهر، وإصدار قانون ينظم حالات التظاهر ويضع الضوابط اللازمة لها ويحدد الأماكن، وكيفية التعامل مع المتظاهرين. أضاف، منذ قيام ثورة يناير والجميع يؤكد أنها سلمية، ومع ذلك لا تخلو أي مظاهرة بعد الثورة من القتلي وعشرات المصابين ضارباً المثل بأحداث ماسبيرو، ومحمد محمود، وغيرها من التي شهدت إراقة دماء المصريين. وناشد سالم المتظاهرين مؤيدين ومعارضين بعدم التخريب أو تهيئة المناخ لاندساس بعض العناصر الإجرامية وسط هذه التظاهرات، مشيراً إلي أن هذا القانون قد يحد من قتامة المشهد، وأن الشعب الذي لا يقدر قيمة الحرية لا يستحقها فمن الضروري توفير إجراءات صارمة يلتزم بها الجميع. بينما أكد عضو الهيئة العليا لحزب التيار المصري، أحمد نجيب، أن مشروع القانون حمل بعض المواد التي تثير الشك والريبة، مثل ضرورة إخطار الجهات الأمنية، مشيراً إلي أنه إذا كان الهدف منها هو تأمين التظاهرات أو توفير سيارات للإسعاف أو غيرها فهذا أمر طيب، أما إذا كان الإخطار يستهدف تدخل الداخلية في مسارات التظاهرات أو التدخل بشكل أو بآخر في الهتافات أو الشعارات التنظيمية أو منعها في الأساس فهذا مرفوض تماماً ويتنافي مع حق المواطن في التعبير عن رأيه. وقال: "السلطة عليها وضع إجراءات لحماية المتظاهرين، وكفالة حق التظاهر كاملة، ولكن ليس من حقها وضع عراقيل وقيود علي ممارسة هذا الحق. وعن حظر القانون للتظاهر أمام مؤسسات الدولة، وعلي رأسها الهيئات والمؤسسات القضائية، يري عضو مجلس الشوري عن حزب النور السلفي، عبدالحليم الجمال، إن نص القانون بتجريم التظاهر أمام الهيئات والمؤسسات القضائية هو مطلب شرعي لأن الحفاظ علي هيبة القضاء جزء أصيل من الحفاظ علي هيبة الدولة المصرية، مؤكداً أن مجلس الشوري عند مناقشته لهذا المشروع، سيضع في الاعتبار تجريم التظاهر أمام القضاء حتي لا يكون جزءا من اللعبة السياسية مما قد يؤثر علي دوره في الشارع، مطالباً بأن يشمل القانون منع التظاهر وتجريمه أمام كل مؤسسات الدولة، خاصة الحيوية منها مع توفير المكان والمسافة المناسبة لحمايتها. القضاء ممنوع ويؤكد رئيس نادي قضاة أسيوط، المستشار رفعت السيد، إن فكرة التظاهر أمام المحكمة أو داخلها أو بالقرب منها أمر مرفوض، ويعاقب مرتكبه بالحبس حتي 3 سنوات لأن في هذه المظاهرة ضغط علي القضاة للوصول إلي هدف معين من خلال ترويع القاضي، مشيراً إلي أن القضاء مستقل يحكم بما في أوراق الدعوة وبما يقدم إليه من أدلة ومستندات ويستلهم القاضي في هذا ضميره وأي محاولة لترويعه أو التأثير عليه أو توجيهه بأي وسيلة من وسائل التعبير سواء بالكتابة في الصحف أو بالمظاهرات الشفهية أو بإرسال خطابات ورسائل إليه تعتبر جريمة تسمي جريمة التأثير علي القضاء. وأوضح أن فكرة المظاهرة القصد منها هو التعبير عن الرأي وتوجيه صوت المتظاهر إلي صاحب القرار لكي يتخذ قراره وفق ما جاءت به هذه المظاهرات وما طرح فيها من شعارات وهو ما لا يجوز مطلقاً في القضاء، مؤكداً أن فكرة التظاهر أمام المحاكم مجرمة في قانون العقوبات الحالي، مطالباً بتفعيل العقوبة في قانون التظاهر الجديد أو تشديدها. وطالب السيد، بأن يمنع قانون التظاهر قيام أي مظاهرات أمام المحاكم ولا حتي علي مسافة منها، مشيراً إلي أن هذا أشبه بمناقشة إمكانية إلغاء الدين الإسلامي من مصر، مؤكداً أن القضاء لا علاقة له بآراء الناس فهو لا يجري استفتاء لما يريده الناس ولكنه يصدر أحكامه وفقاً للقوانين فقط.